وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

“ابقي في المطبخ.. سنناضل بالنيابة عنك”

الحركة النسائية : متظاهرين جزائريين
صورة تم التقاطها يوم ٨ مارس ٢٠١٩ لمجموعة من النساء أثناء احتجاج متظاهرين جزائريين ضد ترشّح الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لتولي الرئاسة لعهدة رئاسية خامسة. المصدر: RYAD KRAMDI / AFP.

حكيم مرزوقي

ـ نساء السترات الصفراء لا يحضرن الطناجر إلى الشانزلزيه.. لماذا؟

هل تتذكرون المظاهرات الاحتجاجية في فرنسا، والمعروفة بالسترات الصفراء؟ سؤالٌ قد يكون ماكرا وغير بريء: لماذا لم نلمح في احتجاجات السترات الصفراء بفرنسا مثلا سيدات يعددن وجبات الطعام للمتظاهرين، كما هو الحال في السودان وربما غيرها من بعض البلدان العربية والإسلامية؟ ولماذا لم تعرف تلك التظاهرات الاحتجاجية في داخلها انقسامات أو مصادمات على خلفية تصنيفات تخص الجنس والتوجه والشعارات المرفوعة؟

الجواب يكاد يكون واحدا، وإن جاء بصورة مبطنة، وتحت ذرائع وقناعات شبه مؤكدة، وهو أن خصوصياتنا الاجتماعية والثقافية تختلف عن خصوصياتهم. كما أن مطالبنا السياسية ذات البعد الشمولي، تختلف عن صرخاتهم الاحتجاجية التي لا تتعدى الجانب المطلبي لفئة دون غيرها من المجتمع.

المسألة إذن تتعلق بصلب تركيبة المجتمع وأولوياته. فغالبية المظاهرات والتحركات الشعبية في البلاد العربية تنسى أو تتناسى باقي مكونات المجتمع، وتضفي صبغة ذكورية على الشارع الذي تتحرك فيه، وتحت يافطة لا يمكن لها أن تتلون أو تتسع لغير العقلية التي تود الاستئثار به وتحركه هي وحدها.

نظرةٌ سريعة وفاحصة إلى أي شارع عربي في حالة احتجاج، كفيلة بقراءة مكونات المجتمع ورصد تراتبية فئاته طبقيا وثقافيا. ذلك أن مؤشرات كثيرة مثل الثياب والشعارات وأماكن التجمهر، وحتى طبيعة المشادات الكلامية في الشارع الواحد، تعطي الدليل على سيطرة النزعة الذكورية، وقبول بعضهم العنصر النسائي على مضض، وإن كانت الحالة تختلف نسبيا، من بلد إلى آخر، بحسب ما حققته المرأة من مكتسبات، وسمحت به الحكومات من هوامش حريات.

“أنا مناضلة نسوية ولن أتراجع عن حقوقي. حرية المرأة ونضالها لا يوقفه مندسون في الحراك الشعبي”، بهذه العبارة استهلت الناشطة النسائية الجزائرية آمال حجاج، حديثها لـوكالة الأنباء الألمانية. عادت بالذاكرة بضعة أسابيع إلى الوراء، واستحضرت واقعة تعنيف نساء ناشطات في حركة “الفيمينيست”، وهي حركةٌ عالمية معنية بمطالب أنثوية عامة في إطار الحركة النسائية العالمية، في الجمعة السادسة من مسيرات الجزائر.

وأوضحت حجاج، أنها كانت قد تعرضت لاعتداء مع رفيقاتها في الحركة النسائية، في جمعة 29 مارس، والتي شهدت حضورا نسائيا كبيرا في مربع الحراك الشعبي المناهض لاستمرار نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. تعود أمال، إلى وقائع تلك الجمعة بقولها “نظمنا أنفسنا قبل هذا الموعد واتفقنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على هيكلة حركتنا النسائية. وما أن بدأنا في التجمع بالشارع العام، حتى زحف علينا متظاهرون وسحبوا منا يافطاتنا التي حملت شعارات الحركة النسائية التي تنادي بتحرر المرأة والمساواة، ونفذوا ضدنا اعتداءات مادية ولفظية”.

وعلى الرغم من تنديد الكثير من الشابات الجزائريات بمثل هذه الاعتداءات المتكررة ضد الناشطات في الحركة النسوية، واللاتي يسعين بدورهن إلى استغلال فرصة الحراك الشعبي لرفع مطالب قديمة متجددة، تخص المساواة والحرية للمرأة وإسقاط قانون الأسرة الذي يعتبرنه بمثابة العقوبة الوضعية مسلطة بوحشية على النساء، إلا أن نساء من بنات جنسهن يغضضن الطرف عن مثل هذه الممارسات، بل ويعتبرنها “ردة فعل طبيعية” إزاء من جئن لـ ” تعكير صفو الحراك الشعبي وتحريفه في اتجاه مطالب فئوية ضيقة”.

ومن ضمن هذه المواقف التي تتغلب فيها الأيديولوجيا السياسية على الحقوق المدنية، فتغدو “المرأة ضد المرأة”، ترى مديرة جريدة “الفجر” الجزائرية ذات التوجه الإسلامي، حدة حزام، أن خروج “الفيمينيست” للمطالبة بحقوقهم النسوية تزامنا مع الحراك الشعبي “ركوب وقفز على مطالبه المشروعة”، معتبرة أن الاحتجاجات الفئوية من شأنها أن تقلل من حجم الحَراك وتجهضه، حسب تعبيرها.

في المقابل، جاء نزول المناضلة الجزائرية إلى الميدان، ومساندتها الشبان والشابات حراكهم الشعبي ليعطيه رمزية وطنية، يحسم الأمر ويرجح الكفة لصالح التداخل النضالي بين الحقوق السياسية والمدنية. لكن ذلك لن يحجب الخلل الحاصل في البنية الذكورية للمجتمع الجزائري، ومحاولة استئثار غالبية من الرجال، دون النساء بـ “امتياز” وأحقية النزول إلى الشارع، وكأن لسان حال هؤلاء يقول للمرأة “ابقي أنت في المطبخ، وسنتكفل نحن بهذا الحراك الشعبي”.

طبعا لا يمكن إنكار جوانب إيجابية مشرقة ارتبطت بالحراك الشعبي الجزائري من ناحية مشاركة المرأة، ومن مختلف الفئات العمرية، وكذلك الأمر في تونس ومصر في يناير 2011. أما عن السودان، فلدى هذا الشعب الطيب خصوصية هائلة تمثلت في الفتاة الأيقونة آلاء صالح، الملقبة بـ ” الكنداكة السودانية”، وتجلت في همة السيدات السودانيات أمام طناجر الطبخ في ساحات المتظاهرين، وكأن لسان حالهن يقول: لن نبقى في المطبخ، سنلحق بكم نحن والمطبخ إلى هنا.

هذه الخصوصية لا نجدها لدى نساء السترات الصفراء المتظاهرات في جادة الشانزلزيه، بطبيعة الحال. لكن ما يمكن أن يفسد رونقها هو الخوف من تسلل العناصر المتشددة إليها، ومحاولة تتويه البوصلة وتزوير الشعارات في مجتمع لا يملك الكثير من الحصانة الحقوقية بسبب ما فعلته الدكتاتورية الدينية والحكم الفردي طيلة عقود من الزمن.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.