وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كي لا يكون اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني لزوم ما لا يلزم

اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني
صورة تم التقاطها يوم ١٥ أغسطس ٢٠١٨ للرئيس الفلسطيني محمود عباس أثناء حديثه في الاجتماع الذي عقده المجلس المركزي الفلسطيني في مدينة رام الله بالضفة الغربية. المصدر: ABBAS MOMANI / AFP.

ماجد كيالي

سيعقد المجلس المركزي الفلسطيني دورة اجتماعات له في رام الله، في السادس فبراير 2022، لمناقشة أوضاع الساحة الفلسطينية، وواقع منظمة التحرير والسلطة، وكيفية التعامل مع السياسات الإسرائيلية، من دون أن ينبني على ذلك الاجتماع أية مراهنات.

ولعلّ ما يفترض توضيحه هنا، بخصوص الاستنتاج المذكور، أولا، أن هذا الاجتماع يأتي بعد ثلاث سنوات على اجتماع سابقه (أواخر 2018). ويعني هذا أنه لا يوجد اجتماعات منتظمة لهذه الهيئة التي حلت محل المجلس الوطني الفلسطيني وهو الهيئة التشريعية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تعرضت لتهميش كبير، لصالح كيان السلطة. وهنا، لا بد لنا من التذكير بأن المجلس الوطني لم يعقد سوى دورتين منذ إقامة السلطة الفلسطينية قبل حوالي ثلاثة عقود، إذ عقدت الدورة 21 في العام 1996، وعقدت الدورة 23 في العام 2018 (الدورة 22 كانت دورة استثنائية لترميم عضوية اللجنة التنفيذية).

ثانيا، يأتي هذا الاجتماع، فقط لأغراض وظيفية، وبحسب مزاج الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن لتمرير رسائل سياسية معينة، أو لتجديد الشرعية وتعزيز مكانة الطبقة المهيمنة في السلطة الفلسطينية، على نحو ما ورد في الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية لحركة فتح، وحدد فيه تسمية أعضاء منها لملء الشاغر في قيادة المنظمة.

ثالثا، لا ينتظر من هذا الاجتماع أي فاعلية سياسية، إذ لا يوجد ما يمهد لذلك عمليا. ثم إن كل القرارات التي اتخذها المجلس المركزي في دوراته السابقة، وبحسب التجربة، إما تتم إحالتها إلى اللجنة التنفيذية التي تنساها في الأدراج، أو يقوم الرئيس ذاته بإلغائها؛ وهذا حال القرارات التي اتخذت منذ العام 2015 بوقف التنسيق الأمني، أو بإجراء الانتخابات، أو بإنهاء الانقسام. رابعا، معظم الفصائل الفلسطينية لن تشارك في هذا الاجتماع ما ينتقص من شرعيته، ومن جديته.

على أية حال، وفوق كل التوضيحات السابقة، فإن أي قول أو خيار قد يجري تبنيه، في الاجتماع المذكور سيواجه عدة مشكلات، أهمها:

أولا، أن ثمة فجوة واسعة بين مجتمعات الفلسطينيين والقيادات الفلسطينية، في الداخل والخارج، وثمة إحساس كبير بالضياع والتخبط والإحباط وغياب المرجعية والإجماعات الوطنية.

ثانيا، بغض النظر عن جدّية القيادة، من عدم ذلك، فثمة واقع فصائلي لا يستطيع حمل أية مهمات كفاحية، إذ أن الفصائل وصلت منذ زمن، إلى حالة من الشيخوخة، والتكلّس، ناهيك عن تآكل مكانتها في مجتمعات الفلسطينيين، وأفول دورها في مواجهة إسرائيل. والمعنى أنه لا يمكن تحميل رؤى سياسية أو خيارات كفاحية جديدة على حوامل قديمة، ومستهلكة، أو لم يعد لديها ما تقدمه أو تضيفه للعمل الوطني الفلسطيني، بعد كل هذه التجربة، وبعد كل التغيرات والتحولات المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبالتأثيرات الدولية والإقليمية فيها.

ثالثا، إن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة وفتح، لم تهيئ ذاتها ولا شعبها لأي تغيير سياسي، لا على صعيد بناء الوضع الفلسطيني، ولا على صعيد مواجهة سياسات إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية، وضمنها تعزيز الاستيطان، وهدم البيوت ومصادرة الأراضي واستمرار الحصار على غزة.

رابعا، إنّ المعطيات الدولية والإقليمية غير ملائمة للفلسطينيين، سيما بسبب التصدّع الدولتي والمجتمعي في المشرق العربي، ولامبالاة العالم، وانشغال البلدان العربية بمشكلاتها، وضمنها صعود مخاطر النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

مع كل تلك المحددات والقيودات، ومع تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية الوصول إلى هذه الحالة، نتيجة مراهناتها الخاطئة والأحادية، يمكننا أن نلاحظ أن أكثر شيء يجمع عليه الفلسطينيون الآن إنما يتمثّل، أولا، بضرورة إعادة بناء البيت الفلسطيني، أي المنظمة والسلطة والفصائل، وإنهاء حال الانقسام المضر والمدمر. ثانيا، طرح رؤى سياسية تعيد التطابق بين قضية فلسطين وشعب فلسطين وأرض فلسطين؛ رؤى سياسية تجيب على مختلف الأسئلة التي تطرحها مجتمعات الفلسطينيين (في الخارج أي اللاجئين وفي الأرض المحتلة 67 وفي مناطق 48). ثالثا، انتهاج أشكال عمل وتبني وسائل كفاحية تتناسب مع إمكانيات وظروف الفلسطينيين، وتعزز صمودهم في أرضهم، وإعادة بناء الكيانات السياسية بحيث تحمل هذه الرؤى المطروحة.

بديهي إن ذلك يتطلب عقد أكثر من مجرد اجتماع للمجلس المركزي، إذ كلّ ذلك يفرض عقد مؤتمرات أو ملتقيات للشخصيات الفلسطينية الفاعلة، من رجال أعمال وأكاديميين ومثقفين وفنانين، لتعزيز مشاركتهم، وتمثيلهم، في العمل الفلسطيني، لأن تقديم إجابات على أسئلة الواقع المعّقد يحتاج إلى جهد جماعي مثابر، وإلى منابر نقاش، وهو للأسف غير متاح على النحو المناسب في الحالة الفلسطينية المتشظّية، وفي ظل هيمنة الفصائل على المجال العام، وفي ظل تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.