وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التصعيد بين إسرائيل وإيران في سوريا: مخاطر الحرب

Syria- Golan Heights
دبابات ميركافا وجنود إسرائيليون يظهرون في منطقة انتشار بالقرب من الحدود السورية في مرتفعات الجولان، 10 مايو 2018. Photo AFP

في 10 فبراير 2018، أسقِطت طائرة إف 16 إسرائيلية في سوريا في أعقاب هجومٍ إسرائيلي على مواقع سورية وإيرانية داخل سوريا. جاء الهجوم رداً على قيام طائرة إيرانية بدون طيار– والتي وفقاً للمزاعم كانت تحمل متفجرات– بدخول المجال الجوي الإسرائيلي قبل ساعات من ذلك. وبعد شهرين، قُتل سبعة مستشارين عسكريين إيرانيين في غارةٍ جوية إسرائيلية على مطار التيفور العسكري في حمص. وعليه، تعهدت إيران بالرد، وبعد شهرٍ تقريباً، أمطرت مواقع إسرائيلية في مرتفعات الجولان المتنازع عليها بالصواريخ. وبالرغم من عدم تأكيد إيران مشاركتها في الهجوم، إلا أن بيانها وخطاب الحليف، زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، حول المسألة- بالإدعاء أن العدد الدقيق للصواريخ كان 55 صاروخاً- يوجه أصابع الإتهام إلى إيران. ومرةً أخرى، شنت المقاتلات الإسرائيلية عدة هجماتٍ على مواقع وقوات إيرانية داخل سوريا. وبالتالي، فإن التصعيد حقيقة واقعة في المواجهات الإسرائيلية – الإيرانية في سوريا. والسؤال هو لماذا الآن؟ وأين يتوقف التصعيد؟

فقد وفرّ تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المتطرف لمجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة- بما في ذلك إيران والولايات المتحدة الأمريكية- عدواً مشترك. فإيران تُركز، إلى جانب دحر تنظيم داعش، على دعم النظام السوري. وترتكز الحملة الإيرانية في سوريا على فرضية أن سقوط النظام سيكون له مفعول التداعي على حلفائها الآخرين، وبالتحديد حزب الله والعراق، وصولاً إلى الحدود الإيرانية. وزعم المرشد الأعلى آية الله خامنئي أنه إذا لم تقاتل إيران “الإرهابيين” في سوريا والعراق، فسيتعين عليها محاربتهم داخل مدنها. في حين ادعى الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، أن تنظيم الدولة الإسلامية أجبر على التسبب بالأذى لإيران وليس لسوريا. وفي خطابٍ آخر، فيما بدا أنه محاولةٌ لحشد الدعم، قال سليماني أن التكفيريين (أعداء الإسلام) يريدون تدمير ضريح السيدة زينب، وهو مقامٌ مقدس للشيعة من جميع أنحاء العالم. وبالتالي، ووفقاً لأبعاد متعددة، يرتكز المنطق وراء تورط إيران في سوريا على الأمن الإيراني أكثر من أي شيءٍ آخر، بما في ذلك تهديد النظام الإسلامي من قِبل إسرائيل، التي يصفها النظام الإيراني بـ”الشيطان الصغير.”

إلا أن إسرائيل تنظر إلى الأزمة السورية من منظورٍ مختلف. وعلى الرغم من أن الحرب والأزمة على حدودها حافظت على تركيز أنظار النخب الأمنية والعسكرية على سوريا، إلا أنه لطالما تعمل الأزمة على إضعاف سوريا وحلفائها فيما يسمى “محور المقاومة،” فقد كانت المشكلة بلا أدنى شكل موضع ترحيب. وعليه، تعايشت إسرائيل مع الوضع إلى حين سقوط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” في هذه الأثناء، أصبحت الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا- ضد شحنات الأسلحة الإيرانية المزعومة إلى لبنان- شائعةً ومتكررة. وهذا من شأنه أن يتغير في أعقاب هزيمة داعش وإضعاف قوى المعارضة في سوريا.

ومع خروج تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” من الصورة بشكلٍ أو بآخر، وتراجع المعارضة السورية، فإن حسابات كلٍ من إسرائيل وإيران في سوريا باتت تتغير. إن حقيقة إنتصار النظام وحلفاؤه لم تكن لتزعج إسرائيل بهذا الحد ما لم تشارك بها قوات (مؤيدة) لإيران. بعبارةٍ أخرى، تخشى إسرائيل توالد نموذجٍ مشابه لحزب الله على حدودها مع سوريا بمساعدة القوات الإيرانية الموجودة هناك. لذلك، فهي تركز على “الحشد العسكري” الإيراني، بما في ذلك وجود حزب الله في سوريا، باعتباره تهديداً طويل الأمد- وهي جهة نظرٍ تتقاسمها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

Syria- Israeli army
رجل يتابع عرضاً مصوراً يقدمه رئيس الوزراء الاسرائيلي خلال المنتدى الدولي لوزراء الأمن الداخلي في القدس، 14 يونيو 2018.Photo AFP

وبالرغم من المخاطر الكبيرة بالنسبة لإسرائيل، إلا أن طهران لم يسبق أن شعرت بمثل هذا الرضا عن النتيجة في سوريا، التي رفعت من مكانتها الإقليمية وعززت سمعتها باعتبارها الداعم الرئيسي للنظام السوري. وفي الوقت نفسه، لاحظ الخبراء الاستراتيجيون الإيرانيون أن الرئيس السوري بشار الأسد يفترض أن الحرب لم تنتهِ بعد. فمن ناحية، تسيطر قوات سوريا الديموقراطية التي يسيطر عليها الأكراد والتي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي السورية؛ ومن ناحيةٍ أخرى، لا تزال قوات المعارضة المتبقية تسيطر على محافظة إدلب على الحدود مع الأراضي التي تحتلها تركيا في شمال سوريا.

وعلى هذا النحو، ركزت إيران في الأشهر الأخيرة على مساعدة حلفائها على احتلال الجيوب المتبقية داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام مثل الغوطة ومخيم اليرموك داخل دمشق، وأعربت عن عزمها دعم النظام السوري في غزو إدلب والأماكن الأخرى التي تقع “تحت الاحتلال في سوريا.” ونتيجةً لذلك، تبدو مواجهة إسرائيل بعيدة كل البعد عن سلم أولويات إيران في الوقت الراهن.

ولكن بالنسبة لإسرائيل لا تُغير أولويات إيران طبيعة التهديد طالما بقيت الحسابات الاستراتيجية على حالها. ووفقاً لذلك، فإن المواجهة مع إيران متوقعة. يستند منطق إسرائيل في تصعيد ردها على الوجود الإيراني في سوريا إلى فرضية مفادها أن ضرب إيران في سوريا أمرٌ أكثر جدوى بينما تواجه طهران تحديات وأعداء آخرين من إنتظارها تعزيز موقعها في سوريا. ومع ذلك، قد يكون هناك اعتبارٌ آخر، فكما يقترح بعض المحللين، يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة صرف الانتباه عن قضية الفساد التي تضيق عليه الخناق في الديار. ومع ذلك، فإن اللعب ببطاقة إيران- أو أي بطاقة خارجية أخرى- قد يخدم مثل هذا الغرض بشكلٍ مؤقتٍ فحسب.

ولا يمكن لأولويات إيران “غير الاسرائيلية،” في هذه المرحلة، أن تحدّ من انطباع اسرائيل باعتبار طهران تهديداً مستمراً. وبالمثل، لن تؤدي الضربات الجوية الإسرائيلية وحدها إلى طرد إيران من سوريا. لذلك، لا بد من وجود حلٍ آخر لتهدئة المخاوف الإسرائيلية من الوجود الإيراني على حدودها السورية. ففي حين تصدر التفاوض على إيجاد مخرجٍ مع روسيا عناوين الصحف في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا لربما يبدو أنه يهدف إلى إخراج القوات الإيرانية من الأراضي الجنوبية الغربية في سوريا- وليس من جميع أنحاء البلاد. وبالتالي، ستبقى سوريا شوكةً في حلق إسرائيل. وعلى هذا النحو، يمكن للمرء أن يتصور أن اسرائيل ستأخذ المواجهة إلى مستوى جديد من خلال غزو سوريا لإجبار إيران على الخروج من البلاد. وعليه، قد تكون تداعيات مثل هذا السيناريو كارثية.

كما يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة إحتشاد إيران وحزب الله خلف النظام السوري للحفاظ على الوضع الراهن من جهة، وتعلية شأن سمعتهما ومكانتهما من خلال التصدي لهجومٍ إسرائيلي من جهةٍ أخرى. وهناك خطاباتٌ عالية المستوى لدعم هذا المنطق، فقد صرح آية الله خامنئي، مراراً وتكراراً، أن إيران لن تغض الطرف عن أي عدوان. كما قال نصر الله في تصريحٍ رادعٍ ومباشرٍ وغير مسبوق أنه في حال هاجمت إسرائيل سوريا، فستتعرض إسرائيل لهجومٍ في المقابل.

ولم يسبق قط أن ردعت إيران أو حزب الله أو حتى تطرقتا لردع إسرائيل بالنيابة عن سوريا. وبالتالي، وبينما تركز إسرائيل على إعاقة تهديد “محور المقاومة” على حدودها مع سوريا، يضع خصومها خطوطاً حمر إذا ما تم تخطيها ستشتعل حربٌ شاملة. يمكن احتواء خطر حدوث ذلك إذا ما اتفق الطرفان على الأقل على عدم تخطي الخطوط الحمر للطرف الآخر. ولكن في حال تصاعد الموقف، كما يُشير ما حصل في جنوب غرب سوريا مؤخراً- فقد تبرز الحاجة إلى وساطةٍ دولية- كالوساطة الروسية- لمنع اندلاع الحرب.