وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أربعة ملايين مدني محاصرون ويائسون في إدلب- سوريا

Idlib
إخلاء صبي سوري بعد غارة جوية على بلدة أريحا، آخر معاقل المعارضة الرئيسية في إدلب في 15 يناير 2020. Photo: Abdulaziz KETAZ / AFP

تُشير التقديرات إلى أن حوالي 4 ملايين مدني محاصرون في إدلب، وهي مدينة ومحافظة في شمال شرق سوريا، دون أي خيار للهروب منذ أن أغلقت تركيا حدودها. فقد استولت الميليشيات المعارضة للنظام السوري على المنطقة في عام 2017، لتصبح مقراً لما يُسمى حكومة الإنقاذ السورية، إذ تم إغلاق المنطقة منذ شن الهجوم العسكري للتحالف السوري الروسي في أبريل 2019، حيث صرحت الحكومة السورية مراراً وتكراراً عزمها استعادة المنطقة بأسرها.

تمثلت الأهداف الرئيسية للحكومة في أبريل 2019 بفتح الطريق الدولي إم 5 وطرد الجماعات المسلحة، وخاصة الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة والمعروفة بإسم هيئة تحرير الشام، من المنطقة منزوعة السلاح التي تمتد من 15 إلى 20 كم والتي حددتها تركيا وروسيا في عام 2018. وعلى الرغم من عدم حدوث تقدمٍ كبير من قبل التحالف السوري الروسي، إلا أنه يواصل قصف المدينة.

منذ 15 ديسمبر 2019، عاودت الطائرات الحربية الروسية والسورية تصعيد حملة القصف في جنوب المحافظة، مدعومةً بهجومٍ بري، كما تتجه القوات الحكومية نحو الطريق الدولي إم 5، الذي يربط جنوب سوريا مع مدينة حلب. وعليه، قُتل أكثر من 1000 مدني وفر 60 ألف آخرين من القتال منذ أبريل الماضي عندما استولت القوات الحكومية على مناطق في الجنوب، بما في ذلك مدينة خان شيخون. وعلاوةً على ذلك، فرّ أكثر من 200 ألف شخص، كان العديد منهم قد نزحوا في السابق من مناطق أخرى من البلاد بعد أن استعادت قوات النظام وحلفائهم السيطرة عليها، إلى الحدود السورية التركية.

وبحسب ما قالته سارة كيالي، الباحثة السورية في المنظمة الدولية، هيومن رايتس ووتش، لفَنَك: “الوضع في إدلب كارثي،” وأضافت “لديك 4 ملايين مدني محاصرين في المنطقة، ويقصفهم التحالف السوري الروسي العسكري بلا هوادة منذ أبريل 2019، دون نهايةٍ تلوح في الأفق ولا قدرةٍ على الهرب بالنظر إلى إغلاق الحدود التركية في وجه أولئك الفارين من العنف.”

وعلى صعيدٍ متصل، فقد حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوروبا في 22 ديسمبر من أن بلاده لا تستطيع التعامل مع موجة جديدة من اللاجئين السوريين، مضيفاً أن أكثر من 80 ألف شخصٍ من إدلب قد فروا إلى مناطق بالقرب من الحدود التركية. ووفقاً للسلطات التركية، تستضيف تركيا بالفعل حوالي 5 ملايين لاجىء، منهم 3,7 مليون سوري.

War idlib
المصدر: ‘Recent Developments in Northwest Syria’, Situation Report n.6, UNOCHA; ‘TURKEY-SYRIA: Border Crossing Status (20 December 2019)’, UNOCHA; ‘The Pro-Regime Air Campaign in Greater Idlib: April 26-May 22, 2019’, Institute for the Study of War; ‘North-Western Syria Offensive’, Wikipedia; ‘Military Situation in Syria 01 January 2020’, AlMasdarNews.com, ‘Russian airstrikes in Syria: September 30 – October 5, 2015’, Institute for the Study of War. @Fanack

استهدفت تصريحات أردوغان بشكلٍ مباشر اتفاقية اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا التي أبرمت في مارس 2016. تسعى الاتفاقية إلى السيطرة على عبور اللاجئين والمهاجرين من تركيا إلى الجزر اليونانية، وكان الغرض منها في البداية الحد من وصول أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أوروبا- أو فقدانهم حياتهم أثناء المحاولة- في عام 2015. وبحسب الاتفاقية، ستتم إعادة كل شخص يصل بشكلٍ غير قانوني إلى الجزر اليونانية، بما في ذلك طالبو اللجوء، إلى تركيا. وفي المقابل، ستستقبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لاجئاً سورياً واحداً من تركيا مقابل كل سوري عائد من الجزر.

في هذه الأثناء، يواجه المحاصرون في إدلب مصيراً بشعاً في حال لم تُقدم لهم أي مساعدة، وبحسب كيالي، “إن القصف المتواصل والعشوائي في كثيرٍ من الأحيان من قبل التحالف السوري الروسي باستخدام أسلحة محظورة مثل الذخائر العنقودية، واستهداف المناطق المدنية المحمية مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، لم يسفر فقط عن مقتل عددٍ غير مسبوق من الأرواح البريئة، بل جعل الوضع الإنساني في المحافظة مؤلماً.” وتابعت القول، “في إدلب، إن لم تقتلك قنبلة، فلربما تموت من البرد أو بسبب الجوع أو نقص المأوى. هذه هي حقيقة المحافظة الآن. وما لم تفتح تركيا الحدود أمام المدنيين الفارين من العنف، وتحمّل المجتمع الدولي المسؤولية ومنع التحالف العسكري السوري – الروسي من تقويض الحماية المدنية أكثر من ذلك، فأخشى أن المكتوب واضحٍ من عنوانه، وسنشهد مأساةً من صنع الإنسان تتكشف أمام أعيننا.”

في بيانٍ صدر في 7 يناير 2020، قال مارك كوتس، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية بالأمم المتحدة، “تسببت الموجة الأخيرة من النزوح في تفاقم الوضع المريع في إدلب، وهي محافظة مكتظة بالسكان وتستضيف نازحين من جميع أنحاء سوريا. بالإضافة إلى أن نحو 400 ألف شخص في جنوب إدلب تم تشريدهم، وقتل ما لا يقل عن 1300 مدني بسبب الغارات الجوية والقصف بين مايو وأغسطس من العام الماضي، ليصل عدد النازحين بسبب القتال في إدلب خلال الشهور الثمانية الماضية إلى أكثر من 700 ألف شخص.” وأوضح “كل يوم، نتلقى تقارير مقلقة حول العائلات العالقة وسط أعمال العنف والتي تبحث عن ملجأ وعن الخدمات الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، إذ يحتمي غالبيتهم في المدارس والمساجد والمباني العامة الأخرى في ظل نقصٍ حاد في الغذاء والمأوى ومستلزمات الشتاء، من جميع أرجاء إدلب.”

كما أوضح كوتس أن المنظمات الإنسانية تواجه صعوبةً في تقديم المساعدات، مثل الخدمات المتعلقة بالصحة، بسبب الهجوم، إذ قال “أجبرت 13 منشأة صحية، على الأقل، في إدلب على تعليق عملها بسبب الوضع الأمني، مما زاد من معاناة السكان تحت القصف اليومي للغارات الجوية.”

فقد دخلت اتفاقية وقف إطلاق النار الجديدة بين روسيا وتركيا، التي تدعم أطراف متنازعة في الصراع الدائر منذ تسع سنوات في سوريا، حيز التنفيذ في 12 يناير، لكن العنف استمر، وفقاً لعمال الإنقاذ في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقالت كيالي: “تم تعريف الصراع السوري بتجاهله المطلق للحماية المدنية والمبادىء الأساسية للإنسانية من قبل جميع أطراف النزاع تقريباً.” وأضافت “لقد رأينا نمط الهجمات غير القانونية على المدنيين في حلب والغوطة الشرقية وأماكن أخرى، وفشلنا في إيقافها. واليوم، يتكرر هذا النمط في إدلب، وتظل هذه الفرصة الوحيدة لتغيير هذا السرد. حتى الآن، فشلنا في القيام بذلك.”