خالد محمود
تحشد الجزائر كل إمكانياتها السياسية والدبلوماسية والأمنية لضمان نجاح الدورة الحادية والثلاثين من القمة العربية المقرر عقدها يومي الأول والثاني من نوفمبر 2022. واختارت الجزائر عقد القمة بالتزامن مع احتفالها بذكرى اندلاع ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي عام 1954، ما يوفر رمزية غير مسبوقة لها أبعاد محلية وعربية.
وكأيّ قمة عربية تم تنظيمها في السابق، ثمة حالة من عدم اليقين حول مستوى حضور القمة المرتقبة. وفي السياق ذاته، يأمل المواطن العربي البسيط ألّا تتحول قمة الجزائر إلى مجرد ساحة للكلام أو مناسبة لتصفية الحسابات، أو مجرد حفلٍ تعارف.
وكان من المقرر تنظيم القمة العربية في الجزائر في مارس 2022. لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قرّر تأجيلها بسبب انتشار جائحة الكورونا. تمسّك الجزائر بعقد القمة يعتبره مراقبون مكسباً سياسياً داخلياً سيستخدمه الرئيس تبون كورقة لدعم ترشحه لولاية ثانية عام 2024.
وفي هذا الإطار، ترصد تقارير غير رسمية إطلاق أنصار تبون لحملة دعائية مطولة بهدف التحضير لولايته الرئاسية الثانية. ويأتي ذلك بالتزامن مع اتجاه تبون لفرض سيطرته على إدارة شؤون البلاد عبر محاربة تسريب الاجتماعات العليا لمسؤولي الدولة وأخبار تعيينهم وإقالتهم قبل صدورها رسميا.
ويبدو أن طريقة تعامل الجزائر مع القمة تتناغم مع ما اعتاد منظمو القمم السابقين على تقديمه من رسائل كلاسيكية وتقليدية. وتقوم الجزائر حالياً بتهويل الحديث عن الاستعداد للقمة بالتزامن مع رفع سقف التوقعات بطريقةٍ مبالغ بها. ويعكس هذا التوجّه رغبة الجزائر في توظيف القمة العربية محليا بحثا عن المزيد من التأييد الشعبي ومن ثم الاستفراد بالسلطة.
ويعوّل تبون على نجاح القمة المقبلة لأسبابٍ خارجية، إذ يأتي تنظيم قمة الجزائر في مرحلةٍ يعيد فيها تبون رسم سياسة بلاده الخارجية.
وعكست ذلك التوجّه تصريحات وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة خلال الاجتماع التشاوري الأخير لوزراء الخارجية العرب بنيويورك. وأكد لعمامرة في ذلك الاجتماع حرص الجزائر على “عقد قمة عربية ناجحة تسهم في توحيد كلمة الدول العربية وتعزيز صوتها على الساحة الدولية وكذا مساهمتها في معالجة التحديات العالمية الراهنة”.
وكان لعمامرة قد تطلع في كلمته أمام الأمم المتحدة لأن تشكل القمة المقبلة “محطة فارقة في مسيرة العمل العربي المشترك”، وبما يكفل “مساهمة أكثر فعالية للمجموعة العربية في معالجة التحديات الراهنة على الساحتين الإقليمية والدولية”.
الاستعدادات الأمنية واللوجستية الضخمة التي وفرها تبون للقمة كانت محل إعجاب حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية. وسجل زكي امتنانه لجهود أجهزة الدولة الجزائرية وحرصها على أدق التفاصيل التنظيمية واللوجستية بما يضمن نجاح القمة.
ويدرج البعض الاهتمام الجزائري بالتنظيم في إطار الحرص على توفير كلّ مناخات نجاح القمة العربية ومنحها الزخم. أما البعض الآخر، فقد انتقد حجم الجهود التي تم بذلتها الجزائر لتنظيم القمة. فمن وجهة رأي مغربية، فإن الجزائر “حمَّلت القمة العربية أثقل من قدرتها لاكتساب زعامة إعلامية عابرة، عربية وحتى داخلية”. وبدوره، دعا الكاتب الجزائري توفيق رباحي إلى دفن القمة العربية، لأنها “ليست الطريق الأفضل لاستعادة الجزائر زمام المبادرة الدبلوماسية وإسماع كلمتها”.
الجزائر اختارت “وحدة الصف ولم الشمل ونبذ الفرقة” بين العرب ليكون عنواناً للقمة المرتقبة. وبطبيعة الحال، فإن هذا العنوان يحمل لفتة هزلية لا يمكن أن تفوت المتمعّن بطبيعة الحديث التقليدي والإنشائي المرافق لتنظيم القمم العربية. ومن المعروف أن الجزائر تنظّم القمّة المقبلة وهي في حالة قطيعة رسمية ودبلوماسية مع جارتها المغرب.
وإذا كان من المفترض أن تكون القمة مكانا لحسم الخلافات العربية وليس تأجيجها، فإنّ قمة الجزائر، وللمفارقة، تعقد وسط أجواء عدائية مع الجار والشقيق المغرب.
غياب مغربي
برغم تكهنات صحفية بمشاركة العاهل المغربي محمد السادس في قمة الجزائر، فإنه لم يتلق بنفسه الدعوة لحضورها. وترك العاهل المغربي لوزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة استقبال المبعوث الجزائري عبد الرشيد طبي الذي زار المغرب لتوجيه الدعوة لحضور القمة العربية المرتقبة.
واكتفى بيان صادر وزارة الخارجية المغربية بالإشارة للدعوة دون أن يحسم الجدل حول حضور العاهل المغربي للقمة من عدمه.
ومنذ ستينيات القرن الماضي، تشهد العلاقات بين المغرب والجزائر حالة من المد والجذر. وتأوي الجزائر جبهة البوليساريو وتدعم مطالبها منذ 1976 بانفصال إقليم الصحراء الغربية عن المغرب. في المقابل، يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته حلا وحيدا للنزاع. وفي 24 أغسطس 2021، أعلنت الحكومة الجزائرية عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، لأن هذا الأخير “لم يتوقف يوما عن القيام بأعمال غير ودية” ضد الجزائر.
خلافات وصراعات
في البيان الختامي لآخر القمم العربية التي تمّ تنظيمها وكانت في تونس، ورد أنّ “ما يجمع البلدان والشعوب العربية أكثر بكثير مما يفرق”. ومع ذلك، فقد أقرّ البيان نفسه بأنّ “استمرار الخلافات والصراعات في المنطقة ساهم في استنزاف الكثير من الطاقات والإمكانيات العربية”.
ووصف البيان الوضع العربي الراهن بـ “غير المقبول”، لأنه حوّل المنطقة العربية إلى “ساحات للصراعات الدولية والإقليمية والنزاعات المذهبية والطائفية، وملاذات للتنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن والاستقرار والتنمية”.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحوّل فيه تنظيم القمة العربية إلى ساحة للسخرية والحزن والصراع في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وفي عام 2012، تندّر بعض سكان العاصمة العراقية بغداد على استضافة القمة العربية حينذاك. ومن الأمثلة على تندر البغداديين، دعواهم بأن يزيح الله “هذه الغمة (القمة) عن هذه الأمة”. وجاء ذلك في إشارة إلى ما سببته إجراءات تأمين القمة في العراق من تضييق على أهالي بغداد، وبطريقة وصلت إلى شلّ الحياة اليومية في العاصمة العراقية حينذاك.
ومع انحسار صعود التيار الإسلامي الذي رافق انتفاضات “الربيع العربي” على حساب التيار القومي العربي، يواجه النظام العربي أزمة وجودية، كما يقول الدكتور أحمد يوسف.
وسجلت دراسة لمركز دراسات الخليج العربي ارتفاعاً في عدد الخلافات بين الدول العربية إلى ما يزيد عن 30 خلافا مباشرا وغير مباشر. وبحسب الدراسة، فقد ساهم ذلك في “تقليص حجم الثقة بين الأنظمة وارتفاع مؤشر الحذر”. كما أنه قاد إلى “زيادة تراجع العمل على تحقيق تكامل عربي مشترك تحت مظلة الجامعة العربية أو تكامل جهوي على مستوى التكتلات المغاربية والخليجية”.
ولاحظ البعض “تقطع انعقاد القمم العربية وعدم الجدية في عقدها بالمستوى المطلوب”، لافتا إلى أن”فاعلية مقررات القمم العربية حتى تاريخه لم ترتق إلى مستوى طموحات الشعب العربي”.
وثمة وجهة نظر أخرى تعتقد أن المشكلة ليست في عقد القمة العربية، وإنّما في “مدى فاعلية ما يمكن أن تسفر عنه في ظل هذه الأوضاع البائسة”.
الهرولة نحو إسرائيل
يشير تحليلٌ صادر عن معهد واشنطن إلى “اختيار نحو ثلث الدول العربية الآن السلام مع إسرائيل”. ويعني هذا انتهاء أحد “المحرمات العربية والإقليمية” بحسب ما ذكرته الدراسة. ومع ذلك، لا تزال الجزائر ترفض أي توجه للتقارب مع تل أبيب.
واستغل الرئيس تبون زيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة إلى الجزائر للتعريج على هذا الموضوع. وفي المؤتمر الصحفي الذي تم تنظيمه على هامش هذه الزيارة، شرح الرئيس الجزائري موقف بلاده تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. وأكد تبون تأييد الجزائر لقرار الجامعة العربية بالتوصل إلى سلام مع إسرائيل، وأن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين. وردا على المحاولات الأمريكية لترويج التطبيع، قال: “ليس لدينا شيء ضدهم، المشكلة الوحيدة التي لدينا هي فلسطين ولا شيء آخر على الإطلاق”.
لاحقا، قال الرئيس تبون إن الجزائر لن تبارك ولن تشارك في الهرولة نحو التطبيع. واعتبر الرئيس الجزائري “القضية الفلسطينية جوهرية ووطنية”، مشدّداً على أن الجزائر لا تقبل الاستعمار وأن “فلسطين للفلسطينيين، لا لغيرهم”.
ورغم المناوشات اللفظية الأخيرة بين الجزائر وإسرائيل، فإن الجزائر ما تزال هي الدولة المغاربية الوحيدة التي لم تقم بعد علاقات علنية مع إسرائيل، على عكس تونس والمغرب وموريتانيا.
الحوار الفلسطيني
اصطدمت رغبة الجزائر في لعب دور توفيقي بين الفصائل الفلسطينية بحقيقة الخلافات التاريخية والتقليدية حول الزعامة والنفوذ بين حركتي فتح وحماس.
وانتقدت فتح في بيان ما أسمته بـ “تغريد قيادات حماس خارج السرب الوطني”. وجاء ذلك بعد وصف حماس لخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالـ “استجداء” وبأنه “لا يحمل أي جديد”.
واعتبرت فتح، أن مواقف حماس تسعى لوضع العصا في طريق الوحدة الوطنية، على الرغم من “الجهود الأخيرة التي تقوم بها الجزائر من أجل تحقيقها في الساحة الفلسطينية”.
واستضافت الجزائر مؤخراً اجتماعاً سعى لرأب الصدع الفلسطيني. وبينما اتفق الفلسطينيون المجتمعون على إقامة انتخابات رئاسية وتشريعية، فإنّ حالة انعدام الثقة بين فتح وحماس قد تفشل الجهود الدبلوماسية الجزائرية في تأمين المصالحة الفلسطينية.
الجزائر تسعى، كما يقول الموقع الرسمي للقمة، لوضع القضية الفلسطينية في “صلب أولويات القمة العربية، وبلورة موقف موحد يدعم حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تفعيل مبادرة السلام العربية“.
لكن المسألة هنا ليست مرتبطة بحيثيات الوساطة الجزائرية، وإنما بعمق الخلافات الفلسطينية الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ عقود. وفي ضوء الإخفاقات المتعددة التي منيت بها كلّ المحاولات العربية والدولية لتصفير الخلافات الفلسطينية، فإنه قد يتعين على المفاوض الجزائري خفض سقف توقعاته في هذا الجانب.
قمة رقمية
تسعى الجزائر لأن تكون القمة “بدون ورق”، لتسجّل بذلك سابقة في تاريخ اجتماعات الجامعة ومؤسسة القمة العربية.
الجزائر التي تقول إنها قطعت أشواطا مهمة في مجالات التحول الرقمي واستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال، تعلن حرصها على توفير جميع الشروط الضرورية حتى تكون قمة الجزائر 2022، أول قمة عربية ” بدون ورق”.
وستقتصر رابع القمم التي تستضيفها الجزائر على كلمات القادة المشاركين. كما أنها ستخلو من جدول أعمال مسبق.
وبصرف النظر عن “رقمية” قمة الجزائر، فإن الأهم هو أن تخرج هذه القمة عن الوتيرة المحبطة لما اعتاد الشارع العربي الحصول عليه من القمم العربية السابقة. وخلاصة القول إن الشارع العربي فقد رويداً رويداً اهتمامه بالقمم العربية لأنّها لم تعد تحمل له أي تغييرات ملموسة على مستوى رأب صدع الخلافات العربية الشائكة.