المقدمة
تمتع المغرب والصحراء الإسبانية بثروة هائلة من الفوسفات. لذلك طمح مشروع الملك الحسن الثاني السياسي في منتصف السبعينيات الى دمج المناطق الإسبانية لإنشاء احتكار تصدير الفوسفات من جانب، وكذلك تأكيدًا للادعاء القومي بأن المناطق الممتدة في الجنوب جزء من المغرب. ونجحت المفاوضات الدبلوماسية في يونيو 1969 في إقناع الحكومة الإسبانية بالتخلي عن منطقة سيدي إفني في أقصي الجنوب المغربي. وبعد وفاة فرانكو، افتقدت الحكومة الإسبانية الجديدة الإرادة للإبقاء على الصحراء الإسبانية.
وفي عام 1973، أسس جماعة من الطلاب الصحراويين حركة قومية أسموها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، وبدأت فورًا بمهاجمة المواقع العسكرية الإسبانية. وفي أكتوبر 1974، أفسدت الحزام الناقل للفوسفات من مناجم بوكراع وأوقفت تصديره. ولما أدركت الحكومة الإسبانية استحالة الإبقاء على الصحراء، أصرت على منح “حق تقرير المصير” للمستعمرة وإجراء استفتاء يتضمن خيار الاستقلال. لكن هذه الخطوة لم تحظ بدعم الحكومة المغربية أو الموريتانية.
صفقات سرية
اتفق الملك الحسن الثاني والرئيس الموريتاني المختار ولد داداه سرًا على تقسيم الصحراء الغربية بعد مغادرة الإسبان.
كما طالب الحسن الثاني محكمة العدل الدولية بالفصل في قانونية ادعاء المغرب وموريتانيا السيادة على الصحراء. وهل كانت المنطقة “أرضًا مشاعًا” لا تتبع دولة عندما استعمرها الإسبان؟ وإن لم تكن كذلك، فما الصلة القانونية التي تربط سكانها بسكان المغرب وموريتانيا؟
ودفع المحامون المغربيون بولاء المنطقة الديني التاريخي للسلطان. أما الحكومة الموريتانية فدفعت بهوية تاريخية مشتركة بين قبائل المنطقتين. لكن المحكمة اكتفت بإصدار رأي استشاري لرفض إسبانيا الاحتكام إليها.
وفي أكتوبر 1975، صدر رأي محكمة العدل الدولية بأن الراوبط التاريخية بين المغرب وموريتانيا وسكان الصحراء الغربية ليست روابط سيادية، ومن ثم فإن للسكان الحق في تقرير المصير.
المسيرة الخضراء
سعى الحسن الثاني سريعًا إلى مخالفة رأي المحكمة. فنظمت حكومته في نوفمبر 1975 “المسيرة الخضراء” لتعبر الحدود وتطالب بالمستعمرة. ومن الواضح أن المطالبة بضم الصحراء لقيت شعبية بين المغاربة، إذ شارك في المسيرة أكثر من نصف مليون مغربي.
فرض الحكم المغربي على الصحراء الغربية
اتفق الحسن الثاني مع إسبانيا وموريتانيا على جعل المناطق الشمالية من المستعمرة مغربية والمناطق الجنوبية موريتانية رغم إصدار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارات تستنكر المسيرة الخضراء. وفي 12 يناير 1976، احتلت القوات المغربية والجيش الموريتاني الصغير المناطق المتفق عليها.
ولم تستطع جبهة البوليساريو صدهم، لكنها بدأت، بدعم من الجزائر ردّ عصابات انطلقت من مخيمات اللاجئين في تندوف المتاخمة للحدود الجزائرية. وعندما انتهى الحكم الإسباني في 26 فبراير 1976، اعترفت الحكومة الجزائرية بقيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من مخيمات اللاجئين، وأمدتها بالسلاح والتدريب، وانضمّ العديد من القبائل الصحراوية -وقد قُدّرت بنحو نصف السكان- إليها في المخيمات، وسرعان ما استسلم الجيش الموريتاني. وفي عام 1979، توسطت الحكومة الجزائرية للتوصل إلى اتفاق تسقط به موريتانيا جميع مطالبها، لتعود بعدها القوات المغربية وتحتل المناطق الموريتانية.
وكانت الجزائر وليبيا الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين دعمتا جبهة البوليساريو دبلوماسيًا.. لكن حرب العصابات حققت نجاحًا كبيرًا. فقد عطلت جبهة البوليساريو الحزام الناقل لصخور الفوسفات وهاجمت منطقة العيون. وخلال العامين التاليين، أخرجت جبهة البوليساريو الجيش المغربي من المناطق الداخلية، ووصلت هجماتها إلى داخل المغرب. ولم تستطع الجبهة إجبار القوات المغربية على الانسحاب، لكن هجماتها العصابية على العاصمة الموريتانية نواكشوط، ومناجم الحديد التي تشكل نسبة كبيرة من دخل موريتانيا القومي، أدّت بها إلى الإفلاس.
وفي يوليو 1978، أطاح الجيش الموريتاني بالرئيس ولد داداه وقبِل عرضًا بوقف إطلاق النار من جبهة البوليساريو. واعترفت الحكومة الموريتانية في إبريل 1979 بعد انقلاب آخر بجبهة البوليساريو “ممثلًا شرعيًا وحيدًا عن الشعب الصحراوي”، وتخلت عن مطالبها. لكن الجيش المغربي تحرك جنوبًا واحتل ما بقي من المستعمرة الإسبانية السابقة.
السيطرة المغربية على الصحراء الغربية
لمواجهة النجاحات المتزايدة لقوات البوليساريو، تبنت الحكومة المغربية منذ عام 1979 استراتيجية ديمغرافية تمثلت في نقل سكان المغرب بشكل موسّع إلى المنطقة. بعضهم انتقل من المناطق الصحرواية المغربية في الجنوب إلى الشمال. كما انتقل الموظفون العموميون والعمال المهرة والأطباء والمدرسون من جميع أنحاء المغرب إلى المنطقة.
كما وفرت الحكومة منذ منتصف الثمانينيات فرصًا اقتصادية (إعانات، وإعفاءات ضريبية، وأجورًا مرتفعة مقارنةً ببقية مناطق المغرب) لإغراء المهاجرين ممن يمكنهم النهوض بالصحراء. وبالفعل ارتفع تعداد السكان فيها من 74,000 (حسب التعداد الإسباني لعام 1974) إلى 622,651 اليوم. ولم يندمج المهاجرون مع الصحراويين، لكنهم شكلوا غالبية السكان في المدن الرئيسة في الصحراء الغربية. وتعرّض الصحراويون للتهميش.
وكانت الاستراتيجية الأخرى عسكرية إذ شُيّد جدار دفاعي ضخم من الرمل عبر الصحراء بطول 300 ميل، وارتفاع سبعة أقدام، ومزود بأسلاك شائكة ورادارات. وبحلول عام 1982، كان هذا السياج قد أخرج جبهة البوليساريو خارج “الصحراء المفيدة” التي تضم منطقتي العيون والسمارة ومناجم الفوسفات. وفي عام 1985، بُني المزيد من الجدران في مناطق أخرى مستبعدة عصابات البوليساريو من أغلب مناطق المستعمرة الإسبانية السابقة. كانت هذه السياسة باهظة التكلفة لكن الحكومة السعودية تحملت التكلفة.
أصبحت مسألة الصحراء مركزية لبقاء الدولة المغربية. ولم يسامح الملك من عارض الحرب الصحراوية، وأنزل أبشع أنواع القمع بهم.