تطور الصراع العربي- الفلسطيني- الاسرائيلي بعد اتفاقات أوسلو.
انهيار اتفاقات أوسلو
كما هو الحال في القرارين 242 و 338، لم تستند اتفاقيات أوسلو إلى القانون الدولي. وكان المسار التفاوضي غامضاً، مثله مثل الهدف النهائي (ومع ذلك، لم يكن بقدر آمال الفلسطينيين: إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية و قطاع غزة، وهي نسبة 22٪ من فلسطين التاريخية، مع القدس الشرقية عاصمة لها، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين). وفي ظل هذه الظروف، كان الطرف الأقوى في وضع فرض تأويلاته على الاتفاقات الأساسية. ومن أجل سد الثغرات، وُضع اقتراح مفصل صيغ ضمن المفاوضات غير الرسمية بين محمود عباس ويوسي بيلين (وثيقة بيلين – أبو مازن بتاريخ 31 تشرين الأول/أكتوبر 1995).
معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن
كانت عملية أوسلو بالنسبة للأردن العقبة الأخيرة في وجه إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل. وبالفعل، توصل البلدان في الثمانينات إلى اتفاق حول الإجراءات (اتفاقي لندن بتاريخ 11 نيسان/أبريل 1987). وفي 14 أيلول/سبتمبر 1993، بعد يوم واحد من توقيع “إعلان المبادئ” تم الإعلان عن جدول الأعمال الأردني الإسرائيلي المشترك. وأخيراً، وبحضور الرئيس كلينتون، في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994، تم توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن في وادي عربة (إسرائيل)، على مقربة من الحدود مع الأردن (راجع أيضاً إعلان واشنطن بتاريخ 25 تموز/يوليو 1994).
المفاوضات الإسرائيلية السورية
تعثرت كافة المفاوضات مع سوريا منذ “مدريد”، رغم كل محاولات الوساطة الأميركية (اجتماع بين الرئيس كلينتون والرئيس السوري حافظ الأسد في 16 يناير/كانون الثاني 1994 في جنيف، وزيارة كلينتون لدمشق في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1994، وثلاث جولات من المحادثات الإسرائيلية السورية في اتفاقية واي ريفر (ميريلاند) بين 27 كانون الأول/ديسمبر 1995 و3 آذار/مارس 1996، ومحادثات في واشنطن في 15 و 16 كانون الأول/ديسمبر 2000، ومحادثات شيبردستاون (غرب فيرجينيا) من 3 إلى 17 كانون الثاني/يناير 2000، وأخيراً لقاء كلينتون والأسد في جنيف في 26 آذار/مارس 2001).
مقابل اتفاق سلام، طالبت سوريا في هذه المحادثات بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان (وتفكيك المستوطنات اليهودية البالغ عددها 35 مستوطنة هناك). وعرضت إسرائيل، من جانبها، انسحاباً تدريجياً على مراحل، يعتمد على الخطوات التي تتخذها سوريا في سبيل تطبيع العلاقات بين البلدين. وأصرت إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على الجزء السوري من شاطئ بحيرة طبريا، وبالتالي السيطرة القانونية على البحيرة، وفرضت شروطاً تتعلق بالوضع المستقبلي لهضبة الجولان (منطقة منزوعة السلاح، ومحمية طبيعية). بالنسبة لسوريا كانت – ولا تزال – هذه الشروط غير مقبولة. وفي عام 2008، مهدت تركيا لمحادثات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا، توقفت بعد الهجوم واسع النطاق الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في كانون الأول/ديسمبر من نفس العام.
نظراً إلى النفوذ السوري القوي في لبنان، لم يبرم بعد أي اتفاق سلام بين إسرائيل ولبنان منذ “مدريد”. وفي 24 أيار/مايو 2000، تحت ضغط المقاومة المسلحة لحزب الله ومنظمات أخرى، انسحبت إسرائيل من جانب واحد من الأراضي اللبنانية، التي احتلتها منذ غزوها الأول في آذار/مارس 1978 (قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425 بتاريخ 19 مارس 1978).
مذكرة واي ريفر
حدث تقدم قليل على المسار الإسرائيلي الفلسطيني. استمرت أعمال البناء في المستوطنات اليهودية بوتيرة متسارعة، نتج عنها نمو كبير في عدد المستوطنات من حيث الحجم وعدد المستوطنين خلال المرحلة الانتقالية التي استمرت خمس سنوات. وانتظم حشد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية و قطاع غزة من جديد عوض الانسحاب. وتدهورت الحالة الاقتصادية، وأخذت التوترات السياسية في التصاعد مجدداً. وأدى ذلك إلى تصعيد العنف (إطلاق نار، وهجمات انتحارية، وعمليات قتل خارج نطاق القضاء). وعاجلاً، صار تدخل الولايات المتحدة ضرورياً لمنع انهيار عملية أوسلو (بروتوكول الخليل بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير 1997، ومذكرة واي ريفر بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 1998).
كان المجلس الوطني الفلسطيني في ذلك الوقت أزال بالفعل آخر العقبات الرسمية أمام التوصل إلى اتفاق، مثل تعديل ميثاقه، وإلغاء جميع المواد المعادية لإسرائيل (الميثاق الوطني الفلسطيني (المعدل) بتاريخ 26 نيسان/أبريل 1996، رسالة عرفات – كلينتون بتاريخ 13 كانون الثاني/يناير 1998). وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية رسمياً بتاريخ 4 أيار/مايو 1999، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك (حزب العمل) بدء مفاوضات الوضع النهائي (مذكرة شرم الشيخ بتاريخ 4 أيلول/سبتمبر 1999)، لكن ذلك لم يكسر الجمود.
كامب دافيد الثانية
نظم الرئيس كلينتون لقاء قمة في كامب ديفيد بين باراك وعرفات من 11 إلى 25 تموز/يوليو 2000، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق شامل قبل انتهاء ولايته. وفشلت هذه المفاوضات أيضاً في تحقيق نتائج، وذلك بسبب سوء التحضير والضغط؛ لأن الحد الأقصى الذي كان على إسرائيل تقديمه لا يفي بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين (بيان كلينتون – باراك المشترك بتاريخ 19 تموز/يوليو 1999، وبيان قمة كامب ديفيد الثلاثية بتاريخ 25 تموز/يوليو 2000). وفيما بعد، اتفق الخبراء والمشاركون في المفاوضات على إلقاء اللائمة، عن دون استحقاق، على عرفات في فشل المحادثات.
جرت محادثات غير رسمية في طابا (مصر) من 18 إلى 28 كانون الثاني/يناير 2001، استناداً إلى معايير كلينتون، وثّق نتائجها الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي ميغويل موراتينوس (وثيقة موراتينوس، آب/أغسطس 2001)، ولكنها أتت متأخرة جداً مما أفقدها أي تأثير. وفوق ذلك، منذ 28 أيلول/سبتمبر 2000، اندلعت انتفاضة أخرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما أدى إلى تصعيد العنف. وبحلول ذلك الوقت، كان عدد متزايد من الفلسطينيين قد أثار علامات استفهام كبيرة بالفعل فيما يتعلق بالإستراتيجية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية في عملية أوسلو. ونتيجة لذلك، اكتسبت حماس، المعارض القوي لأوسلو من البداية، دعماً سياسياً.
الانسحاب من غزة
لتحرير نفسها من السيطرة المباشرة لعدد كبير من الفلسطينيين وتعزيز قبضتها على الضفة الغربية، قررت حكومة الليكود الإسرائيلية برئاسة آرييل شارون فك الارتباط من جانب واحد من قطاع غزة (خطة شارون لفك الارتباط أحادية الجانب في كانون الثاني/يناير 2005). تلا ذلك انسحاب إسرائيلي في آب/أغسطس 2005. وعلى الرغم من الانسحاب، واصلت إسرائيل فرض السيطرة المباشرة على قطاع غزة. وبموجب القانون الدولي، ظلت إسرائيل القوة المحتلة.
في 15 آب/أغسطس، قال شارون أنه على الرغم من أمله بإبقاء إسرائيل على مستوطنات غزة، إلا أن الواقع حتّم العكس: “اتخاذ هذه الخطوة أمر خارج عن الإرادة وليس ضعفاً”. تم الإعلان عن دوافع إسرائيل بالانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة برسالة شفوية من مكتب رئيس الوزراء. وفق الرسالة، ليس لإسرائيل شريك فلسطيني ثقة للتفاوض معه، وتعتقد أن الانسحاب من غزة سيؤدي إلى وضع أمني أفضل. ومن جهة أخرى، كان يعني الانسحاب أيضاً بأن المدن والقرى في الضفة الغربية ستبقى جزءً من إسرائيل.
جرى الانسحاب الإسرائيلي في آب/أغسطس. ورغم الانسحاب، استمرت إسرائيل بفرض سيطرة مباشرة على قطاع غزة. ووفق القانون الدولي، بقيت إسرائيل القوة المحتلة.
الجدار
عام 2004، اعتبرت محكمة العدل الدولية في لاهاي في رأيها الاستشاري (رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري بتاريخ 9 تموز/يوليو 2004) بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية (“الجدار”) خارج ما يسمى بـ “الخط الأخضر” انتهاكاً للقانون الدولي. وإنه لابد من هدم هذا الجزء من الجدار ودفع تعويضات للفلسطينيين عن أي ضرر لحق بهم من جرائه. وعلاوة على ذلك، أعلنت محكمة العدل الدولية عدم شرعية المستوطنات اليهودية.
في الشهر التالي، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة (150 مقابل 6، وامتناع 10 أعضاء عن التصويت) قراراً دعت فيه إسرائيل “القوة المحتلة” إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية على النحو المذكور في الرأي الاستشاري (القرار الخاص برأي محكمة العدل الدولية الاستشاري بشأن الجدار بتاريخ 2 آب/أغسطس 2004). وحتى يومنا هذا، لم تمتثل إسرائيل. واستمرت أعمال بناء “الجدار” بوتيرة متسارعة.
أنابوليس
قبل بضعة أشهر من حكم محكمة العدل الدولية، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد كتب لرئيس الوزراء شارون أن الولايات المتحدة قد تقبل احتفاظ إسرائيل ببعض المستوطنات: “في ضوء الحقائق الجديدة على أرض الواقع، ومن ذلك المراكز السكانية الإسرائيلية الكبيرة القائمة بالفعل [المستوطنات اليهودية]، فإنه من غير الواقع توقع أن تكون نتيجة مفاوضات الوضع النهائي عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949” (رسائل بوش – شارون بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2004).
في تشرين الثاني/نوفمبر 2007، مع قرب انتهاء فترة رئاسته، نظم بوش قمة في أنابوليس (ميريلاند) بغية إحياء خارطة الطريق. وإلى جانب إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية، حضرت اللقاء دول عربية رئيسية. وكانت النتيجة تعهد بالتوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الرئيسية قبل نهاية عام 2008 (مؤتمر أنابوليس 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2007). سلسلة من المفاوضات السرية تلت ذلك، وإنما دون التوصل إلى أية نتائج ملموسة. في كانون الثاني/يناير 2011، تم تسريب مضمون المفاوضات ونشرها باسم “أوراق فلسطين”.
الانقسام الفلسطيني الداخلي
جدول زمني: في الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي الفلسطيني، في كانون الثاني/يناير 2006، فازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنسبة 44,5 ٪ من الأصوات، أي ما يعادل 74 مقعداً من إجمالي 132 مقعداً في المجلس، منها 29 مقعداً وفقاً لنظام التمثيل النسبي، وما لا يقل عن 45 مقعداً في الدوائر الانتخابية. أما حركة فتح، أهم قوة سياسية في صفوف الفلسطينيين آنذاك، فقد حصلت على نسبة 41,4٪ من الأصوات، أي ما يعادل 45 مقعداً: 25 بموجب نظام التمثيل النسبي و 17 في الدوائر الانتخابية. وفي الانتخابات، ترأس إسماعيل هنية قائمة حماس تحت شعار “التغيير والإصلاح”. وقد عينه الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيساً للوزراء في 29 آذار/مارس 2006. لكن في 14 حزيران/يونيو من العام التالي، قام عباس بعزل هنية في ذروة الاشتباكات الداخلية في قطاع غزة بين قوات حماس وفتح، وكانت نتيجتها أن آلت السيطرة الكاملة على قطاع غزة إلى حماس.
أدى هذا الصراع الحاد إلى شلل أداء المؤسسات الفلسطينية. وقام عباس بتعيين سلام فياض رئيساً للوزراء، بعد أن كان وزيراً للمالية. ولكن المجلس التشريعي الفلسطيني، بأغلبية حماس، لم يوافق على هذا التعيين وظل معترفاً بهنية رئيساً للوزراء.
بسبب النزاع، بدت جلسات المجلس التشريعي والانتخابات الجديدة لرئاسة الجمهورية (2009) وانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني (2010) معلقة إلى أجل غير مسمى، وقد زاد الانقسام الداخلي الفلسطيني من تعقيد المفاوضات مع إسرائيل، فصارت شبه متوقفة تماماً.