وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الديمقراطيات الغربية تجرّم المقاطعة ضد إسرائيل

المقاطعة ضد إسرائيل
لندنن: الفسلطينيون يقومون بمظاهرة للفت النظر إلى المستودعات المملوكة من قبل الإسرائيليين أو منتجات المعامل القائمة على قرىً فلسطينية سابقة.London, England, Sept 22, 2015. Photo Corbis.

يتواصل الصراع، الذي يبدو عصياً على الحل، بين دولة إسرائيل والشعب الفلسطيني ليس فقط في شوارع غزة أو القدس، ولكن أيضاً في المكاتب الحكومية وقاعات المحاكم في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وغيرها من البلدان. وتتمثل القضية بالقرارات التي اتخذها قادة هذه البلدان في عاميّ 2015 و2016 بمعاقبة أولئك الذين يحاولون استخدام أداة المقاطعة السِلمية للتعبيرعن آرائهم ومحاسبة إسرائيل على أفعالها، جنائياً.

الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)

بدأت حملة المقاطعة في عام 2005، حيث دعت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي تضم الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والائتلافات والمنظمات الفلسطينية الأخرى، والتي تمثل مجتمعةً الأجزاء الثلاث المتكاملة للشعب الفلسطيني: اللاجئون الفلسطينيون، والفلسطينيون تحت الإحتلال، والفلسطينيون المواطنون في إسرائيل، دعت لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، و الانصياع للقانون الدولي والمبادئ العالمية لحقوق الإنسان. وبحلول فبراير 2016، وقعت أكثر من 170 منظمة على هذه الدعوة.

جاءت حملة (بي دي إس) بعد 57 عاماً على الاستقلال الإسرائيلي، و38 عاماً على الاحتلال العسكري للضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وقطاع غزة، وبعد عامٍ واحدٍ فقط على الفتوى التاريخية لمحكمة العدل الدولية التي وجدت أن الجدار الذي شيدته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني. واصلت اسرائيل بناء الجدار غير القانوني، غير آبهةٍ بقرار المحكمة، وبالتالي، أخذ المجتمع المدني الفلسطيني، بالنظر إلى التعنت الاسرائيلي وفشل عملية السلام، زمام مبادرة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، لحشد الناس من جميع أنحاء العالم لمحاسبة إسرائيل إلى أنّ تمتثل للقانون الدولي.

ومن الجدير بالذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية والسُلطة الفلسطينية لم تتبنيا رسمياً بعد دعوة (بي دي إس)، مما يجعل الدعوة مجهوداً شخصياً خالصاً للمجتمع المدني.

في البداية، تم تجاهل جهود (بي دي إس) باعتبارها جهودا ثانوية من غير المرجح أن يكون لها أي تأثيرٍ يُذكر على ديناميكية الصراع أو حتى على اقتصاد اسرائيل القوي. وبعد مرور عشر سنوات، يمكن رؤية جهود حركة (بي دي إس)، فضلاً عن جهود الحركات الأخرى، في جميع أنحاء العالم، غير التابعة لحركة (بي دي إس) والتي اختارت تبني أدوات (بي دي إس) بما في ذلك العديد من الجامعات.

مرحلة النضوج

مع تزايد الضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين، سيما مع عمليات القصف العسكرية الاسرائيلية المتعددة على قطاع غزة والتي أودت بحياة الآلاف من المدنيين الذي كان من بينهم العديد من الأطفال، سعت المزيد والمزيد من الكيانات، مثل النقابات ومؤسسات صناديق التقاعد، خلف البحث عن أدواتٍ تمكنهم من التعبير عن عدم رضاهم عن تصرفات إسرائيل. أصبحت مقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل أكثر نضوجاً، وبدأت المزيد والمزيد من هذه الكيانات باتخاذ قراراتٍ متأثرةً بدعوة (بي دي إس)، حيث دعا بعضهم إلى مقاطعة إسرائيل بالكامل، في حين دعا البعض الآخر إلى مقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية فقط، بينما وجه البعض نداءاتٍ بتجريد التعامل مع أي شركة ضالعة في أنشطة الاحتلال الاسرائيلي.

تنبهت إسرائيل للأمر، وبدأ الخبراء الإسرائيليون بالتخبط، كما فكرت الشركات متعددة الجنسيات مرتين قبل اتخاذ خطوة الاستثمار في إسرائيل. فضلاً عن ذلك، بدأت المؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء العالم إلغاء أو سحب شراكاتها أو حتى رفض النظر في شراكاتٍ مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وكان رد فعل إسرائيل، غير المحسوب، ربط جهود (بي دي إس) بأمرٍ لا يمت لها بصلة؛ معاداة السامية، فقد جادل البعض أنّ جهود (بي دي إس) ما هي إلا محاولة لعزل إسرائيل. وعندما لم تجد هذه الإدعاءات آذاناً صاغية، شرعت إسرائيل في إتخاذ خطواتٍ في إطار نظامها القانوني لتجريم أي شخص يدعو لمقاطعة إسرائيل. فلم تحاول إسرائيل، عند أي مرحلة، فهم تحركات (بي دي إس) على حقيقتها، والمتمثلة في الدعوة لإنهاء احتلالها غير الشرعي للفلسطينيين، ووقف التمييز المؤسسي ضد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم.

الولايات المتحدة

في ذلك الحين، بذلت إسرائيل جهوداً جبارة لدفع الدول الأخرى اتخاذ إجراءاتٍ ضد تصرفات حركة (بي دي إس) المتنامية. اختارت مواقعها بعناية حيث يتمركز اللوبي الموالي لإسرائيل بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية. ونظراً للعلاقة المتزعزعة بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، كانت معالجة القضية بمساعدة السُلطة التنفيذية رهانٌ ينطوي على مخاطرةٍ كبيرة، لذلك ركزت الاستراتيجية الإسرائيلية على المجالس التشريعية في الولايات وعلى الكونغرس.

بدأ اللوبي الموالي لإسرائيل التنقل بين نيويورك، ومينيسوتا، وإلينوي، وغيرها من الولايات لإدراج “إرادتهم” في مشاريع القوانين التجارية. يكمن خطر “إرادتهم” هنا في أنها لا تخاطب بشكلٍ مباشر أنشطة (بي دي إس)، بل بمحو الخط الأخضر (خط هدنة عام 1948 أو كما يُشار إليه غالباً باسم خط 1967)، لتصبح جميع الأراضي المحتلة جزءاً من اسرائيل. هذه الإجراءات لا تعارض فقط القانون الدولي، إلا أنها أيضاً لا تتماشى مع السياسة الخارجية، القائمة منذ زمنٍ طويل، للولايات المتحدة الأمريكية.

فرنسا

كما اتخذت فرنسا في الآونة الأخيرة إجراءاتٍ مباشرة ضد جهود (بي دي إس). ففي عامي 2009 و2010، قام 12 ناشطاً بالدعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أحد المتاجر في مدينة ميلوز شرقي فرنسا، حيث وصل النشطاء إلى المتجر وهم يرتدون قمصاناً كتب عليها “عاشت فلسطين، قاطعوا إسرائيل.” كما وزعوا نشراتٍ ذُكر فيها “شراؤك للمنتجات الإسرائيلية يعني تشريع الجرائم في غزة.” كان هذا حملاً ثقيلاً على الدولة الفرنسية: تم إعتقال النشطاء الإثني عشر، حيث وجدوا مذنبين وتمت إدانتهم بالتحريض على الكراهية أو التمييز.

وفي أكتوبر 2015، أيدت محكمة النقض في باريس إدانة الإثني عشر ناشطاً التي صدرت مسبقاً عن محكمة استئناف كولمار. هذا التأييد شرّع الأبواب على مصراعيها لمزيدٍ من الإجراءات من قِبل الدولة ضد أولئك الذين يدعمون مقاطعة إسرائيل ووقف استثماراتها وفرض العقوبات عليها.

وذكرت الصحافية كارينا بيسر في 8 ديسمبر 2015 على قناة الجزيرة أمريكا:

“سيحاكم أربعة نشطاء ممن دعموا حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، في محكمة في تولوز في فرنسا، بموجب سابقة قانونية صدرت قبل شهر باعتبار الحركة غير قانونية. حصل هذا التحول في العشرين من أكتوبر، عندما أيدت محكمة الاستئناف العليا في فرنسا حكماً بإدانة 12 ناشطاً 2015 بالتحريض على “التمييز أو الكراهية أو العنف،” على أساس العرق أو الجنسية أو الدين لدعوتهم مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وفي بيانٍ صدر بعد قرار المحكمة، ندد النشطاء بالحصانة الواضحة لإسرائيل في القانون الفرنسي وشبهوا الحُكم بحظر مقاطعة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. أثارت الإجراءات الفرنسية ضد مؤيدي حركة (بي دي إس) مشاكل لا حصر لها حول حرية التعبير في البلاد في جميع أنحاء فرنسا.

المملكة المتحدة

تأتي أحدث إجراءاتٍ ضد جهود (بي دي إس) من المملكة المتحدة. فقد قامت عدة سُلطات محلية بإصدار قراراتٍ بالمقاطعة، حيث نفذت جميع مجالس مدينة ليستر، وستيرلينغ، وكلاكمانشاير، وميدلوثيان، وويست دونبارتونشير حظراً محلياً على البضائع التي تأتي من إسرائيل ومستوطناتها غير الشرعية، كما حذت حذوها العديد من اتحادات الطلاب، مما جعل حكومة المملكة المتحدة تتنبه لهذا الأمر.

تم إعلان الإجراءات المناهضة لـ(بي دي إس) من قِبل مات هانكوك، وزير مكتب رئيس الوزراء، في زيارته إلى إسرائيل. وأوضح الوزير هانكوك في مقال نشر في صحيفة “جويش كرونيكل” في 17 فبراير 2016 “هذه الهيئات العامة التي تنفذ حملات المقاطعة هذه تحاول في الواقع فرض سياسة خارجية محلية. السياسة الخارجية فقط من اختصاص وزارة الخارجية.” وفي ذلك اليوم، وفي خطوة استثنائية، نشر مكتب مجلس الوزراء البريطاني توجيهات حكومية جديدة “التي تهدف إلى وقف المقاطعة، غير الأخلاقية، للمشتريات التي تنتهجها السُلطات العامة،” معتبرةً أنّ “مقاطعة مجالس المدينة يقوّض العلاقات الاجتماعية الجيدة… ويؤجج معادة السامية.”

أما الناشط المخضرم غريغ ويلكنسون، من سوانسي، فقد تطرق لهذه المسألة بإيجاز في رسالة بعثها إلى رئيس تحرير صحيفة “الاندبندنت،” في رده على التوجيهات الحكومية:

“أما بالنسبة لإسرائيل، فقد كانت الحكومة البريطانية من وافقت على إنشاء وطنٍ قومي لليهود في فلسطين شريطة ألا يمس الضرر حقوق السكان الآخرين. وقعّت بريطانيا على الاتفاقات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تحظر الاحتلال العسكري والاستيطان على الأراضي الفلسطينية. كما أنّ بريطانيا طرفٌ في اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حيث بنود التجارة التفضيلية مشروطة باحترام حقوق الإنسان. لو أنّ الحكومة الوطنية في المملكة المتحدة أدت دورها، بالعناية الواجبة، في تنفيذ التزاماتها نيابةً عنا، لربما كان هناك حاجة أقل للأفراد والسُلطات المنتخبة والمنظمات غير الحكومية لتدارك الفشل في قراراتهم الشرائية والاستثمارية.”

بالإضافة إلى ذلك، قالت ريّا حسن منسقة اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل في أوروبا، وهي ائتلاف من المنظمات الفلسطينية التي تقود الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (بي دي إس)، “هذه أكثر حكومة بريطانية موالية لإسرائيل منذ أجيال، بل إنّ هذه الحكومة تفوقت بمراحل على ما فعلته مارجريت تاتشر للدفاع عن نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.”