التقت وجهات نظر عشاق المستديرة المصريون، الذي عادةً ما تفرقهم بما لا لُبس فيه ولاءاتهم لفرقهم المفضلة، في نفورهم من شخصٍ واحد: وزير الرياضة السعودي، تركي آل الشيخ. فالوزير في مهمةٍ لإيجاد موطىء قدمٍ في عالم كرة القدم المصرية، إلا أنه يواجه رداً عنيفاً من المصريين- سواء كان ذلك من المشجعين أو المسؤولين على حد سواء- الذين يرفضون بأن يقوم دخيلٌ ثري من الخليج بإملاء ما عليهم فعله وما لا يفعلونه.
بدأ الأمر برمته عندما تم تعيين آل الشيخ، الذي يُقال أنه من الدائرة المقربة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رئيساً فخرياً لأكبر نادٍ مصري، النادي الأهلي، في ديسمبر 2017. منذ تلك اللحظة، بدأ بضخ الأموال إلى النادي، التي وصلت، كما يُقال، إلى 119 مليون جنيه مصري (6,65 مليون دولار). إلا أن آل الشيخ لم يقبل بمجرد دورٍ شرفي، إذ قام بتسهيل انتقال العديد من لاعبي النادي الأهلي إلى أنديةٍ سعودية ودفع بالخطط لإنشاء ملعبٍ جديد.
في مايو 2018، أعلن أنه على استعدادٍ لتزويد الأهلي بـ”لاعبين أجانب من الطراز العالمي.” ومع ذلك، في وقتٍ لاحق من ذلك الشهر، وقع مدربٌ أرجنتيني شاع بأن سيصبح مدرب الأهلي الجديد، عقداً مع نادي الاتحاد السعودي جدة بدلاً من ذلك.
تركي آل الشيخ، “يحب الكلام”
لم تكن تعاملات آل الشيخ موضع تقديرٍ في الأهلي، إذ قال رئيس النادي محمود الخطيب في وقتٍ سابق من عام 2018، “لا أحد، ولا أحد على الإطلاق – مع كل الاحترام الواجب لتركي… سيسمح له بالتدخل في شؤون النادي.” بالإضافة إلى ذلك، طلب المشجعون من مجلس إدارة النادي استبعاد آل الشيخ.
ما أزعج مشجعي النادي الأهلي على وجه الخصوص هو شخصية آل الشيخ وميله إلى جعل نفسه محور الاهتمام، بحسب ما قاله الصحفي الرياضي وأحد مشجعي الأهلي محمد فتحي لفَنَك. “إنه يحب التحدث والتفاخر بما فعله [للأهلي]،” موضحاً أنه بالنسبة لمشجعي الأهلي “لا أحد أكبر من النادي.”
نجح انتقاد المشجعين، ففي أواخر مايو، تنحى آل الشيخ عن منصبه كرئيسٍ فخري، وصرح بأن أفعاله “قد أسيء تفسيرها.”
ومع ذلك، لم تنتهي مهمته بعد. فبعد فترةٍ وجيزة من تنحيه، قام بشراء نادي الاسيوطي، وهو نادٍ صغير في إحدى محافظات صعيد مصر، وأعاد تسميته إلى “بيراميدز اف سي.” تصدر النادي عناوين الصحف خلال الصيف في ظل توقيعه عقوداً مع العديد من اللاعبين البارزين المصريين والأجانب، فضلاً عن تعيين مدرب النادي الأهلي السابق حسام البدري رئيساً للنادي والأرجنتيني ريكاردو لافولبي مدرباً له.
وعلاوةً على ذلك، ظهرت أندية تشجيع بيراميدز من العدم، فضلاً عن ظهور شعارٍ جديد وأغنية جديد للنادي وتم إطلاق قناة بيراميدز الرياضية. كما ظهر نجوم كبار في عالم كرة القدم الدولية، مثل رونالدينيو، كمحللين على القناة. كانت الأشهر الأولى من الموسم جيدة لنادي بيراميدز، حيث أظهر قدرةً على تحدي الهيمنة التقليدية للنادي الأهلي.
ومع ذلك، ومرةً أخرى يبدو أن آل الشيخ قد تمادى في سلطته الاستبدادية. فبعد نتيجةٍ مخيبة للآمال في الدوري في سبتمبر، ألقى آل الشيخ باللوم على الحكم، مصرحاً لوسائل الإعلام “هذا يكفي. سأتقدم بطلبٍ إلى فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لإيجاد حلٍ للعقبات التي نواجهها على مستويات الرياضة والاستثمار.” حتى أنه هدد بإخراج نادي بيراميدز من الدوري في حال رفض طلبه بإحضار حكام أجانب.
معارضة جميع الأندية لتركي آل الشيخ
اشتكت أنديةٌ أخرى من تفضيل الاتحاد المصري لكرة القدم لنادي بيراميدز، إذ قال فتحي، “بعد مبارةٍ ضد بيراميدز، قال جميع المدربون أن الحكم انحاز لبيراميدز.” بينما تخطى علاء نبيل، مدرب نادي المقاولون العرب، ذلك مستنكراً سيطرة آل الشيخ على الاتحاد المصري لكرة القدم، وادعى أن حامل لقب الدوري قد تقرر بالفعل لصالح بيراميدز. وفي ضوء هذه التصريحات، تم تغريم نبيل وإيقافه لمبارتين.
وفي أواخر سبتمبر، تم القبض على العديد من مشجعي الأهلي بعد أن هتفوا شاتمين آل الشيخ داخل الملعب.
ومع ذلك، يعتقد فتحي أن الإجراءات ضد نبيل واعتقال جماهير الأهلي رمزية إلى حدٍ كبير. وقال: “لقد قاموا فقط باعتقال عددٍ قليل من المشجعين- إذ عادةً ما يعتقلون أعداد أكبر بكثير- وكان عقاب نبيل محدود نسبياً.” وأضاف “بالنسبة لي، هذا يدل على أن السلطات تتفق معهم في الواقع وليس مع تركي.”
في الواقع، اشتكى آل الشيخ من أن السلطات لم تفعل ما يكفي لحمايته من الهجمات من النوادي والمشجعين الآخرين. فقد كتب على موقع الفيسبوك “تظهر كل يوم مشكلة جديدة،” وأنه يفكر في سحب استثماراته.
علاوة على ذلك، أعلنت وكالة سيلا المملوكة للسعودية إيقاف صفقة رعايةٍ مع الأهلي والرياضة المصرية بشكلٍ عام كرد فعلٍ على “الإهانات” الموجهة إلى آل الشيخ. كما توقفت قناة بيراميدز عن البث بعد قيام هيئة مراقبة الإعلام في مصر بتأديب القناة بسبب “انتهاك ممارسات وسائل الإعلام.”
لعبة سعودية في عالم كرة القدم الدولية
ومع ذلك، فإن لدى جيمس دورسي، وهو زميل بارز في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية، رؤيةً أعم لتدخل آل الشيخ. فقد صرح لفَنَك عبر الهاتف “تحاول السعودية استعراض عضلاتها في الرياضات الدولية.” فعلى سبيل المثال، قدم محمد بن سلمان عرضاً إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، لإنشاء مسابقتين جديدتين، مما يمنح السعودية صوتاً مهماً في كرة القدم العالمية، على حد قوله.
كما تترأس المملكة العربية السعودية أيضاً تأسيس اتحادٍ جديد لكرة القدم لدول غرب وجنوب آسيا (SWAFF)، الذي يتألف من 14 دولة مع غيابٍ ملحوظ لإيران وقطر، والذي يعدّ منافساً فعلي للاتحاد الآسيوي لكرة القدم الموجود بالفعل.
فقد أصبح تداخل كرة القدم والسياسة واضحاً بشكلٍ خاص عندما دعمت المملكة العربية السعودية محاولة الولايات المتحدة وكندا والمكسيك استضافة كأس العالم 2026، على حساب المغرب. فقد ألمح آل الشيخ بنفسه في تغريدةٍ له إلى أن المغرب كان يجب أن ينحاز إلى السعودية في خلافه الدبلوماسي مع قطر من أجل كسب الدعم السعودي.
ومنذ ذلك الحين، حاول آل الشيخ إصلاح العلاقات مع المغرب، وكثيراً ما عبر عن دعمه لجهود المغرب استضافة كأس إفريقيا على وسائل التواصل الاجتماعي.
مواجهة قطر
ويعتقد دورسي أن الاهتمام المفاجىء للمملكة العربية السعودية بكرة القدم ما هو إلا محاولة لممارسة القوة الناعمة ومواجهة نفوذ منافستها قطر التي تستضيف كأس العالم 2022 وترعى أنديةً كبيرة مثل برشلونة وباريس سان جيرمان. وعلاوةً على ذلك، كانت المملكة العربية السعودية في نزاعٍ قانوني مع شركة بي إن سبورت المملوكة لقطر، والتي تمتلك حقوق بث الحصري لجميع البطولات العالمية الكبرى لكرة القدم في العالم العربي، ذلك أنها سمحت لقناة قرصنة يسَّر عملها سعوديون، قناة بي أوت كيو، ببث المباريات على الإنترنت.
وقال دورسي إن مصر أيضاً تُثير اهتمام السعودية لأنها أهم دولة في عالم كرة القدم في الشرق الأوسط، ويرى في ذلك “تصميمٌ على الحصول على موطىء قدمٍ في السوق المصري.”
تعكس الطريقة التي يتبعها آل الشيخ في اكتساب موطىء قدمٍ في مصر نفس السلوك الذي يتبعه محمد بن سلمان في مجالاتٍ أخرى، بحسب اعتقاد دورسي، “إنه يدل على نوعٍ من الاندفاع أو التهور، والشعور بأنك تستطيع أن تفعل ما تشاء،” مشيراً إلى كيفة تعامل محمد بن سلمان مع احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري كرهينة. وكما يقول، “إنها فكرة خاطئة عن حدود السلطة. إنهم يُعيقون أنفسهم.”
في مصر، يبدو أن هذا ما فعله آل الشيخ، وذلك انطلاقاً من الأداء الضعيف لفريق بيراميدز وإغلاق قناته التلفزيونية. فقد أكد بيانٌ من النادي أن آل الشيخ سيسحب استثماراته، وسيحصل اللعبون الذين وقعوا عقوداً على عقودٍ في مكانٍ آخر. ومن دون هؤلاء اللاعبين، من غير الواضح كيف سيستمر النادي، إذ قد يكون نجاح النادي قصير الأمد. إذا ما حصل هذا، ستنتهي مغامرة آل الشيخ المصرية بـ”إخفاقٍ تام،” كما يصفها دورسي.
بينما كان فتحي أكثر حذراً، إذ قال “[في 11 أكتوبر]، نشر تركي فيديو على صفحة نادي بيراميدز على الفيسبوك، ربما يُشير ذلك إلى أنه سيبقى. لننتظر ونرى.”
في هذه الأثناء، لربما بدأت خطوة آل الشيخ التالية تتشكل. فقد زعمت وسائل الإعلام المحلية أن قناة بيراميدز ستنقل إلى الزمالك، ثاني أكبر نادٍ في مصر والغريم التقليدي للنادي الأهلي. وعلاوةً على ذلك، شكر آل الشيخ رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، على الفيسبوك في 13 أكتوبر لإطلاقه إسمه على أحد مباني النادي، وأشاد بالنادي نفسه.
سواء استمر آل الشيخ في التدخل في كرة القدم المصرية أم لا، فإن مشاركته حتى الآن لم تسر، دون أدنى شك، بسلاسةٍ كما كان يأمل.