في تاريخ الخصومات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، يُشكل تهديد المملكة العربية السعودية بتحويل قطر إلى جزيرة مثالاً غير مسبوقٍ حول الجهد الذي تبذله دولةٌ ما لعزل دولةٍ آخرى.
فقد اعتبرت معظم وسائل الإعلام أن إعلان الصحف السعودية المرتبطة بالدولة في 9 أبريل 2018 أن السعودية يمكنها تحويل قطر إلى جزيرة، بمثابة النكتة أو الخطة المجنونة، وذلك على غرار ما صرح به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب معلناً أن المكسيك ستدفع ثمن الجدار الفاصل بين البلدين.
ووفقاً للإعلان، تتضمن الخطة حفر قناةٍ بحرية على طول الحدود السعودية مع قطر، وبالتالي تحويلها إلى جزيرة، والسماح لسفن الشحن بتجاوز الإمارة. وللقيام بذلك، ستستعين المملكة العربية السعودية بمهندسين مصريين ممن لديهم خبرة في بناء قناة السويس. ووصلت التكاليف إلى 2,8 مليار ريال سعودي (750 مليون دولار) ويمكن أن يبدأ العمل خلال عامٍ إذا ما تمت الموافقة عليه. وفي حين أن أجزاء من القناة قد تصبح مناطق جذبٍ سياحي تتضمن منتجعاتٍ ومراسي ونوادٍ رياضية، إلا أنه سيتم أيضاً إنشاء قاعدةٍ عسكرية سعودية على امتداد كيلومتر واحد من الأرض والتي تفصل حدود قطر عن قناة سلوى. وسيتم تحويل بقية المنطقة إلى مكب نفايات لمفاعلٍ نووي سعودي مخططٍ له. وتشير التصاميم إلى أن طول القناة يبلغ 60 كم وعرضها 200 متر وعمقها يتراوح بين 15 و20 متراً.
وحتى الآن، لم يصدر أي بيانٍ رسمي يؤكد احتمالية تنفيذ الخطة.
تعتبر هذه آخر المستجدات في الأزمة المتفاقمة بين قطر وجيرانها، الذين يتهمون الإمارة بدعم المتطرفين وتمويل الإرهاب. ففي 5 يونيو 2017، قطعت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر العلاقات الدبلوماسية والتجارية، والسفر من وإلى قطر. وبحلول فبراير 2018، انضم 12 بلداً، معظمها في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى الحصار.
ومن أجل إنهاء الحصار، طلبت الكتلة التي تقودها السعودية من قطر الموافقة على قائمة تضم 13 طلباً، والتي تضمنت قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ومنظمة الإخوان المسلمين السُنيّة، وتنظيم القاعدة السُني المتطرف، والحزب السياسي اللبناني حزب الله، إلى جانب إغلاق شبكة الجزيرة القطرية للإعلام، وإنهاء التعاون العسكري مع تركيا.
وكما هو متوقع، رفض وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني هذه المطالب في 2 يوليو 2017. وقال في مؤتمرٍ صحفي في إيطاليا “إننا نعتقد أن العالم يحكمه القانون الدولي الذي لا يسمح للدول الكبرى بالاعتداء على الدول الصغيرة.” وأضاف “ليس من حق أحد أن يصدر إنذاراً إلى دولةٍ ذات سيادة.”
ومنذ ذلك الحين، كانت قطر معزولة إلى أبعد الحدود. وباعتبار قطر بلد مستورد صافٍ للأغذية، اعتمدت البلاد على تركيا وإيران لتوفير الاحتياجات الأساسية لسكانها البالغ عددهم 2,7 مليون نسمة (بما في ذلك العمال الأجانب).
وفي الآونة الأخيرة، غاب أمير قطر عن القمة العربية الـ29 التي عقدت في الظهران في المملكة العربية السعودية في 15 أبريل 2018. وفي تغريدةٍ له على تويتر، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش معلقاً:”إن غياب أمير قطر عن حضور قمة الظهران نتيجة طبيعية، ومؤسفة، لسياسة المكابرة التي اتبعتها الدوحة منذ بدء أزمتها.”
وبعد ذلك بأسبوعين، وبالتحديد في 29 أبريل، دعا وزير الخارجية الأمريكي المُعيّن حديثاً، مايك بومبيو، إلى الوحدة في منطقة الخليج، وذلك خلال رحلته الخارجية الأولى بعد تقلده منصبه الجديد إلى المملكة العربية السعودية. وقال مسؤولون أمريكيون للصحفيين إن بومبيو سيتحدث مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان عن حلٍ لأزمة الخليج. وعليه، جاء ذلك بمثابة مفاجأةٍ للكثيرين ذلك أن ترمب دعم الحصار في البداية، معلناً أنذاك أن الوقت قد حان “لدعوة قطر إلى إنهاء تمويلها… وأيديولوجيتها المتطرفة.”
بيد أنه في يونيو 2017، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية وجهة نظرٍ أخرى حول الوضع، إذ قالت إن دول الحصار لم تقدم المبررات المناسبة لإجراءاتها. فقد وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر نويرت، “مر الآن أكثر من أسبوعين على بدء الحظر ونحن مندهشون من أن دول الخليج لم تعلن للناس ولا للقطريين تفاصيل الادعاءات التي لديهم تجاه قطر.” وأضافت “في هذه اللحظة ليس أمامنا سوى سؤال واحد بسيط: هل كانت التحركات فعلاً بشأن مخاوفهم إزاء دعم قطر المزعوم للإرهاب أم هي بشأن شكاوى تعتمل منذ فترة طويلة بين دول مجلس التعاون الخليجي؟”
وحتى الآن لم تتغير أي حدود، ولا بد أن تظهر لنا الأشهر التالية ما إذا كانت الضغوط الأمريكية على المملكة وحلفائها ستثبت نجاحها.
وفي هذه الأثناء، حذر قرقاش من الإمارات العربية المتحدة، قطر بأن تعيد النظر بموقفها بعناية، إذ قال على تويتر “سنوات التآمر والغدر والطعن في الظهر لا يمكن مسحها بجرّة قلم، والآن وقد غدت الخيارات واضحة في جديّتها آن الأوان لتترك الدوحة إرتباكها وأن تقرأ بتمعن مبادىء الحل ومطالب الدول الأربع.”
ويبقى أن نرى ما إذا كانت قطر سترد على هذا التهديد المبطن وتخضع لمطالب جيرانها أو تخاطر بأن تصبح أكثر عزلة من أي وقتٍ مضى.