تأسس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 لتيسير الشؤون الاقتصادية والسياسية بين أعضائه. وجمعت الكتلة كلاً من المملكة السعودية العربية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عُمان، إذ كانوا جميعاً قلقين من عواقب الثورة الإسلامية في إيران المجاورة. وبعد سبعة وثلاثين عاماً، يبدو مستقبل دول مجلس التعاون الخليجي بعيداً كل البعد عن اليقين.
وتعتبر قطر نقطة خلافٍ رئيسية، ففي 5 يونيو 2017، قطعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة الصغيرة. وبالرغم من أن مصر ليست عضواً في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها انضمت أيضاً إلى الحصار على قطر بقيادة السعودية. وعليه، بررت المملكة العربية السعودية خطوتها بمزاعم دعم قطر للجماعات المتطرفة مثل القاعدة والميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة.
في ذلك الوقت، كانت الأسباب الحقيقية وراء قطع العلاقات الدبلوماسية غير واضحة، بحسب ما كتب جوردان أبو سريه في فورين بوليسي جورنال. وعلى الرغم من أن قطر تدعم الإخوان المسلمين، الأمر الذي أغضب السعودية والإمارات ومصر، إلا أنه يبدو أن المملكة العربية السعودية لم ترغب في السماح لقطر بتبني سياسةٍ خارجيةٍ مستقلة.
ومع ذلك، أشار تحقيقٌ أجرته مجلة نيويورك تايمز في الآونة الأخيرة إلى أن دفع قطر فديةً لمقاتلين من الشيعة العراقيين مقابل إطلاق سراح مواطنين قطريين، كان القشة التي قسمت ظهر البعير. ووفقاً للمجلة، تم فرض الحصار الذي تقوده السعودية بعد فترةٍ وجيزة من ذلك.
بيد أنه وبدلاً من التنازل عن السيادة والعمل كدولةٍ تابعة، سرعان ما لجأت قطر إلى تركيا وإيران لتوفير الواردات الأساسية عبر الجو. وفي أغسطس 2017، أعادت الإمارة أيضاً علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، التي قطعتها في عام 2016 بعد الهجوم الذي تعرض له دبلوماسيان سعوديان هناك.
وعلى الرغم من المساعدة الإيرانية والتركية، إلا أن تجاوز العاصفة بسلام حمل تكلفةً كبيرة بالنسبة لقطر. وبحلول شهر أكتوبر، ذكرت صحيفة الإيكونوميست أن قطر قد ضخت 39 مليار دولار في الاقتصاد من احتياطياتها الأجنبية البالغة 340 مليار دولار. كما انخفض عدد السياح من دول الخليج الأخرى بأكثر من 70% وتراجعت التجارة.
وكشف المقال ذاته في الإيكونوميست أن الحصار المفروض على قطر يلحق الضرر أيضاً بالدول التي تفرضه، والتي يقول محللون إنها تضعف دول مجلس التعاون الخليجي ككل. فستفقد دبي، وهي جزءٌ من دولة الإمارات العربية المتحدة، معظم الإيرادات من التجارة. كما أن جميع الشركات القطرية في دولة الإمارات العربية المتحدة توظف موظفين محليين. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في مجال العلاقات العامة إن شركتهم ستضطر إلى إقالة الأشخاص بعد خسارتها عقداً قطرياً. كما سيواجه سوق العقارات في دبي إنتكاسةً كبيرة، ذلك أن القطريين اشتروا عقاراتٍ تتجاوز قيمتها 500 مليون دولار في دبي في عام 2017 وحده.
وفي نوفمبر الماضي، أكد صندوق النقد الدولي أن الخلاف المستمر قد يضعف النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي كان يسمح بالتجارة الحرة للبضائع وعبور الأفراد عبر جميع حدودها.
فقد ذكر صندوق النقد الدولي في تقريره بعنوان “آفاق الاقتصاد الإقليمي،” إن “استمرار الأزمة سيؤدي إلى إبطاء التقدّم نحو زيادة التكامل بين دول المنطقة، والتسبّب في إضعاف الثقة، ما يخفض الاستثمارات والنمو، ويرفع تكاليف التمويل في قطر، وربما في بقية دول مجلس التعاون أيضاً.”
ومع استمرار النزاع، تولت الكويت وعُمان زمام الوساطة. وقالت فارشا كودافاير ، وهي محللة في مجال الأبحاث مختصة بشؤون مجلس التعاون الخليجي لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات لفَنَك، أن البلدين اختارا الاحتفاظ بدورهما التاريخي كوسيطين وصانعي سلام.
وقالت في هذا الصدد “تفخر الكويت وعُمان بمواقفهما الحيادية والوسطية، وهذا هو الموقف الذي لطالما اتبعوه تاريخياً في مجلس التعاون الخليجي.” وأضافت “وفي حين أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تعارضان قطر كلياً، إلا أن عُمان والكويت، وهما دولتان أصغر حجماً، تلمسان فائدة الحفاظ على دول مجلس التعاون الخليجي من خلال اتخاذ موقفٍ أكثر توازناً.”
وفي حين قد يكون الأمر كذلك، إلا أن الدول الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي يفضلون تحالفاتٍ جديدة. ففي 5 ديسمبر 2017، أعلنت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن تأسيسهما شراكة سياسية وعسكرية جديدة، منفصلة على مجلس التعاون الخليجي.
ويتباهي كلا البلدين بامتلاكهما أقوى الجيوش في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يجعلهما ثنائياً صعباً لاتخاذ موقفٍ أكثر عدوانية ضد إيران – وهي دولة يزعزع وكلاؤها محاولات السعودية والإمارات العربية المتحدة بسط هيمنتهما في اليمن ولبنان والعراق.
وقالت كودافاير إنه حتى قبل أن يعلن السعوديون والإماراتيون عن تحالفهم الجديد، فإن التقارب بينهما لطالما ميّز العلاقة بين البلدين. وبالنظر إلى الانقسامات السياسية داخل مجلس التعاون الخليجي، تُشير كودافاير إلى أن السعوديين والإماراتيين تعاونوا منذ فترةٍ طويلة بنية أن يصبحا المركز الجديد للشؤون الخليجية، إلا أن هذا لا يعني أن دول مجلس التعاون الخليجي خارج الموضوع.
إذ قالت “لا أعتقد أن السعوديين أو الإماراتيين يرغبون في المخاطرة بإقصاء الكويتيين والعمانيين من خلال التخلص من دول مجلس التعاون الخليجي.” وأضافت “ولا بد أن جزءاً من السبب يتعلق بالمنطقة الاقتصادية التي يتشاركونها، إلا أن عُمان والكويت مهمتان جداً لمواجهة إيران وضمان أمن دول مجلس التعاون الخليجي.”
ويبدو أن المنطقة الاقتصادية المشتركة عاملٌ مهم، ففي 12 مارس 2018، أفادت وكالة بلومبرج أن دول مجلس التعاون الخليجي قد وافقت على تأسيس شركة يمكنها تسهيل التحويلات المالية المباشرة إلى جميع الدول الست الأعضاء. وقد أدرجت قطر في الخطة على الرغم من خلافها المستمر مع الإماراتيين والسعوديين.
وقال جاسون توفي، الاقتصادي المتخصص في مؤسسة كابيتال إيكونومكس للأبحاث ومقرها لندن، لبلومبرج، إن “هذه الخطوة هي وسيلة لإظهار أنه لا تزال هناك مجالات للتعاون في الجانب الاقتصادي حتى وإن لم يتفق [مجلس التعاون الخليجي] على القضايا السياسية.”
وأضاف “يبدو من الغريب أن يتفقوا على ما يزعمون أنه خطوة عميقة عندما لا يزال هناك في نهاية المطاف هذا الحصار الذي أضر باقتصاد قطر. يشبه هذا إلى حدٍ كبير تجاهل حقيقةٍ واضحة.”
ومع ذلك، هناك بعض الدلائل على أن الحصار يمكن تخفيفه في بعض المجالات، إذ يدرس السعوديون والإماراتيون تخفيف القيود على تنقل المدنيين بين الدول الثلاث، الأمر الذي سيشكل خطوةً كبيرة إلى الأمام لحل النزاع.
وتُشير كودافاير إلى أن التكامل الاقتصادي يأتي في المرتبة الأولى دوماً في دول مجلس التعاون الخليجي، بينما يميل التعاون السياسي إلى أن يكون مهزوزاً. ويرجع ذلك إلى المخاوف العامة بين الأعضاء حول التنازل عن السيادة لصالح تبني سياسة خارجية أكثر تجانساً. وعلى الرغم من الخلافات السياسية، ما زالت دول مجلس التعاون الخليجي تبحث عن سبلٍ للتعاون.
وفي هذا السياق، قالت لفَنَك: “من وجهة نظري، سيكون هناك حوافز أقل للتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي إذا ما أدرك الأعضاء أنه سينهار.” وأضافت “البلدان التي لا تستفيد من الانقسام في دول مجلس التعاون الخليجي هم أعضاء مجلس التعاون الخليجي أنفسهم.”