وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: لا نهاية في متناول اليد لتمرد تنظيم الدولة الإسلامية

Egypt-Islamic state in Egypt
مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية يهاجمون نقطة تفتيش تابعة للشرطة المصرية في العريش، مصر، 11 يناير 2017. Photo AP

كانت محاربة الجهاديين في شمال سيناء، منذ استيلاء اللواء عبد الفتاح السيسي على السُلطة في يوليو 2013، على رأس قائمة أولويات القوات المسلحة المصرية.

ومع ذلك، وبالرغم من مضيّ أربع سنوات، إلا أن الوضع لا يزال بعيداً كل البعد عن سيطرة الجيش. بل على العكس، ففي مايو 2017، احتشدت القبائل البدوية المحلية لمحاربة الجهاديين، الذين باتوا، منذ عام 2014، ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” تحت اسم ولاية سيناء.

أعقب ذلك عمليةً كبرى شنتها القوات الخاصة المصرية في مارس في جبل الحلال في وسط سيناء للقضاء على مخابىء المتطرفين. بيد أن مدى نجاح العملية يبقى مبهماً، ذلك أن المعلومات المتاحة لا تُستقى سوى من البيانات التي يُصدرها الجيش، فضلاً عن تعذر وصول المراقبين المستقلين، فعلياً، إلى المنطقة. وعلاوةً على ذلك، يمنع قانون الإرهاب لعام 2015 على وسائل الإعلام ذكر أعداد الإصابات الناجمة عن الحوادث المتصلة بالإرهاب والتي تختلف عن ما تذكره المصادر الرسمية.

وبعد فترة وجيزة من إعلان الجيش بسط سيطرته على جبل الحلال، شن تنظيم داعش هجوماً على حاجزٍ أمني بالقرب من دير سانت كاثرين في جنوب سيناء، وهي منطقةٌ بعيدة كل البعد عن مركز عملياته المعتاد في شمال سيناء، حيث تقع هجماتٌ مرة كل أسبوعٍ تقريباً.

ففي يونيو 2017، قتل تنظيم داعش أربعة ضباط شرطة وضابط شرطة آخر في هجماتٍ منفصلة، فضلاً عن مقتل إمامٍ موالٍ للحكومة في العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء. كما تم استهداف المدنيين، انتقاماً لتعاونهم مع قوات الأمن.

ويُصدر الجيش بانتظامٍ تصريحاتٍ حول أعداد الإرهابيين الذين قتلوا أو اعتقلوا. ومع ذلك، وكما ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن “الإرهابيين” البالغ عددهم 6 آلاف شخص الذين قتلوا يتجاوز بكثير ما يقدر بـ1,000 إلى 1,500 مقاتل المشاركين في التمرد. وعليه، أثار هذا التناقض شكوكاً، مدعومةً بتقارير مجهولة من جانب السكان المحليين، بأن بعض القتلى، على الأقل، من المدنيين.

فعلى سبيل المثال، ذكر اثنان من سكان القرى المتاخمة للعريش للموقع الإخباري De Correspondent في عام 2015 أنّ ضحايا العمليات العسكرية في الغالب من المدنيين، الذين يُدرجون في وقتٍ لاحق باعتبارهم ضمن قائمة وفيات الإرهابيين.

فقد دعمت اللقطات التي عرضت في أبريل 2017 هذه التقارير، حيث أظهر الفيديو جنوداً يعدمون معتقلين غير مسلحين. وأعادت منظمة هيومن رايتس ووتش إصدار الفيديو، مشيرةً إلى أن اثنين من الضحايا كانوا من السكان المحليين الذين تم اعتقالهم واختفوا قسراً في يوليو 2016. كما عرض الجيش صوراً للضحايا من شهريّ نوفمبر وديسمبر 2016، كجزءٍ من تصريحاتٍ تزعم قتله إرهابيين خلال إحدى الغارات.

فتاريخ التمرد في سيناء يعود إلى عام 2011، عندما ظهرت الجماعة الجهادية أنصار بيت المقدس. وعلى مر السنين، أصبحت أجزاء من شبه جزيرة سيناء معاقل للخارجين عن القانون. كما يقول بعض زعماء القبائل البدوية المحلية هناك أنّ بعض المناطق في جنوب سيناء أصبحت طرق تهريبٍ رئيسية للمخدرات والأسلحة وحتى البشر من البحر الأحمر إلى مصر واسرائيل. وفي الوقت نفسه في شمال سيناء، ازدهرت تجارة تهريب الأسلحة وغيرها من البضائع إلى قطاع غزة عبر شبكةٍ من الأنفاق أسفل الحدود.

فقد اتهم الكثيرون الرئيس السابق محمد مرسي بالسماح للأصولية الإسلامية بالازدهار، ويرجع ذلك جزئياً إلى عفوه عن مئات الجهاديين الذين سجنهم مبارك. ويرى هؤلاء النقاد، أنه باعتباره عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، فإن فكر مرسي قريب من أيديولوجية الجهاديين. إلا أن الأبحاث التي أجراها الموقع الإخباري المحلي مدى مصر، تشير إلى أن مرسي أطلق سراح 27 إسلامياً خلال فترة حكمه التي استمرت لسنةٍ واحدة في الفترة ما بين 2012-2013، في حين أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي تولى السلطة مؤقتاً بعد الإطاحة بمبارك، أفرج عن أكثر من 800 منهم.

وبعد توليه السلطة عام 2013، صعّد السيسي الحملة ضد الجهاديين في شمال سيناء، حيث دمر أنفاق التهريب إلى غزة وأمر بإنشاء منطقةٍ عازلة على طول الحدود، مما أجبر العديد من السكان المحليين على ترك منازلهم وقراهم المدمرة. غير أنّ موجة العنف أخذت بالتصاعد، لتبلغ ذروتها في عددٍ من الهجمات الكبرى. كان أبرزها الهجوم الصاروخي الذي وقع في يوليو 2015 على سفينةٍ بحرية مصرية قبالة ساحل سيناء، والاعتداءات المتزامنة على الشيخ زويد، مما سمح لتنظيم داعش بالسيطرة على المدينة، وإن كان ذلك لفترةٍ وجيزة.

وفي العامين الماضيين، ابتعد تنظيم داعش عن شن مثل هذه الهجمات واسعة النطاق، وفقاً لما ذكره الصحفي والخبير في منطقة سيناء، مهند صبري، ذلك أنّ الهجمات محدودة النطاق أكثر فعالية وتشكل مخاطر أقل على المقاتلين. ويقوم تنظيم داعش، بانتظام، بإصدار مقاطع فيديو تُظهر إقامة عناصر التنظيم لنقاط التفتيش وتطبيق قوانين الشريعة الصارمة، مثل منع التدخين، وإجبار الرجال على حلق لحاهم ومنع النساء من كشف وجوههنّ.

وفي فبراير 2017، صعدّ التنظيم من هجماته ضد المسيحيين، بوصفهم “الفريسة المفضلة.” وقال صبري لإحدى وسائل الاعلام الهولندية فى ذلك الوقت، أن استهداف المسيحيين فى الغالب يخدم أغراضاً دعائية. وأضاف “منذ أغسطس 2016، نزح 21 ألف شخصٍ من شمال سيناء، إلا أن أحداً لا يذكر ذلك. بينما ذكرت الصحف نزوح حوالي ألف مسيحي على الأكثر.”

وبالاضافة الى ذلك، فر المئات من سكان سيناء إلى غزة، وفقاً لما ذكرته قناة الجزيرة القطرية. وفي الأسابيع الأخيرة، سعت جماعة حماس التي تحكم قطاع غزة إلى تحسين العلاقات مع مصر، بعد أن توترت منذ الإطاحة بمرسي في عام 2013. وفي 28 يونيو، أعلنت حماس أنها بدأت العمل على إنشاء منطقةٍ عازلة جديدة على الجانب الغازي من الحدود. وجاء هذا الإعلان بعد أسبوع من قيام مصر بتسليم مليون لتر من الوقود الى الجيب الفلسطيني، الأمر الذي يخفف بشكلٍ مؤقت من أزمة الطاقة التي خلّفت مليوني نسمة من سكانها ببضع ساعات فقط من الكهرباء يومياً.

ولكن من المرجح أن يكون تأثير هذه التدابير محدود فحسب، مع توسع داعش في عملياتها خارج شمال سيناء. فقد أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن إسقاط طائرة تحمل سياحاً روس في وسط سيناء في أكتوبر 2015، وعن هجماتٍ على كنائس في القاهرة والإسكندرية وطنطا في ديسمبر 2016 وأبريل 2017. وفي مايو 2017، هاجم التنظيم حافلتين تقلان مسيحيين في المنيا في صعيد مصر، مما أسفر عن مقتل 30 شخصاً.

وعلى الرغم من الجهود العسكرية المكثفة، يتواصل التمرد بلا هوادة. ويسلط حسابٌ الكتروني من مصدر محلي مجهول، الضوء على إخفاقات استراتيجية مكافحة التمرد في مصر. وقال المصدر لـFanack، أن رجالاً ملثمين داهموا في إحدى المرات منزل عائلته في العريش، مجبرين من كانوا في المنزل على الركوع على الركبتين تحت تهديد السلاح. كان الرجال يبحثون عن شخصٍ معين، ليغادروا المنزل لعدم وجوده هناك.

ولم تستطع العائلة معرفة ما إذا كان هؤلاء الرجال من الجنود أو عناصر من داعش، إلا أنهم يشتبهون بكونهم من الجيش بسبب لكنتهم القاهرية (من القاهرة). وتعكس مثل هذه الحوادث الجدل المتواتر حول سبب فشل الجيش في القضاء على عددٍ محدودٍ من المسلحين في منطقةٍ صغيرةٍ نسبياً: يستخدم الجيش الحرب التقليدية لمحاربة عدوٍ غير تقليدي، ليخسر في هذه العملية معركة كسب قلوب وعقول السكان المحليين.