وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تغيير الدَفة: استراتيجية إسرائيل في افريقيا

Israel- Israel africa
Cالرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو (يمين) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوقعان وثائق بعد اجتماعهما في القصر الرئاسي في نجامينا في 20 يناير 2019. Photo AFP

شكلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتشاد في يناير 2019 حدثاً تاريخياً في العلاقات بين البلدين بعد عقودٍ من القطيعة، إذ يُعدّ اجتماعه بالرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو جزءاً من الجهود الإسرائيلية العالمية لتعزيز علاقاتها مع إفريقيا، بالإضافة إلى تحسين صورتها في الدول ذات الأغلبية المسلمة. ومن الجدير بالذكر أن العلاقات بين البلدين قد انهارت منذ عام 1972.

ففي السنوات الأخيرة، أظهرت إسرائيل تصاعداً في اهتمامها بالقارة الأفريقية، إذ بدأ بنيامين نتنياهو، منذ عام 2016، حملةً تهدف إلى تعزيز العلاقات بين بلاده والدول الأفريقية، وبالتالي حشد الدعم لإسرائيل.

على مدى التاريخ، وبالتحديد في ستينيات القرن الماضي، دعمت إسرائيل الدول الإفريقية المستقلة حديثاً. ومع ذلك، في أعقاب أزمة النفط وحرب عام 1973، انقطع التواصل بين الحكومات الأفريقية وإسرائيل امتثالاً لقرار منظمة الوحدة الأفريقية، برعاية مصر ودعوة الأعضاء إلى قطع العلاقات مع إسرائيل. كان الحافز الآخر لقطع العلاقات هو الوعد الذي قطعه الزعيم الليبي معمر القذافي والعاهل السعودي الملك فيصل بتقديم النفط بأسعارٍ منخفضة وتقديم مساعداتٍ مالية إلى الدول الأفريقية. بل إن الاتحاد الأفريقي منح الفلسطينيين صفة دولة مراقب غير عضو في مؤتمرات قمة الاتحاد الإفريقي، لكن الإسرائيليين لم يتلقوا نفس المعاملة. كما أن دعم إسرائيل النشط لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا طوال الثمانينيات من القرن الماضي لم يساهم في رأب الصدع، بل على العكس من ذلك. وفي التسعينيات، وعقب نهاية نظام الفصل العنصري، أعادت العديد من الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل. ومع ذلك، بقيت استراتيجية إسرائيل الدبلوماسية بعيدة كل البعد عن النشاط.

وعليه، لا ينبغي التقليل من أهمية دور رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي تجاه أفريقيا. فقد كان أول زعيمٍ إسرائيلي منذ ثلاثة عقود يضع قدمه في القارة الأفريقية في زيارةٍ رسمية. ففي يوليو 2016، أكمل جولته في شرق إفريقيا، والتي تضمنت زياراتٍ إلى أوغندا ورواندا وإثيوبيا وكينيا. فقد قام في رواندا بوضع إكليلٍ من الزهور تخليداً لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية مؤكداً على أوجه التشابه القائمة مع الهولوكوست، أو في كينيا، حيث تعهد بدعم بناء جدارٍ بين البلاد والصومال “لإبعاد الإرهابيين،” بيد أن أياً من هذه المبادرات أو الخطب تقع في خانة البراءة.

والأهم من ذلك، في يونيو 2017، شارك بنيامين نتنياهو في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) في ليبيريا، واغتنم غياب الدول العربية كفرصةٍ للدفاع عن إسرائيل. كان الغرض من هذه الاستراتيجية هو تغيير النظرة إلى إسرائيل في قارةٍ تنظر إليها العديد من الدول بعين الريبة. كما كانت هذه هي المرة الأولى التي يخاطب فيها زعيمٌ غير أفريقي الحضور الذي يتكون ثلث أعضائه المشاركين من المسلمين.

وقبل القمة، أوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الهدف من هذه الدبلوماسية المتجددة تجاه إفريقيا هو “حل هذه الكتلة العملاقة المكونة من 54 دولة أفريقية” والتي تشكل أساس الغالبية التلقائية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة.

يتم نشر هذه الاستراتيجية الدبلوماسية بوسائل مختلفة.

من الناحية الاقتصادية، تتجلى سياسة إسرائيل في المنطقة في العديد من المشاريع. ففي أوائل ديسمبر 2017، وقعت البلاد والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية تهدف إلى زيادة الوصول إلى الطاقة في إفريقيا وتقليل ندرة الكهرباء في القارة من خلال الابتكار. ووفقاً لموقع كوارتز بنسخته الإفريقية، تم إدراج هذه الشراكة في مشروع طاقة افريقيا الأوسع نطاقاً، وهو مشروعٌ مدته خمس سنوات بتكلفة 7 مليارات دولار، والذي كان قد أستهل في ظل إدارة أوباما. ويهدف المشروع إلى إنشاء 60 مليون وصلة كهرباء جديدة في إفريقيا بحلول عام 2030.

وفي العام الذي سبق هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة، وخلال جولة نتنياهو في شرق إفريقيا، وقعت إثيوبيا وإسرائيل العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم في مجال الزراعة والاستثمار وبناء القدرات السياحية، كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات مع كينيا في مجال الصحة والهجرة. وعلاوةً على ذلك، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على اقتراحٍ يهدف إلى فتح مكاتب الوكالة الإسرائيلية للتعاون في التنمية الدولية (ماشاف) في البلدان الأربعة التي تمت زيارتها.

بالإضافة إلى الاقتصاد، تُنتج إسرائيل خطاباً يدعو إلى الخوف من الإرهاب في غرب إفريقيا، مع تزايد التطرف والهجمات الإرهابية المتعددة التي يُزعم أن الجماعات الجهادية تشنها. ومن خلال وصف المقاومة الفلسطينية بأنها منظمة “إرهابية،” يسعى بنيامين نتنياهو إلى عقد مقارنةٍ بين حرب إسرائيل ضد الإرهاب وكفاح دول غرب إفريقيا. وبالفعل في عام 2010، وصف وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان الحركات الفلسطينية بأنها “مجموعة إرهابية” خلال زيارة إلى أبوجا، عاصمة نيجيريا.

أحد الأسباب الكامنة وراء مصلحة إسرائيل في القارة السوداء هو وجود مغتربين لبنانيين مهمين في أفريقيا، إذ يُشتبه في قيام جزءٍ منهم بتمويل حزب الله الشيعي اللبناني الذي تعتبره إسرائيل جماعةً إرهابية وتهديداً مباشراً لأمنه. ونتيجةً لذلك، شجعت إسرائيل رجال الأعمال المحليين على الاستثمار في بلدانٍ تعتبر أنها تميل لهذا النفوذ اللبناني، مثل ليبيريا أو ساحل العاج.

وفي شرق إفريقيا، تشكل التهديدات التي تشكلها الجماعات الجهادية مصدر قلقٍ متزايد، إذ تسعى إسرائيل إلى مواجهة تلك الحركات وتجنب أي هجومٍ ضد مصالحها. وكجزءٍ من استراتيجيتها، حظيت إسرائيل بقواعد لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في كينيا وأوغندا وإثيوبيا، وبالتالي سعت إلى الحد من انتشار الجماعات الإسلامية في شرق إفريقيا في أعقاب الضغوط الأمنية المتزايدة التي تفرضها جماعة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وعليه، يبدو أن عامل الإرهاب دافعٌ مهم يبرر تعزيز العلاقات بين إسرائيل ومنطقة شرق إفريقيا.

سببٌ آخر لم يتم طرحه في كثيرٍ من الأحيان هو استراتيجية إسرائيل المثيرة للخلاف تجاه الدول التي تتقاسم موارد نهر النيل. ووفقاً لما قاله فهد ياسين، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، فإن زيارة نتنياهو إلى كينيا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا يجب أن تُقرأ أيضاً كجزءٍ من جهوده لإنقلاب دول المنبع والمصب ضد بعضها البعض وتقديم مصر والسودان باعتبارهما المستفيدون الوحيدون من النهر.

وبشكلٍ أكثر تحديداً، تسعى إسرائيل إلى استغلال الخصومات الناشئة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير. فقد فشلت إثيوبيا والسودان ومصر في الاتفاق على الآثار المحتملة لهذا المشروع، حيث أثارت مصر مخاوف من أن هذه الخطة ستحول كمياتٍ كبيرة من إمدادات المياه وتضر بأراضيها الزراعية.

يعدّ مشروع أديس أبابا الأول من نوعه على النيل الأزرق، إلا أن هذه الخطة أثارت غضباً شديداً في مصر لكونها تعتبر انتهاكاً لاتفاقيات عام 1929 و1959، التي منحت مصر حق النقض فيما يتعلق بأي مشاريع مرتبطة بالنهر. وعليه، تتهم السلطات المصرية إثيوبيا بالمضي قدماً بالمشروع دون التشاور معها، فضلاً عن استغلالها عدم الاستقرار في مصر بعد انتفاضة 2011.

تُشكل هذه التوترات فرصةً لإسرائيل لضمان أمنها المائي في المستقبل، فمن خلال دعم مشروع السد، تسعى إسرائيل إلى ضمان حصولها على حصة من مياه نهر النيل.

وبحسب فهد ياسين، يفسر هذا رغبة نتنياهو في دعم الزراعة الإثيوبية، حيث تساعد إسرائيل إثيوبيا من خلال السماح للبلاد باستخدام مواردها المائية الخاصة وتزويدها بالإمدادات التكنولوجية.