نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على وضع النساء الكرديات في سياق الهجوم الأخير الذي شنّه تركيا على الأكراد شمال سوريا. ويقوم صاحب المقالة حيدر خزري، الأستاذ المساعد في جامعة سنترال فلوريدا، بسرد موجزٍ تاريخي لما مرّ به الأكراد من مفاصل تاريخية وما تعرّضوا له من عمليات تقسيم بين القرنين السابع عشر والعشرين. ويعرض خزري في مقالته ما يبديه الأكراد من اهتمام على مستوى تحقيق المساواة بين الجنسين في مناطق حكمهم، منوهاً إلى أن ما تم القيام به من جهود على هذا المستوى لا يكفي، خاصةً في ظل استمرار حالة التمييز الممارسة بحق النساء في المجتمع الكردي.
ووصف المقاتلون الأكراد الذين تعرّضوا في الآونة الأخيرة لهجومٍ تركي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا بأنه “طعنة في الظهر “.
وكان انطلاق العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في التاسع من أكتوبر الماضي ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، وهم حليف واشنطن الأقوى والأكثر فعالية في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، قد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ١١ مدنياً، ناهيك عن مقتل عددٍ غير مؤكد من المقاتلين الأكراد، علماً بأن العدد يتراوح بين عشرات ومئات القتلى.
ويعتبر المقاتلون الأكراد من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وساعد هؤلاء بين عامي 2003 و2017 في الإطاحة بنظام صدام حسين، ناهيك عن قتال تنظيم “القاعدة”، وطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من شمال العراق وسوريا.
وقاتلت نساء الأكراد ضمن الصفوف الأمامية في هذه المعارك كافّة، وهو ما اعتدن القيام به منذ تولي القائدة الكردية قرة فاطمة في القرن التاسع عشر لقيادة كتيبةٍ عثمانية ضمت في صفوفها 700 رجلاً و43 امرأة في مواجهة الإمبراطورية الروسية.
ولم يكن هذا الأمر بالعادي في ذلك الزمن، إلا أن النساء الكرديات لطالما كنّ استثناءً في منطقة الشرق الأوسط التي يغلب عليها الطابع المحافظ.
من هم الأكراد؟
بحسب خزري، فإنه يتواجد في كردستان – التي وُلد فيها – واحدٌ من أكبر شعوب العالم اللواتي لا تمثلها دولة، إذ يعيش نحو 35 مليون كردي في منطقةٍ جبلية تمتد رقعتها في تركيا وإيران والعراق وسوريا وأرمينيا.
وواجه الأكراد أولى حالات الانقسام السياسي في القرن السابع عشر عندما قُسّمت أراضيهم بين الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية. حينها، سافر ابن مدينة روما الرحالة والعالم بيترو ديلا فالي إلى المنطقة وتفاجأ بـ “تنقّل النساء الكرديات بحرّية دون حجاب”. وأشار ديلا فالي في كتابه الذي تم نشره عام ١٦٦٧ إلى أن النساء “يتعاملن مع الرجال الأكراد والأجانب دون أية مشكلة”.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، رسمت اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين بريطانيا وفرنسا حدوداً اعتباطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما أدى إلى إنشاء دولٍ تخضع للوصاية الاستعمارية. وأسفر هذا التقسيم مرة أخرى عن تفتيت الأكراد في أربع دول معاصرة وهي تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا.
ومنذ ذلك الحين، قاتل الأكراد سعياً للحصول على سيادتهم، وقد نجح هؤلاء في إقامة مناطق حكمٍ ذاتي لهم داخل العراق وسوريا خلال العقود الأخيرة.
إلا أن الأكراد الموجودين في إيران وتركيا ما انفكّوا يواصلون نضالهم المسلّح هناك. وينظر كلا البلدين إلى هذه الأقلية العرقية كتهديدٍ إرهابي ويقومان بقمع السكان الأكراد تحت مسمى القوانين التي تم سنّها للقيام بهذا الغرض.
وأدت هذه الحالة إلى وضع كردستان – المكان المسالم والمزدهر نسبياً باحتياطياته النفطية الكبيرة – وسط مستنقعٍ جيوسياسي.
وحتى التحول الأخير لترامب، قدّمت الولايات المتحدة الدعم الأكراد في سوريا والعراق وإيران، لدرجة أن هؤلاء لعبوا دوراً محورياً في هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ناهيك عن تكفّلهم بسجن نحو ١١ ألف مقاتل من مقاتلي التنظيم.
إلا أن تركيا – حليفة الولايات المتحدة – تعتبر الأكراد المسلحين في سوريا امتداداً لحزب العمال الكردستاني المتمرد، وهو الحزب الذي يناضل لتأمين الاستقلال الكردي في تركيا منذ الثمانينات القرن الماضي.
وشهد شهر مايو من عام ٢٠١٨ مقتل ما يزيد عن 250 شخصاً عندما قصفت تركيا مدينة عفرين السورية ذات الأغلبية الكردية، وهي المدينة التي تعتبرها القوات المسلحة التركية “ممراً إرهابياً”.
مناصرو المرأة في حزب العمال الكردستاني
قد يكون حزب العمال الكردستاني الماركسي اللينيني، الذي تأسس في عام 1978، عدواً للدولة التركية، إلا أنه في الوقت نفسه من أكثر الحركات المناصرة للمرأة في منطقة الشرق الأوسط.
وعقد الحزب مؤتمره الأول لحقوق المرأة في عام 1987. وشهد المؤتمر تقدّم سكينة جانسز، وهي من المؤسسين المشاركين لحزب العمال الكردستاني وتم اغتيالها في عام ٢٠١٣، باقتراحٍ يسعى إلى تضمين مساعي تحرير المرأة في خطاب “تحرير الجميع”.
واليوم، باتت الأجندة السياسية للحزب تقرّ صراحةً بالأقليات الدينية والمعارضين والنساء باعتبارهم جوهر الديمقراطية.
وتتمتّع النساء بالحقوق القانونية نفسها التي يتمتع بها الرجال في المناطق الكردية ذاتية الحكم في العراق وسوريا. وتجدر الإشارة إلى أن نسبة تمثيل النساء في الحكومة الإقليمية الكردية أعلى من المملكة المتحدة بواقع 30% مقابل 20%.
كما يشترط ميثاق اتحاد كردستان السوري شبه المستقل، الذي تأسس في عام 2012، أن تشغل النساء ما لا يقل عن ٤٠٪ من جميع المناصب الحكومية. ويجب أن يكون لكل مؤسسة كردية سورية عامة رئيسان، رجل وامرأة.
كما تشكّل النساء ٣٠٪ من مجموع المقاتلين الأكراد المنتشرين في عموم منطقة الشرق الأوسط. ويجري تشغيل ما يزيد عن 25 ألف امرأة كردية في سوريا ضمن وحدات الحماية المخصصة لحماية المرأة، وهي ميليشيا نسائية بالكامل ومستوحاة من أيديولوجية التحرير النسوية الخاصة بحزب العمال الكردستاني.
في المقابل، لا تحظى النساء اللواتي يقمن بتأدية الخدمة العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية بما يزيد عن ١٤٪ من إجمالي كوادر الجيش الأمريكي.
وشهد عام ٢٠١٤ إنقاذ القوات الكردية النسائية لآلاف الأيزيديين ممّن عانوا من الحصار الذي فرضه عليهم تنظيم “الدولة الإسلامية” في جبل سنجار بالعراق، علماً بأنّ هذه القوات ساهمت في تحرير مدينة الرقّة من براثن التنظيم في عام ٢٠١٧.
المساواة على ساحات القتال فقط
على الرغم من الحرية النسبية التي تتمتّع بها النساء في كردستان مقارنة بالمناطق الأخرى الموجودة في الشرق الأوسط، فإن المجتمع الكردي لا يساوي بصورةٍ كاملة بين الجنسين.
ففي عام 2014، لم تزد حصّة النساء عن ١٢ قاضية من أصل ٢٥٠ قاضياً في كردستان العراق، ناهيك عن عدم تواجد سوى وزيرة واحدة في حكومة الإقليم من أصل ٢١ وزيراً. كما أن تشويه أعضاء الإناث التناسلية وزواج الأطفال وجرائم الشرف – التي يقوم فيها الذكور من الأسرة بقتل النساء اللائي يُزعم جلبهن العار لأسرهن – ما تزال قائمة، لا سيما في المناطق الريفية في كردستان.
ويرى الكاتب من خلال تجربته أن النقاشات النسوية كالمساواة في الأجور، وحملة #MeToo لم تُطرح للنقاش حتى الآن في كردستان.
ومن الناحية التاريخية، لا بد من الإشارة إلى أن العديد من القائدات الكرديات المشهورات نجحن فقط لأن تمكينهن لم يشكّل تحدياً للمؤسسة الذكورية.
وعلى سبيل المثال، فقد أنقذت السيدة عديلة خانم، حاكمة منطقة حلبجة الكردية، أرواح كثيرٍ من ضبّاط الجيش البريطاني في ساحة المعركة خلال الحرب العالمية الأولى، ولهذا أُطلق عليها لقب “أميرة الشجعان”.
إلا أن السيدة عديلة وصلت في الأصل إلى السلطة لأنها ورثت المنصب بعد وفاة زوجها. كما أنها لم تطبق أي أجندة مناصرة لحقوق المرأة أثناء حكمها لحلبجة بين عامي 1909 و1924.
مخاض الحرية العسير
غالباً ما كانت تُعاقب النساء الكرديات اللواتي كان يُنظر إليهن بصفتهن تهديداً لسلطة الرجال، وأحياناً كنّ يُقتلن.
وحدث هذا الأمر لأول امرأة قاتلت في الجيش الكردي. إذ سرعان ما تخطت مارغريت جورج مالك جميع الرتب العسكرية من الذكور في الستينيات حتى قادت القوات في الحرب الكردية من أجل الاستقلال عن العراق.
إلا أنها قُتلت في عام ١٩٦٩ في ظروفٍ غامضة. ويعتقد بعض المؤرخين أن مالك قُتلت على يد عشيقها لأنها رفضت عرضه للزواج. بينما يقول آخرون إنها تعرضت للاغتيال على أيدي القيادة الكردية التي كانت تخشى نفوذها المتزايد.
وفي الحالتين، فإن جريمة قتل مالك تكشف النقاب عن المعارك التي ما زالت المرأة الكردية تخوضها حتى يومنا هذا.
وإنه لمن الأهمية بمكان معرفة أن كلمة “jin” الكردية التي تعني “امرأة” تشترك في الجذر اللغوي مع كلمة “jiyan” التي تعني “الحياة”. وكلتا الكلمتين يرتبط بكلمة “jan” التي تعني “آلام المخاض”.
ويختم خرزي مقالته بالتالي: “تقاتل نساء كردستان من أجل حياتهن وحريتهن في منطقةٍ تحيط بها التهديدات من كلّ حدبٍ وصوب، ابتداءً بهجمات تركيا، ومروراً بإرهاب تنظيم الدولة الإسلامية ووصولاً إلى السلطة الأبوية الموجودة في الوطن. وبطبيعة الحال، فإن التكلفة مخاضٌ صعب وخطير”.
“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.