وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

منح الشباب اللبناني الأمل والغاية لمنع التطرف

Lebanon- Lebanese army
جنود الجيش اللبناني على تلة أخذوها مؤخرًا من جماعة الدولة الإسلامية (داعش) على الحدود السورية اللبنانية في 28 آب 2017. Photo AFP

لا يعتبر التطرف بين جيل الشباب من المدنيين في لبنان ظاهرةً غير مألوفة، إذ يتدخل الجيش بانتظام ضد الجماعات المتطرفة. ففي أكتوبر 2014، اندلعت معارك بين قوات الجيش اللبناني والجهاديين في طرابلس، شمال لبنان. وفي الآونة الأخيرة، وبالتحديد في أغسطس 2017، أخرج الجيش مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من البلاد، ليستعيد السيطرة على مواقع لمقاتلي التنظيم على بُعد 10 كيلومتراتٍ فقط من الحدود السورية. ومع ذلك، لا يزال يتواجد بعض مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان، فضلاً عن العديد من الشباب اللبنانيين الذين يشكلون جزءاً من الجماعات المتطرفة. ولربما يتعرض العديد منهم أيضاً لإغراء الإنضام لها. ولمنع توجه المزيد من الشباب نحو التطرف والإنضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، تحاول بعض الجمعيات إعادة أولئك المعرضين للخطر إلى المسار الصحيح.

وبحسب مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية ومقره أنقرة، يرجع التطرف بشكلٍ أساسي في لبنان إلى وجود اللاجئين السوريين. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، اعتباراً من أبريل 2018، يعيش 986,942 لاجىء سوري مسجل في لبنان. وبحسب الدكتور فرحات بيرينشي، وهو أستاذ مشارك في جامعة أولوداغ، “إذا ما افترضنا أن 10% من السوريين المقيمين في لبنان أصبحوا متطرفين، فهذا يعني 100 ألف شخص. وهذا الرقم يتجاوز الجيش اللبناني وحزب الله. وهم [أي المتطرفين السوريين] يعرفون كيف يقاتلون أو ليس لديهم ما يخسرونه.”

ولكن من المستحيل اختزال قضية التطرف باللاجئين السوريين. ففي عام 2014، نشر رافاييل لوفيفر، وهو باحثٌ غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، مقالاً حول تطرف اللبنانيين السُنّة. ففي خضم دراسته لجذور التطرف السُنّي، كتب: “في عام 2013، افتتح تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة فروعاً لبنانية لهم، التي كانت مسؤولة منذ ذلك الحين عن سلسلة من الهجمات الإرهابية في العاصمة بيروت وكذلك في البقاع. وقد ناشدت الجماعتان انضمام المزيد من اللبنانيين السُنّة، الذين ذهب بعضهم للقتال في صفوفهما في سوريا والعراق، وعادوا لشن هجماتٍ في لبنان.” وفي حين تركز العديد من المقالات الأكاديمية المتعلقة بالتطرف والمتاحة على شبكة الإنترنت على المسلمين السُنة، إلا أنه بالكاد يوجد أي ذكرٍ للمسيحيين أو المسلمين الشيعة، باستثناء ذكر وجود العلويين في طرابلس.

وبعيداً عن الاستنتاج بأن التطرف في لبنان ظاهرةٌ مستوردة من الدول المجاورة، أثبت لوفيفر إن “جذور تطرف السُنة محلية وعميقة، مما يجعل من غير المحتمل أن يحدّ الحل العسكري وحده من جاذبية الإنضمام إلى الجماعات المتطرفة.” ومن بين أسباب التطرف، أشار إلى استياء السُنة من حزب الله الشيعي وتدخله في سوريا، وتهميش غالبية المواطنين السُنة في لبنان، وضعف القيادة الدينية السُنية، إلى جانب “النظر إلى قضية اللاجئين من خلال عدسة الأمن القومي،” مما يؤدي إلى ارتباكٍ تجاه اللاجئين والنظر إليهم باعتبارهم يشكلون تهديداً أمنياً.

ولمنع هذا الوضع الخطير من التدهور خلص لوفيفر إلى أنه: “على المدى المتوسط والبعيد، سيتطلب التصدي لنمو التطرف في لبنان تحسين وضع البنية التحتية العامة والاقتصاد في المناطق المهمشة مثل وادي البقاع وشمال لبنان، حيث يعيش غالبية السكان السُنة في البلاد، وكذلك بدء عملية اللامركزية الإدارية من أجل تمكين المجتمعات المحلية.”

بيد أنه إلى الآن، تمثل رد الفعل الرسمي باللجوء إلى الحلول العسكرية فحسب، حيث تم شن العديد من حملات الاعتقال والهجمات ضد الجهاديين في المدن والمناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة.

وعلى أرض الواقع، تُقدم الجماعات والمنظمات المدنية بدائل لنهج السلطات اللبنانية: ففي المجتمعات الصغيرة أو مناطق محددة، يستهدفون الشباب الذين انضموا بالفعل وحاربوا مع جماعةٍ متطرفة ما، بالإضافة إلى أولئك الذين قد يميلون إلى القيام بذلك. فالأمر لا يتعلق بحد ذاته بعمليةٍ لتجفيف منابع التطرف، إلا أنها عمليات بناء للسلام والوقاية في مجتمعاتٍ محددة. ومن جهتها، تعمل جمعية عمل تنموي بلا حدود/ نبع غير الحكومية، التي تصف مهمتها بـ” العمل على تمكين المجتمعات المحلية من تبني ومناصرة حقوق الطفل وبذلك يستطيع الاطفال والشباب ان يلعبوا دوراً فعالاً وصحياً داخل مجتمعاتهم،” مع الشباب المهمش في مدينة صيدا الجنوبية. أما في الشمال، فتركز منظمة الفريق اللبناني لتحويل النزاعات (Peace Labs) غير الحكومية على المجتمعات الفقيرة.

ومن الأمثلة الأكثر شهرة لمبادرة ناجحة لمنع التطرف في لبنان هو مشروعٌ من قبل جمعية غير الحكومية تُعرف باسم مارش (MARCH) في طرابلس. بدأت المنظمة عملها في عام 2014 وجمعت الشباب من منطقتين متنافستين: الأقلية العلوية من منطقة جبل محسن والجالية السُنية في باب التبانة. وتعرف المجموعتان، اللتان تعيشان في أحياء فقيرة من المدينة يفصلهما شارع سوريا، بمواجهتهما المتفرقة والمعارك المسلحة في شوارع طرابلس.

وقالت ليا بارودي، المؤسسة المشاركة في جمعية مارش، لنا في فَنَك: “كل ما سمعناه عن طرابلس في ذلك الوقت كانت أخبار العنف، والتطرف، والفقر، وبخاصة معارك فكرية محددة.” وأضافت “ساورتنا أنا وفريقي بعض الشكوك حول أسباب انضمام الشباب اللبناني إلى المعارك، لذا ذهبنا إلى هناك لتجنيد 16 شاباً من الحيين لعملٍ مسرحي. كان من الصعب جداً إقناع الناس بمساعدتنا ولكن في النهاية، أتى حوالي 200 طفل بدافع الفضول. قمنا باختيار 16 شاباً، وبالطبع، كان الأمر صعباً جداً في البداية. تخلّف بعضهم عن العمل تماماً، في حين كان يأتي البعض الآخر وهم يحملون الأسلحة. ومع مرور الوقت، بدأوا يتحدثون مع بعضهم البعض، وأنشأوا صداقاتٍ بينهم، بينما كانوا يقاتلون بعضهم البعض من قبل!”

وقالت بارودي أن هذه الصداقات باتت أكثر قوة بعد تجولهم في أرجاء لبنان لعرض مسرحيتهم، التي ألفها وأخرجها الناشط المدني والفنان لوسيان بو رجيلي. وأضافت: “على خشبة المسرح، كان لهم صوت، وكان يتم الإنصات لهم، والإشادة بهم، وأدركوا أن لهم قيمة.” وتابعت القول، “أدركنا أن هؤلاء الشباب أصبحوا متطرفين لأنهم لم يشعروا بوجودهم على الإطلاق. وبطبيعة الحال، يلعب الفقر دوراً، إلا أن الأهم من ذلك هو الافتقار إلى الهوية، والقيمة، والأمل بالمستقبل. تمنحهم الجماعات المتطرفة كل هذا.”

وبعد المسرحية، قررت المجموعة المسرحية إطلاق مقهى ثقافي، باسم قهوتنا: أيد بأيد، على خطوط التماس بين الحيين، في شارع سوريا، “حدود” المنطقتين المتنافستين. يقومون بإدارة المقهى بأنفسهم وينظمون الحفلات الموسيقية، وورش العمل والدروس. ويعتبر مكاناً آمناً حيث يمكنهم الإلتقاء والتعبير عن أنفسهم. كما أن أحد الأسباب الأخرى للتطرف بين الشباب التي لاحظتها بارودي هو شعورهم بالعجز: عدم القدرة على تغيير الأشياء من حولهم. لذا، قرّرت مارش توظيف وتدريب شباب وشابات من الأحياء لإصلاح المتاجر التي تضررت سابقاً في المعارك.

وقالت بارودي لفَنَك، “سُجن بعضهم، وقاتل البعض الآخر في لبنان وأماكن أخرى، لذا يحتاج الأمر بعض الوقت وذلك اعتماداً على الوضع لمساعدة شخص ما حقاً.” وأضافت “إلا أن الأمر ليس بهذه الصعوبة أيضاً. الشيء الأكثر رعباً هو إدراك أنه من السهل غسل أدمغتهم وتجنيدهم. ولكن التطرف قابلٌ للعكس، لأن معظم هؤلاء الأطفال غير مقتنعين فكرياً. نحن [المنظمات غير الحكومية]، باعتبارنا منظماتٍ صغيرة، نفعل ما بوسعنا، إلا أننا نريد من الحكومة العمل بشكلٍ صحيح وتوفير فرص عمل لهم.”

ووفقاً لبارودي، فإن أفضل طريقة للمساعدة على منع الشاب من التحول إلى العنف والتطرف تبدو بسيطة جداً في النهاية: “يكفي الاستماع لهم، والتصرف وفقاً لذلك.” وهي خطوة بسيطة يبدو أن الحكومة اللبنانية لم تأخذها بعين الاعتبار حتى الآن، على الرغم من التهديد المستمر الذي يشكلونه على إستقرار البلاد.