وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لبنان والتقارب السّعودي الإيراني: هل من تغيير مرتقب؟

يعتقد الخبراء أن التقارب السعودي الإيراني يمكن أن يمهد الطريق للمصالحة السياسية في لبنان، لكنهم أشاروا أيضًا إلى أن الاتفاق الدبلوماسي المباشر لن يكون كافيًا لمعالجة القضايا الأساسية للبلاد.

لبنان والتقارب السّعودي الإيراني
أعلام السعودية وإيران. جو كلامار، أوزان كوس / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

بعد مفاجأة اتفاقية تطبيع العلاقات التي وقّعت عليها كل من السعودية وإيران في 10 مارس الجاري، بقيت أمام الطرفين مهلة شهرين لإظهار التزامهما بالاتفاق وإثبات صدق مسعاهما إلى المصالحة.

قد يفكّر البلدان في طريقة تضع حدًا لسنوات من العداء قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية رسميًا. وليس هذا بالأمر الهين لما يترتب عليه من تبعات بعيدة المدى، لا سيما على دول عربية كالعراق وسوريا واليمن ولبنان التي عانت تداعيات العداوة بحروب الوكالة.

وقد تكون هذه المصالحة خيارًا ناجعًا لكلا البلدين بالنظر إلى عزلة إيران المتزايدة، وكذلك تركيز السعودية على الدبلوماسية والنمو الاقتصادي بدل الصراع. ومع ذلك، قال خبراء ومراقبون إن أثر المصالحة على المستوى الإقليمي -لا سيما في منطقة الشام- قد لا يظهر على الفور.

ويرى محللون أن تقليص التوتر بين الرياض وطهران قد يفسح المجال لمصالحة سياسية في لبنان المأزوم. وذلك لأن المشهد السياسي اللبناني قد تشكّل بفعل التنافس الدائم بين الساسة السنّة المدعومين من السعودية وحزب الله الشيعي المدعوم من إيران.

ومع ذلك، قال مراقبون سنّة وشيعة إنهم يرفضون التعلق بأمل خيالي في إصلاح سريع في خضم الظروف الاقتصادية القاسية ومقعد الرئاسة الشاغر. كما يرى خبراء أن الاتفاقية الدبلوماسية لن تكون كافية لإصلاح مشكلات لبنان الهيكلية.

الصراع السّعودي الإيراني في لبنان

رغم الروابط القوية تاريخيًا بين السّعودية والمسلمين السنّة في لبنان، ممثلين برئيس الوزراء، وفي ظل نظام المحاصصة الطائفية اللبناني، لم تحظ محاولاتها، لتكوين ذراع سياسية قوية في البلاد، بالنجاح نفسه الذي حققه تحالف حزب الله وإيران الراسخ.

وأحد أسباب ذلك اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وقد كان حليفًا للمملكة وذراعًا نافذة لسطوتها في لبنان.

وقد بذلت السعودية بعد اغتيال الحريري محاولات عديدة لفرض نفوذها من جديد، وتصدّرتها الاستراتيجيات الحازمة والصارمة لولي العهد محمد بن سلمان. لكنها لم تمنع تقدّم حزب الله في الانتخابات بسبب نهجها المفكك وعجز حلفائها. فلم تستعمل المملكة وسائل مناسبة للوقوف أمام حزب الله وأُجبرت على مشاهدة سطوته على الحكومات المتعاقبة.

وقد دعت السعودية رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري عام 2017 لإعلان استقالته على التلفاز من الرياض بسبب هيمنة حزب الله، وكان هذا أقصى ما فعلته حتى الآن. لكن الأنباء أفادت أنه استُدعي إلى الرياض رغمًا عن إرادته واحتُجز هناك قسرًا.

ورغم تراجع الحريري عن استقالته فور عودته إلى لبنان، فقد فشل في تشكيل الحكومة عام 2021 وفضّل اعتزال العمل السياسي كله، تاركًا المجتمع السنّي دون قيادة، فضلًا عن التمثيل الرسمي القوي الذي وفّره تحالف الحريري مع السعودية.

وفي أكتوبر 2022، تفاقمت العلاقات المتوترة بين السعودية ولبنان بسبب إذاعة تصريحات لجورج قرداحي، وزير الإعلام وقتئذ. وقد انضم مقدّم برنامج المسابقات الشهير “من سيربح المليون؟” إلى الحكومة قبل شهر واحد من تصريحاته التي اعتبر فيها حرب التحالف السعودي في اليمن “عبثية”، ورأى أن الحوثيين المدعومين من إيران “يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي”.

وبسبب هذه التصريحات، اتهم زعيم حزب الله، حسن نصر الله، السعودية “بالإرهاب” ومحاولة إشعال حرب أهلية في لبنان.

على الجانب الآخر، استعملت إيران مجموعة متنوعة من أدوات القوة الناعمة لفرض هيمنتها على لبنان باستخدام استراتيجية متعددة الجوانب. فقد وجّهت المساعي الثقافية والتعليمية والإعلامية والمعلوماتية إلى جانب الأنشطة الدينية والإنسانية لزيادة نفوذها الأيديولوجي والسياسي في لبنان، لا سيما بين الشيعة.

وبحسب معهد الشرق الأوسط، هدفت تلك الخطوات بلا شك إلى تعزيز نفوذ حزب الله في لبنان ودعم العلاقات الإيرانية اللبنانية، وفي الوقت نفسه تأجيج العداء تجاه القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وحلفائها كالسعودية.

ماذا يحدث الآن في لبنان؟

تعتبر الانتخابات الرئاسية اليوم نقطة الخلاف الرئيسة بين السعودية وإيران. فقبل الاتفاق الأخير، أكّد حزب الله دعمه سليمان فرنجية المسيحي الماروني وحليف سوريا لمنصب الرئاسة، بينما رفضته السعودية بشكل غير رسمي.

وقد أفادت صحيفة الأخبار اللبنانية أن بطريرك الكنيسة المارونية، بشارة بطرس الراعي، قد استقبل وليد البخاري، السفير السُعودي في لبنان، في مقرّ إقامته في بكركي في السابع من آذار الجاري، لكي يسجل اعتراض السعودية على ترشح فرنجية.

وقال مايكل يونغ، المحلل السياسي ومدير التحرير في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، لفنك إن حزب الله ربما يكون قد علم بالاتفاقية قبل توقيعها. ومن ثمّ، فقد منحهم موقفهم من دعم ترشّح سليمان فرنجية ميزة يمكنهم استغلالها على طاولة المفاوضات في ما بعد الاتفاق.

وأوضح يونغ: “إذا كانوا قد علموا بالاتفاقية السّعودية الإيرانية قبل توقيعها، وتوقعوا أن يفرض ذلك عليهم تسويةً في معركة الرئاسة، فمن المفهوم أن يبادروا إلى دعم فرنجية. وبهذه الطريقة، سيدخلون المفاوضات المحتملة وهم يدعمون مرشحًا رئاسيًا بالفعل، وذلك حتى يضمنوا الحصول على مقابل كبير أمام التنازل عن دعمهم له”.

وأضاف يونغ أن المصالحات ما تزال خطوة إيجابية رغم ذلك. لكنه يستبعد أن تؤدي إلى نتائج فورية، إذ “لا يمكن حدوث تحولات كبرى إلا إذا حققت الأطراف كلها مرادها تقريبًا من جبهة منصب الرئاسة”.

ويرى يونغ أن انتخابات الرئاسة ستأتي بصفقة شاملة تتضمن برنامجًا سياسيًا واقتصاديًا يأخذ بالاعتبار آراء الأطراف السياسية كافة.

و الجدير بالذكر أن السعودية كانت من أكبر المستثمرين في البلاد، إذ ساهمت باستثمارات هائلة في قطاع السياحة الفارهة. لكنها قلصت مساعداتها الاقتصادية في السنوات الماضية، وهذا ما لا يتوقع يونغ أن يتغير قريبًا.

وتساءل يونغ: “من يريد الاستثمار في بلد قطاعه المالي منهار؟ لا بد من إصلاح المشكلات الهيكلية التي يواجهها لبنان قبل عودة الاستثمارات الكبيرة”.

وقد وصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في لبنان بأنها إحدى أسوأ الأزمات في التاريخ، وأنها نتيجة لسنوات من الفساد وسوء إدارة السياسيين. وفقدت العملة المحلية أكثر من 99% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وما تزال المصارف تمنع المودعين من سحب ودائعهم بالدولار.

النفوذ السياسي في لبنان

بالحديث عن تحول النفوذ السياسي في لبنان، لا يتوقع يونغ انحسار الدور الإيراني قريبًا. لكنه يرى أن الاتفاق يوفر فرصة كبيرة للوصول إلى تسويات، لكن ذلك لا يعني استعداد حزب الله للتنازل عن هيمنته.

وقال يونغ: “لن يقدّم أي من حزب الله أو إيران أي تنازلات تهدد مصالحهما، حتى إذا وقع الاختيار على مرشح توافقي”.

كما لا يتوقع يونغ حدوث تغير لافت في دور السّعودية في لبنان، وهو الدور الذي انحسر كثيرًا لصالح النفوذ الإيراني في السنوات الأخيرة.

وأوضح: “ترى السعودية المصالحة مع إيران سببًا كافيًا لأخذ مصالحها في لبنان بعين الاعتبار. قد تتصالح الرياض وطهران اليوم في قضايا عدة، وسيكون هذا أحد مظاهر ذلك الاهتمام بمصالح السّعودية في لبنان، ما قد يتمثل في مرشح رئاسي توافقي غير محسوب على أي طرف”.

وأكّد يونغ على أن هذا لا يعني أن الأموال ستتدفق على الفور.

كما أن أثر الفجوة السياسية والاجتماعية الذي خلّفه رحيل سعد الحريري على المجتمع السنّي لا يبدو أنه قد زال حتى الآن.

إذ ترى لارا حرب، 25 عامًا، المؤيدة السابقة لسعد الحريري أن السنّة لن يستفيدوا من الاتفاق ما لم تكن له نتائج اقتصادية واضحة.

وقالت: “على الجبهة السياسية، لا أحسب أن زعيمًا سنيًا جديدًا سيظهر، لكن ربما تصبح المفاوضات على منصب الرئاسة الآن أيسر”.

أما علي خنسو*، 28 عامًا، والمؤيد لحزب الله، فلم تتغير آراؤه في السُعودية بعد الاتفاقية.

بل أكّد أن الخبر أصاب أنصار إيران وحزب الله “بخيبة أمل”.

وقال خنسو لفنك: “أشك في أننا سندعم السعودية دعمًا كاملًا في المستقبل القريب. لكن ربما تكون هذه الخطوة في الاتجاه الصحيح لتخفيف أعباء لبنان السياسية والاقتصادية. وقد تؤدي إلى تقليل العداء في الداخل لحزب الله والتخفيف من شيطنته، إذ هو المُلام دائمًا على ما وصلت إليه البلاد اليوم”.

لكنه أضاف: “سيتبع أنصار حزب الله في النهاية ما يقوله القادة بغض النظر عن تحركات إيران الإقليمية. وحتى يعلن حزب الله تغيّر موقفه من الرياض، سيكون من الصعب إقناع مؤيديه بغير ذلك”.