وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ليبيا: التطبيع مع إسرائيل مقابل السلطة

شكوك التطبيع تطال كافة الأطراف السياسية في ليبيا، سيّما وأنها تسعى عبر استخدام هذه الورقة للبقاء في السلطة أو الوصول إليها.

ليبيا التطبيع مع إسرائيل
صورة تم التقاطها يوم 30 نوفمبر 2022 لعبد الحميد دبيبة، رئيس الحكومة الليبية في طرابلس، وذلك أثناء عقده لمؤتمرٍ صحفي في العاصمة التونسية تونس. المصدر: FETHI BELAID/ AFP.

خالد محمود

تبدو ليبيا، وفقا للعديد من المؤشرات، مرشحةً لتصبح أحدث الدول العربية الَمنضمة إلى نادي تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

ثمة عملية تجري منذ مدة لجس النبض بين تل أبيب وطرابلس برعاية أمريكية. وتأتي هذه العملية كأحد مطالب وليام بيرنز، رئيس المخابرات الأمريكية، الذي زار العاصمة الليبية في يناير 2023.

تلك الزيارة النادرة والاستثنائية مثّلت محورا لسلسلة اتصالات واجتماعات ليبية أمريكية لاحقة. وشملت تلك الاتصالات مسألة تطبيع العلاقات بين حكومة الوحدة الليبية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة وإسرائيل، بوساطة أمريكية.

ورغم هيمنة القلق الأمريكي المستمر حيال التواجد العسكري الروسي في شرق ليبيا، عبر مجموعة فاغنر الروسية العسكرية الخاصة، فإن ملف التطبيع كان حاضرا.

وفيما بدا أنه بمثابة تمهيد لعودة اليهود الليبيين مجددا إلى المشهد السياسي والإعلامي، استغل الدبيبة مؤخرا اجتماعا في العاصمة طرابلس، بحضور بعض وزرائه، للإعلان عن إقامة ما وصفه بـ “مناشط ثقافية وفنية تشمل الطوائف المختلفة دينيا”. وفي هذا الاجتماع، لفت الدبيبة إلى أنه يعتزم جمع كلّ الليبيين المختلفين في الفكر والدين.

وبعد قدومه من الأردن إلى رام الله الفلسطينية، سجل علي العابد، وزير العمل بحكومة الدبيبة، اسمه كأول وزير ليبي يمهّد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر البوابة الفلسطينية.

العابد حرص على التقاط صور في المسجد الأقصى بالقدس مرتديا الزي الليبي. وفي تلك المناسبة، قال إنه شارك، بدعوة من نظيره الفلسطيني الدكتور نصري أبو جيش، في اجتماع الشركاء لدعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية للتشغيل.

والتقى العابد مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله. واستغل هذا الأخير الفرصة للإشارة إلى أهمية مثل هذه الزيارات، مشدداً على أنها “تسهم في دعم صمود شعبنا وتعزيز علاقاته مع أشقائه العرب”. وأكد على عمق العلاقات الأخوية التي تربط الشعبين الشقيقين الفلسطيني والليبي.

أشقاء وليسوا سجناء!!

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية دافع عن زيارة لوزير العمل في حكومة الدبيبة. وأثناء استقباله للعابد في مكتبه برام الله، قال اشتية إن زيارة أشقائنا العرب لما وصفه بـ”فلسطين السجينة” لا تعني التطبيع مع الاحتلال. واعتبر أن “زيارة فلسطين وخاصة القدس كزيارة الأسير في السجن لحين التحرر من الاحتلال الإسرائيلي”.

وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني أهمية هذه الزيارة الرسمية الأولى على مدار التاريخ لوزير ليبي لفلسطين. وشدّد على أهمية خلق فرص عمل للكفاءات الفلسطينية في ليبيا.

يأتي ذلك في الوقت الذي بحث فيه العابد مع نظيره الفلسطيني سبل وآليات التعاون المشترك بين البلدين في مجال قطاع العمل. وشمل التباحث اتفاقية وقعها الجانبان عام 2022 بهدف توفير عشرة آلاف فرصة عمل للفلسطينيين في ليبيا.

موافقة إسرائيلية

لا تقيم ليبيا علاقات مع إسرائيل. بيد أن دخول مسؤولٍ ليبي إلى الأراضي الفلسطينية يقتضي التواصل مع الحكومة الإسرائيلية لتنسيق عملية الدخول، سيّما وأنّ إسرائيل تسيطر على المعابر والمنافذ التي تربط فلسطين بالخارج. ومع ذلك، فقد نفت السلطات الفلسطينية دخول العابد الأراضي الفلسطينية بموافقة الحكومة الإسرائيلية.

وقالت السفارة الفلسطينية في ليبيا، في بيان، إن دخول العابد إلى الأراضي الفلسطينية تمّ عبر معبر الكرامة الفلسطيني والذي يربط الأراضي الفلسطينية مع المملكة الأردنية الهاشمية. وأكدت السفارة أن الوفد الليبي تم استقباله فلسطينياً بشكل رسمي داخل المعبر.

وأضاف البيان إن الزيارة بالكامل تم تنسيقها وترتيبها مع السفارة، مشدداً على أن كافة الإجراءات كانت فلسطينية بحتة ولا علاقة لسلطات الاحتلال بهذه الزيارة لا من قريب ولا من بعيد.

في المقابل، جادلت وسائل إعلام ليبية محلية بأن الزيارة تمت بموافقة إسرائيلية. وأدرجت تلك النوافذ الإعلامية الزيارة في إطار ما وصفته بـ “استمرار تواصل حكومة الدبيبة مع إسرائيل”.

وقالت المنافذ الإعلامية إن الوزير الليبي حصل على تأشيرة الدخول من الجهات الأمنية الإسرائيلية لزيارة رام الله. كما تحدثت عمّا وصفته بالتنسيق بينه ونجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة، مع الجهات الإسرائيلية لتأمين عملية دخول وفد الدبيبة.

تطبيع ورقص

اتهامات التطبيع مع إسرائيل جاءت من أطرافٍ متعددة. وعلى سبيل المثال كتب المستشار القانون الليبي عبدالسلام غنيم على تويتر: “أيها الوزير الكذّاب، لا أحد يدخل الأراضي الفلسطينية إلّا بإذن وموافقة العدو. حتى عباس لا يدخل أو يخرج من رام الله إلّا بإذن الشاويش الإسرائيلي”.

من جانبه، تساءل الباحث الفلسطيني إبراهيم حمامي عمّا إذا كانت هذه الزيارة الحنجلة التي تسبق الرقص على طريق التطبيع. ولفت حمّامي إلى أنّ مثل هذه الزيارات يتم فقط بموافقة والتنسيق مع وعبر الاحتلال.

وكان محمد الرعيض، رئيس اتحاد الغرف التجارية الليبية، قد أعلن مؤخرا دخوله على رأس وفد من رجال الأعمال الليبيين إلى الضفة الغربية مرورا بمعبر الملك حسين الأردني. وأكد الرعيض أن دخول الوفد جاء بعد تسهيلات أجرتها السلطة الفلسطينية.

ويحصل الزائرون العرب للسلطة الفلسطينية على تأشيرة دخول تمنحها السفارات الإسرائيلية الموجودة في مصر والأردن، أو عبر تصريح تأمنه السلطة الفلسطينية من إسرائيل وتمنحه لضيوفها.

شهادة مضروبة

اختيار العابد لمهمة التطبيع بين حكومة الدبيبة وإسرائيل لم يأت من فراغ. فهو متهمٌ بتزوير أوراقه الجامعية. وتوحي زيارة العابد بأنها جاءت مقابل استمراره في ممارسة عمله وتولي منصب الرسمي والحكومي.

وأثبتت كلية العلوم التقنية في سبها تزوير العابد لشهادته الجامعية. وقالت، في المقابل، إنه حاصلٌ على دبلوم متوسط صناعات نفطية من المركز النوعي الزاوية، ولا يملك شهادة جامعية.

المدهش هنا هو امتناع كلّ الأطراف السياسية المختلفة سياسيا مع حكومة الدبيبة عن استغلال انفتاحها على إسرائيل، لتوجيه المزيد من الانتقادات إلى هذه الحكومة ضمن المناكفات السياسية المعتادة.

وباستثناء بيان الإدانة الصادر عن مجلس الدولة بقيادة خالد المشري، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين الليبية، فقد امتنع الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر ومجلس النواب، وحكومة الاستقرار الموازية برئاسة فتحي باشاغا عن انتقاد هذه الخطوة.

في بيانه، شدّد مجلس الدولة على أن زيارة المسؤولين الليبيين إلى الضفة الغربية يتطلب إذناً وموافقةً من السلطات الإسرائيلية.

وبعدما أعرب عن خشيته أن تكون هذه الزيارات جسًّا لنبض الشعب الليبي، وتمهيداً “لمراحل أخرى من التعامل مع الكيان الصهيوني”، طالب مجلس الدولة بموقف حازم تجاه ما وصفه بـ “الأفعال المشينة”.

لا تفسير إذن لتمنّع بقية الأطراف السياسية عن انتقاد تحرك حكومة الدبيبة سوى أنها متورطة بدرجة أو بأخرى في عملية التطبيع، أو أنها على الأقل مشاركة فيها بشكل ما. وكما هو معلوم، فإنّ شكوك التطبيع تطال كافة الأطراف السياسية في ليبيا، سيّما وأنها تسعى عبر استخدام هذه الورقة للبقاء في السلطة أو الوصول إليها.

وعلى سبيل المثال، فقد التزم المشير حفتر ونجله صدام الصمت حيال تقارير إسرائيلية تحدثت عن زيارات سرية إلى إسرائيل. وقال أنصار حفتر إن مصدر هذه الاتهامات جهاتٌ إسلامية ليبية متطرفة تستهدف التشويش وتشويه السمعة السياسية.

الشائعات طالت أيضا سيف الاسلام، النجل الثاني للعقيد الراحل معمر القذافي. ورجحت هذه الشائعات استعانته وحفتر بشركة إعلانات إسرائيلية لتولَّي حملتيْهما الانتخابيَّتيْن من أجل الرئاسة.

وشملت قائمة المشكوك فيهم عارف النايض، سفير ليبيا السابق في الإمارات ورئيس تكتل إحياء ليبيا وأحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية. وجادل النايض في السابق بأن مسألة التطبيع مع إسرائيل متروكة للبرلمان الليبي الذي سينتخب، من دون أن يعلن رفضه للتطبيع.

وكان عبد الحميد الدبيبة نفى في عام 2022 ما وصفه بـ “شائعات” عن لقائه مسؤولين إسرائيليين في الأردن. وفي هذا السياق، قال الدبيبة: “ذلك لم يحدث ولن يحدث في المستقبل وموقفنا ثابت وواضح من القضية الفلسطينية”.

غزل ودعم

رجحت تقارير اجتماع الدبيبة سرّاً مع رئيس جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) في العاصمة الأردنية عمّان. وبحسب هذه التقارير، فإن الدبيبة طلب من إسرائيل الدعم للبقاء في منصبه خلال الفترة الانتقالية قبيل الانتخابات.

كما تم كشف النقاب عن سعي الدبيبة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عبر الإمارات. وتقول تقارير إن الدبيبة شكّل فريقًا خاصًا للتنسيق مع إسرائيل، بقيادة صهره سالم الشيباني، السفير الليبي في أبوظبي، الذي يحمل الجنسية الكندية.

وأكدت مصادر اجتماع الشيباني بممثلي الموساد الإسرائيلي في أبوظبي بحضور شخصيات إماراتية، لطلب الدعم الأمريكي لحكومة الدبيبة للبقاء في السلطة، مقابل تطبيع العلاقات مع تل أبيب والتنسيق إقليميا.

ووفقا لموقع إسرائيل اليوم، يبدو أن ليبيا هي الدولة العربية التالية التي ستنضم إلى اتفاقات إبراهيم، على اعتبار أن أولئك الذين يسعون لتولي الرئاسة هناك، يعرفون أن عملية إعادة تأهيل البلاد يمكن تسريعها بشكل كبير من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

في المقابل، يرفض 96% من الليبيين التطبيع والاعتراف بإسرائيل بحسب استطلاع أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة. وحلّت ليبيا في المرتبة الثانية بين 14 دولة شملها الاستطلاع على مستوى معارضة التطبيع.

وتصر إسرائيل على أن تضم أي حكومة “صديقة” في ليبيا إلى دائرة اتفاقيات التطبيع. وفي هذا السياق، يعتقد رافائيل لوزون، رئيس اتحاد يهود ليبيا، بإمكانية انضمام ليبيا إلى “اتفاقيات إبراهيم” والتطبيع مع إسرائيل، شريطة أن يرتب الليبيون أولا أمورهم الداخلية.

وحتى قبل سقوط نظام القذافي، أبدت إسرائيل على الدوام اهتماما بالتطورات الجارية في ليبيا، علما بأن إسرائيل عارضت علانية تعيين سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا.

وناقشت حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج الاستعانة بيهود ليبيين من أجل تحديث عملها. واقترحت تلك الحكومة تعيين شخصيات من اليهود الليبيين كمستشارين فيها، وفي المصرف المركزي، وفي وزارتي الاقتصاد والداخلية.

وتحذر إحدى الدراسات من أن إمكانية انفجار الأوضاع الداخلية الليبية في حال تم اتخاذ المسؤولين في الشرق أو الغرب الليبي لأية خطوات نحو التطبيع. واعتبرت هذه الدراسة التطبيع بمثابة تهديد أمني وعسكري لليبيا.

ويراهن آخرون على القاعدة الشعبية العريضة الرافضة لأي نوع من التطبيع مع إسرائيل. ففي الحالة الليبية، حيث تتقلص الحاجة للخارج ماليا واقتصاديا، يمكن تنويع الشركاء لضمان عدم الخضوع للابتزازات الإسرائيلية.