وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الانتفاضة الليبية 2011

الانتفاضة الليبية 2011
مقاتلون ليبيون يحرقون ملصقات للزعيم السابق معمر القذافي والعلم الليبي الأخضر القديم في مدينة سرت في 8 أكتوبر 2011. نجحت قوات النظام الليبي المؤقت في تحقيق هدف استراتيجي ضمن خطتها للسيطرة على سرت، إذ سيطرت على طريق سريع مهّد إلى شن هجوم شامل على قاعدة رئيسية للقوات الموالية للقذافي. AFP PHOTO/AHMAD AL-RUBAYE

المقدمة

بعد الثورة التونسية في أوائل عام 2011 على انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، اندلعت انتفاضة أخرى بمدينة بنغازي في ليبيا. وفي 15 فبراير، اعتقل رجال الأمن فتحي تربل، وهو محام في مجال حقوق الإنسان وقد مثّل عائلات ضحايا مذبحة سجن أبي سليم، وكان بعض الضحايا من عائلته. وقد حدث ذلك بعد أكثر من شهر استمرت فيه المظاهرات في شتى أنحاء إقليم برقة في البيضاء ودرنة وكذلك في بنغازي احتجاجاً على الفساد السياسي والتأخّر في بناء الوحدات السكنية.

وفي نهاية يناير، حاولت الحكومة إخماد تلك الاحتجاجات بإنشاء صندوق للاستثمار والتنمية المحلية بقيمة 20 مليار يورو. كما أفرجت عن عدد من المعتقلين الإسلاميين. وذهب الساعدي القذافي لقمع تلك المظاهرات. ولكن اعتقال تربل أدى إلى تأجيج المظاهرات حتى تحّولت إلى انتفاضة ضد الجماهيرية نفسها، وبدأ المتظاهرون حينها يرفعون علم المملكة الليبية في حقبة ما قبل ثورة الفاتح.

وفي 19 فبراير، شهدت مدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس انتفاضة شعبية، ووقع الأمر نفسه في اليوم التالي بمدينة مصراتة. كما خرجت المظاهرات في قلب طرابلس، لكن سرعان ما قمعها النظام.

وفي 20 فبراير، خرج سيف الإسلام القذافي مرتبكاً ليُلقي خطاباً طويلاً غاب فيه الوجه الإصلاحي الليبرالي وتحوّل إلى دعم الاستبداد والقمع. واستخدمت الحكومة الطائرات لقمع المتظاهرين حتى إن القوات الجوية سحقت المظاهرات التي خرجت في مصراتة يوم 24 فبراير.

وفي سياق يسوده الغموض والارتباك، ظهرت على الساحة بنية سياسية جديدة بموافقة المجتمع الدولي. وفي 26 فبراير، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1970 الذي شمل تجميد أصول عائلة القذافي، ومنع العائلة وبعض المقربين من النظام من السفر، وأحال الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان إلى المحكمة الجنائية الدولية.

المجلس الانتقالي الوطني

وفي اليوم التالي، شكّل المتمردون في بنغازي المجلس الوطني الانتقالي الذي صار يمثل “الوجه السياسي للثورة”. وأعلن المجلس في 5 مارس أنه “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي والدولة الليبية” وعيّن محمود جبريل رئيساً للحكومة الانتقالية التي اختارها المجلس الذي ضمّ أعضاء من جهات محدودة.

ومع تداعي نظام الجماهيرية، بدأت بعض الشخصيات المؤثرة تنشق عنه. ففرّ بعضهم إلى قطر، مثل موسى كوسا رئيس المخابرات. ومنهم كذلك عبد الرحمن شلقم الذي شغل منصب وزير الخارجية من عام 2000 إلى 2009، وكان آنذاك سفيراً لدى الأمم المتحدة في نيويورك، وقد أعلن شقلم انشقاقه عن القذافي في نهاية فبراير، وأبقى المجلس عليه في منصبه.

وقرر القذافي أن يرسل وزير العدل مصطفى عبد الجليل للتفاوض مع المتمردين في بنغازي.

وكان عبد الجليل قد حاول تقديم استقالته في يناير قبل اندلاع الاحتجاجات. وحين وصل إلى بنغازي، انضم إلى الثوار على الفور ثم أصبح لاحقاً أول رئيس للمجلس الوطني الانتقالي.

وأراد القذافي سحق الانتفاضة، فأرسل اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي الذي بدا أنه يدين للنظام بالولاء. وكان العبيدي بين المشاركين في انقلاب 1969، ولكنه لم يصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة. ولكن العبيدي انشق أيضاً وأصبح قائداً لقوات المعارضة الليبية. ولم تعترف به رفضت المليشيات في مصراتة والإسلاميون كذلك بسبب ارتباطه الوثيق بالقذافي. وفي 28 يوليو، عُثر على جثته خارج حدود مدينة بنغازي. ورغم أن قاتله ما زال مجهولاً، تشير بعض التكهنات إلى إحدى الميليشيات الإسلامية المرتبطة بأعضاء مهمين في المجلس الانتقالي الوطني.

وخلف العبيدي في منصبه اللواء خليفة حفتر الذي بقي في المنفى بالولايات المتحدة في الثمانينيات بعد فشله في قيادة القوات الليبية في غزو تشاد. وعمل حفتر في المنفى على التقرب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا المعارضة.

ويمكن القول إن كل القادة العسكريين المهمين وأصحاب الخبرة كانت سمعتهم موصومة إلى حد ما لصلتهم بالقذافي. ولم يكن بين معارضي القذافي من لديهم خبرة في الحكم إلا قلة قليلة، وكان هؤلاء إما في المنفى وإما في سجون القذافي في فترة معينة من حياتهم. وكانت المعضلة المؤسسية ونقص الخبرة ما بين النظام القديم والجديد عاملاً رئيسياً في الانقسامات داخل المجلس الوطني الانتقالي.

غارات الناتو على القذافي

لقد قرر المجتمع الدولي التدخل في ليبيا. ففي 29 مارس، اعترفت الإدارة الأمريكية وعدة حكومات أوروبية وحلفاء من الشرق الأوسط بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره ممثلاً للحكومة الشرعية في ليبيا. وأرسل الناتو طائرات حربية لقصف مواقع عسكرية ليبية وساعد الثوار على رفع الحصار عنهم بحلول منتصف مايو بعد أن أمدهم بشريان حياة بحري يربط بين مالطا ومصراتة.

بدأت قوات المجلس الانتقالي تشن هجوماً على طول الساحل في المرحلة الأخيرة من الحرب، ونجحت في الاستيلاء على مدينة طرابلس في 21 أغسطس. وفرّ القذافي والمقربون منه إلى سرت وأعلنوها عاصمة جديدة لهم. بينما فرّت زوجته وثلاثة من أبنائه إلى الجزائر. وفي 20 أكتوبر، استولت الميليشيات المتحالفة مع المجلس الوطني الانتقالي على مدينة سرت، وأمسك الثوار بالقذافي وقُتل بطريقة وحشية في اليوم ذاته على جانب الطريق بالقرب من سرت.

وفي 23 أكتوبر، أعلن المجلس الوطني الانتقالي انتهاء الحرب الليبية رسمياً وسُميّ ذلك اليوم “عيد التحرير”. وكانت الأمم المتحدة قد اعترفت بالمجلس باعتباره ممثلاً للحكومة الليبية في 16 سبتمبر. وبعد تلك التطورات، استقال محمود جبريل من منصبه كما وعد. ورغم سقوط النظام، بقيت هناك بؤر للمقاومة في بعض المناطق خاصة في مدينة بني وليد.

Advertisement
Fanack Water Palestine