وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الوحدة المغربية بعد دمج الصحراء الكبرى

المسيرة الخضراء في أكتوبر 1975 / Photo HH
المسيرة الخضراء في أكتوبر 1975 / Photo HH

على الرغم من الخسارة في الحرب على الصحراء الغربية، انتهز الملك الحسن الثاني وابنه محمد السادس هذه الفرصة لإعادة بناء شرعيتهما. استخدما لهذه الغاية إعادة إحياء ما قدماه على أنه الوحدة المجزأة للمغرب ما قبل الاستعمار كأساس لإقامة تحالف مع أحزاب سياسية متجددة. حازت المسيرة الخضراء في تشرين الأول/أكتوبر عام 1975 على دعم الأحزاب القومية كافة. ومع أن الجيش المغربي لم يبل في البداية بلاء حسناً في الحرب وتكبد تكاليف كبيرة، إلا أنه حظي بدعم الأحزاب السياسية كافة وحتى اليسارية منها؛ وتم قمع المعرضة بعنف.

ساعد الدعم الغربي والخيار المشترك للأحزاب السياسية السائدة النظام على التغلب على أعمال الشغب العنيفة التي اندلعت في 1980 و 1981 و 1984. وخرجت مظاهرات ضد البطالة وارتفاع الأسعار بسبب ضعف المحاصيل، وقُتل العديد من الناس. لجأت المغرب إلى الاتحاد الأوروبي الذي قام بتقليص القيود المفروضة على التجارة، وإلى صندوق النقد الدولي الذي مدد القروض على تسعة “ترتيبات” بين 1980-1993. وكان الثمن إجراء تعديلات هيكلية زادت من معدل التضخم والبطالة، رغم الزراعة الموجهة للتصدير والسياحة.

رافق الاعتماد الاقتصادي على الدول الرأسمالية اعتماد دبلوماسي. فبعد أن تعرض الجيش لعدد من الهزائم على يد جبهة البوليساريو عام 1980، بدأ ببناء أسوار رملية دفاعية عبر الصحراء (انظر النزاعات الحدودية). كانت العملية ناجحة إلا أنها مكلفة، بمساعدة مالية كبيرة من المملكة العربية السعودية. وكانت السياسة الخارجية تتماشى إلى حد كبير مع الأنظمة الملكية المحافظة في الدول الخليجية. وأدى تحسين العلاقات مع الدول العربية الأخرى، ومن بينها الجزائر، إلى عزل جبهة البوليساريو. وأخيراً، اعتمد الملك سياسة ملتزمة ومعتدلة فيما يتعلق بأزمة الشرق الأوسط، مع زيادة الاتصالات مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى وكبار المفاوضين الفلسطينيين مثل محمود عباس (الذي أصبح لاحقاً كبير المفاوضين في أوسلو). وفي أواخر الثمانينيات، برز الملك الحسن كحليف للولايات المتحدة والدول المحافظة في الخليج العربي.

نتيجة للركود السياسي، بدأ الشعب يلجأ إلى أشكال أخرى من العمل. كان إحداها النشاط الإسلامي الذي تنامى في الثمانينيات، مع تحدّ قوي من “جماعة العدل والإحسان” بزعامة عبد السلام ياسين وابنته ناديا. إلا أن الكثير من المغاربة لم ينجذبوا إلى الإسلاميين، ويعود ذلك جزئياً إلى رفضهم للطرق الصوفية والوجهاء الدينيين المحليين. كما شدد الملك الحسن بشكل أكبر على دوره كأمير للمؤمنين، بما في ذلك بناء ثالث أكبر مسجد في العالم في الدار البيضاء. وشكلت الهوية البربرية مصدراً آخر للقومية، شجع على ذلك معارف المهاجرين المغاربة في أوروبا. وكان الإنعاش الثقافي البربري ظاهرة تقتصر على الطبقة الوسطى.

تعرض النظام لضغوطات لعدم قدرته على التحكم بمصادر المعلومات في البلاد. ومع بداية التسعينيات، فتحت أجهزة الفيديو ومن ثم القنوات الفضائية آفاقاً جديدة في البلاد. وكان هناك ضغوطات متزايدة على الحكومة بشأن حقوق الإنسان من خارج البلاد كما من داخلها. عام 1988، أسس ناشطون مغاربة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في المغرب. لم تكن هذه المنظمة الأولى لحقوق الإنسان في المغرب، إلا أنها اكتسبت قوة كبيرة بفضل الانفتاح المتزايد للمجتمع المغربي فضلاً عن الضغوطات الخارجية. وأصبحت قضية سجن أفراد عائلة أوفقير مسألة دولية عام 1987، وتم إطلاق سراحهم عام 1991 إثر احتجاجات فرنسية.

مع بداية التسعينيات، كان من الواضح أن الهيكلية السياسية بحاجة إلى التغيير. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، خسر المغرب قدراً كبيراً من نفوذه السياسي في نظر واشنطن، رغم استعادته إلى حد ما بعد بداية الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة. ووعد الملك الحسن الموالي للحلفاء الغربيين بتقديم المساعدة لطرد صدام حسين من الكويت، مع أنه لم يرسل إلا قوات رمزية تتألف من 1200 جندي. فخرجت احتجاجات كثيرة في الشوارع بشأن حرب الخليج، تطورت من الإضرابات ضد الرواتب ومعاشات التقاعد والخدمات الاجتماعية. وأدرك الملك الحسن خطر ذلك على نظامه، فاستعد لتسليم ابنه سيدي محمد مملكة ذات نظام واقتصاد سليم. أعيدت صياغة الدستور مرتين – عام 1992 وعام 1996 – مانحاً البرلمان المزيد من الصلاحيات وواعداً بالمزيد من الاحترام لحقوق الإنسان. وبدأ رجال السياسة المنفيون بالعودة إلى البلاد. وأتت خصخصة الشركات الحكومية وتحرير التجارة بمساعدات اقتصادية من الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1995.

أدى هذا الجو الجديد إلى انتخابات عام 1996، التي كانت أكثر إنصافاً من الانتخابات السابقة. عام 1998، قام زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عبد الرحمن اليوسفي، الذي أمضى وقتاً طويلاً في منفاه في فرنسا، بتشكيل حكومة ائتلافية، مع أن وزارة الداخلية بقيت في يد إدريس البصري المرهوب. ومع ذلك، كانت تلك بداية المهمة: عام 1997، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد 1,227 دولار؛ وكان أكثر من نصف الشعب يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم؛ وكان الأميون يشكلون نصف عدد السكان على الأقل؛ و 17% من الشعب عاطلين عن العمل. توفي الملك الحسن عام 1999، تاركاً سياسة التغيير الفعلي لابنه محمد السادس.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles