وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النزاعات الحدودية

اسبتنيا مغرب حدود
الجيوب الاسبانية في المغرب

المقدمة

كافة حدود المغرب البرية متنازع عليها. وتنسب الرواية الوطنية المغربية إلى الاستعمار تجزئة الدولة المغربية، وبالتالي يتعين إعادة توحيدها. وهذا ما يضع القومية المغربية في تضارب مع الأفكار الداعمة للحق في تقرير المصير.

جيوب الساحل الشمالي

اسبانيا المغرب حدود
الجيوب الاسبانية في المغرب

في أواخر القرن الخامس عشر خلال الحرب المسيحية لاستعادة إسبانيا، فتحت الحرب الأهلية وضعف الدولة المغربية الباب للمد الإيبيري. عام 1415، احتلت القوات البرتغالية مدينة سبتة عند مدخل البحر الأبيض المتوسط، ثم احتلت العديد من الحصون على ساحل المحيط الأطلسي: القصر الصغير عام 1458 وأصيلة وطنجة عام 1471. عام 1476، احتل الإسبان سانتا كروز دي لامار بيكينيا قرب أغادير. بعد انتهاء حرب الاستعادة، ركز الإسبان جهودهم في البحر الأبيض المتوسط. فاستولوا على مليلية الواقعة في أقصى الشمال الشرقي عام 1497، وصخرة الحسيمة وجزيرتين صغيرتين مجاورتين لها عام 1559، وجزيرة قميرة في الغرب عام 1564. في الوقت ذاته، عزز البرتغاليون سيطرتهم على كامل ساحل المحيط الأطلسي وتجارته البحرية من خلال احتلال أرغين (في موريتانيا الجديدة، 1499)، وأنفا (الدار البيضاء الحالية، 1458)، وأغادير (1505)، وآصفي (1507)، وأزمّور (1513)، ومازاغان (الجديدة الحالية، 1515).

مع حلول القرن السابع عشر، استعادت القوات المغربية الحصون “الأطلسية” كافة، باستثناء سبتة الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي بقيت في يد البرتغاليين. واحتفظ الإسبان بالجيوب الواقعة على البحر الأبيض المتوسط وقاموا بضم سبتة عام 1580 خلال فترة الوحدة المؤقتة بين التاجين الإسباني والبرتغالي. واليوم سبتة ومليلية مدينتان كبيرتان.

تقع سبتة (عدد السكان: 80,579 نسمة عام 2010) على برزخ ضيق مساحته 18,5 كم2؛ ومساحة مليلية، (عدد السكان: 78,476 نسمة عام 2011) على ساحل شبه جزيرة Guelaya، 12,3 كم2. صخرة الحسيمة (4,6 هكتار) وجزيرة قميرة (أقل من 2 هكتار) قاعدتان عسكريتان صغيرتان، تماماً كجزر إشفارن التي هي عبارة عن مجموعة من ثلاث جزر صغيرة تقع قرب الحدود الجزائرية (مساحتها الإجمالية 52 هكتار) واحتلتها القوات الإسبانية عام 1847.

ومنذ الاستقلال، طالبت الحكومة المغربية باستعادة ضم هذه الجيوب إلى أراضيها. عارض سكان سبتة ومليلية الضم بشدة، مع أن القضية أهملت منذ أواخر السبعينيات بعد فشل القضية المغربية المتعلقة باستعمار الصحراء الإسبانية في محكمة العدل الدولية. ومع ذلك، عام 2002 احتلت القوات المغربية جزيرة ليلى، وهي عبارة عن صخرة غير مأهولة مساحتها 15 هكتار على الجانب “الأطلسي” من مضيق جبل طارق، وتدعي الحكومة الإسبانية أنها جزء من سبتة. قامت الحكومة الإسبانية بنشر قواتها فيها، مما تسبب بأزمة دبلوماسية صاخبة لم تساهم في حل المشكلة.

الحدود الشرقية والجنوبية

في القرن السادس عشر، قام السلطان السعدي أحمد المنصور (1578-1603) بطرد البرتغاليين من الساحل الأطلسي. كما أرسل جيشاً عبر الصحراء للاستيلاء على مناجم الذهب في غاو ومدينة تمبكتو (مالي الحالية). ومع حلول القرن التاسع عشر، كانت الهيمنة المغربية أكثر من مجرد ذكرى: اعترف سكان الصحراء بالسلطان على أنه “أمير المؤمنين”، إلا أنه لم يكن يتمتع بقوة سياسية حقيقية. في شمال إفريقيا ما قبل الاستعمار، كان يحدد السيطرة السياسية التحالف المتفق عليه بين عشائر أو مناطق معينة. وقد تميز ذلك جزئياً من خلال تأسيس نظام “البَيعة”، وهي إقرار رسمي من قبل السكان بأنهم يعترفون بحاكم معين، وبشكل أقل، بدفع الضرائب له؛ وبالتالي تم الاعتراف بوهران على أنها مدينة جزائرية وبوجدة على أنها مغربية.

وقد تتغير التحالفات: بعد الغزو الفرنسي للجزائر عام 1830، أراد سكان مدينة تلمسان مبايعة السلطان المغربي، غير أنه رفض ذلك. أراد السلطان تجنب قتال الجيش الفرنسي، غير أن ذلك حدث على كل حال، وتمكنت القوات الفرنسية من احتلال الأراضي المغربية لفترة وجيزة عام 1844. ثبّتت معاهدة للاّ مغنية (1845) الحدود جنوب البحر الأبيض المتوسط على طول 150 كم تقريباً وحتى فكيك، ومن ثم شملت المجتمعات الداخلية الخاضعة لسيادة المغرب أو الجزائر. وفق البروفيسور كليف باري، أستاذ في القانون الدولي: “فيما يتعلق بالبلاد جنوب القصور (المجتمعات) التابعة للحكومتين، ونظراً إلى نقص المياه، فهي غير مأهولة وصحراء بكل ما للكلمة من معنى، وبالتالي ما من حاجة إلى رسم حدودها”.

مع أن معاهدة للاّ مغنية لم تحدد طول الحدود الجزائرية بالكامل، إلا أن التقسيم الاستعماري الإمبريالي للمغرب كان قد بدأ. واستمر ذلك عام 1860 عندما وجدت الحكومة المغربية نفسها مرغمة، بعد حرب قصيرة وغير حاسمة في تطوان، على الموافقة على معاهدة “رأس الواد” مع إسبانيا. ومن بين تنازلات أخرى، وافق السلطان على توسيع أراضي سبتة وإعادة سانتا كروز دي للمار بيكينيا إلى الحكم الإسباني، مع أن لا أحد كان يعرف أين كانت تقع تماماً. وفي النهاية، تمت تسميتها بـ “سيدي إفني”. ولكن عام 1879 تعرضت البعثة التي أرسلت للمطالبة بالمدينة إلى موجات عنف ومقاومة عسكرية شرسة.

عام 1879، أقام تجار بريطانيون مصنعاً في طرفاية جنوب المغرب، وعام 1887 أنشأ الأسبان معسكراً في فيلا سيسنيروس (الداخلة الحالية) إلى جنوب ما يعرف اليوم بالصحراء الغربية. رداً على ذلك، عيّن السلطان الحسن الأول العلوي حاكماً على الصحراء لتوحيد قبائل الصحراء والحفاظ على بعض السلطة التي كانت له؛ وذاك الحاكم كان الشيخ محمد مصطفى ماء العينين المنحدر من عائلة متدينة مرموقة فيما يعرف اليوم بموريتانيا.

وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر، أرسل السلطان الحسن الأول أيضاً بعثات عسكرية إلى جنوب المغرب لجمع الضرائب واستعادة بعض الحصون نهائياً وطرد الإنكليز من طرفاية والحصول على مبايعة العديد من القبائل. في 1896-1897، قدم السلطان عبد العزيز العلوي مساعدات مالية إلى المركز الديني الكبير الذي أنشأه الشيخ ماء العينين في السمارة. في نفس الوقت، كان الجيش الفرنسي يحتل واحات المنطقة الجنوبية الشرقية، والتي كانت باريس تؤكد على أنها أراضٍ جزائرية. عام 1990، احتلت القوات الفرنسية واحات توات.

في العقد التالي، وُضع حجر الأساس للحكم الفرنسي والإسباني الاستعماري على المغرب. بينما كان الجيش الفرنسي يزحف شمالاً من نهر السنغال، التف العديد من القبائل الموريتانية حول الشيخ ماء العينين كولاء ضعيف التنظيم للسلطان. غير أن المغرب أصبحت مجزأة نتيجة الضغوطات الأوروبية. عام 1909، أطيح بالسلطان عبد العزيز من قبل أخيه عبد الحفيظ، الذي عزله الفرنسيون بعدما فرضت القوات الفرنسية معاهدة الحماية عام 1912.

في أعقاب معاهدة فاس التي وافق بموجبها السلطان عبد الحفيظ على الحماية، انقسم المقر الدبلوماسي القديم في طنجة ليشكل منطقة دولية يحكمها اتحاد من القوى الأوروبية. ولم تنته الترتيبات إلا في كانون الأول/ديسمبر 1923، في قانون طنجة.

كانت الحكومة الفرنسية قد اعترفت بـ “حقوق” مستقبلية لإسبانيا على معظم شمال المغرب ومساحات رملية في أقصى الجنوب. وما إن بدأت الحماية الفرنسية، وافق الفرنسيون على أن يكون لإسبانيا حماية فرعية على مساحة 20,000 كم2 شمال المغرب و 23,000 كم2 حول طرفاية في الجنوب. تم ترسيم تلك الحدود بعناية. وبقيت إفني (غير المحتلة) والساقية الحمراء ووادي الذهب في الصحراء الإسبانية والجيوب الشمالية والجزر الصغيرة مستعمرات إسبانية واستثنيت من معاهدة الحماية.

تم ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر (أو غرب إفريقيا الفرنسية) بعمليات عسكرية ووضع خطوط تماس مؤقتة. تم فرض الاحتلال بالقوة، وتمكنت القوات الإسبانية من احتلال إفني وقاعدة ماء العينين القديمة في السمارة عام 1936 حيث تحركت القوات الفرنسية المنتقلة نحو شمال موريتانيا. في النهاية، خمدت المقاومة المسلحة عام 1936. لكن ذلك كان التقليص الأخير لأراضي المغرب التاريخية، ولم تنبعث ذكريات المغرب العظمى مجدداً سوى أواخر القرن العشرين.

الحدود بعد الاستقلال

عام 1956، استعادت المغرب استقلالها، وأعيد ضم المحمية الفرنسية، وبعد فترة وجيزة المحمية الإسبانية في الشمال، ومنطقة طنجة الدولية في دولة واحدة، إلا أن الجزر الصغيرة والجيوب وإفني وطرفاية، المنطقة الجنوبية من المحمية الإسبانية، بقيت في يد الأسبان.

غير أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة لحزب الاستقلال الوطني. فقد تحدث علال الفاسي، أحد قادة الحزب الرئيسيين، عن “المغرب العظمى”، والتي تشمل موريتانيا وجزءً كبيراً من الجزائر وحتى مالي. ونشرت صحيفة “العلم”، الناطقة بلسان الحزب، خارطة تُظهر تلك الحدود فقط. وأصبحت المغرب مستقلة، ولكن ليس بشكل كامل.

بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962 في ظل حكومة يسارية، استخدمت الحكومة المغربية “الأراضي الضائعة” كحجة لغزو الجزائر. فنشبت حرب قصيرة الأمد انتهت عام 1964، تاركة الحدود الجنوبية مع فكيك غير محددة. ولا يزال هناك نزاع قائم، ولكن غير ناشط، على أراضي “مراعي شيراك” Chirac pastures في جنوب شرق المغرب. عام 1960، عارضت الحكومة المغربية استقلال موريتانيا لفترة قصيرة، غير أن أياً من هذه النزاعات لم يكن بقدر أهمية نزاع الصحراء الغربية.

فور حصول المغرب على الاستقلال، هاجم جيش التحرير غير النظامي مواقع إسبانية في الجنوب. فحاصر سيدي إفني حتى عام 1958، ولكن بعد استعادة طرفاية إلى الحكم المغربي في نيسان/أبريل عام 1958، ركز نشاطه الأساسي على الصحراء الإسبانية حيث احتاج الإسبان إلى مساعدة فرنسية من غرب إفريقيا لهزيمته.

مع أن الأسبان حافظوا على سيطرتهم على الصحراء الغربية، إلا أن حكمهم كان ضعيفاً. فلم يسعوا إلى تطوير الاقتصاد. ومع أنهم كانوا على علم بوجود احتياطات غنية من الفوسفات منذ أواخر الأربعينيات، إلا أن عمليات التصدير لم تبدأ حتى عام 1972. وقد تطلب ذلك أطول حزام ناقل في العالم (62 ميلاً) لنقل الصخور من مناجم بوكراع إلى الساحل.

كما كان هناك مواقع غنية لصيد الأسماك بدأ استغلالها في أوائل الستينيات، إلا أن الأرباح كانت ضئيلة جداً. ولم يأتِ التنقيب عن النفط بنتيجة. بحلول عام 1974، كان هناك 300 ميل فقط من الطرقات المعبدة، وكان سكان العاصمة “العيون” (28,010 نسمة، أكثر من ثلث سكان الصحراء الغربية) يعيشون في مدن واسعة من الأكواخ، وكان 2,700 ولد فقط من أصل حوالي 35,000 في سن التعليم يذهبون إلى المدرسة. كان نصف السكان تقريباً دون سن الخامسة عشرة، وكان معدل الإلمام بالكتابة والقراءة 5% ومعدل البطالة حوالي 60%. عام 1967، أقام الأسبان جمعية إقليمية، “الجمعة”، ضمت قادة عشائر موالين لإسبانيا، لكنها كانت أيضاً تفتقر إلى القوة.

ماذا كان وضع الصحراء الإسبانية؟ هل كانت يوماً ما جزءً من المغرب وانسلخت عنها اليوم، وفي هذه الحالة طالبت الرباط بإعادتها إلى وطنها الأم؟؛ أم جعلها الاستعمار أرضاً منفصلة لها حق تقرير المصير والاستقلال بموجب القرار 1514 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 تمنح السكان المستعمرين هذا الحق؟ باختصار، اصطدم مفهوم السيادة على أساس حق دولة ما بالسيطرة على أراضيها مع فكرة أن تلك السيادة تكون مشروعة فقط بحق تقرير المصير.

في كانون الأول/ديسمبر عام 1966، وبعد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بوجوب “تحرير” إفني والصحراء من “الهيمنة الاستعمارية”، حددت الجمعية أن مدينة إفني هي مغربية وأنه يتعين على السلطات الإسبانية إجراء استفتاء في الصحراء الإسبانية لتحديد إرادة السكان المحليين، مع الأخذ في الاعتبار رغبات “الأطراف المعنية” الأخرى (القرار 2229). وكانت هذه الأطراف الأخرى: الحكومة الجزائرية التي كانت تخشى المد المغربي؛ والرئيس الموريتاني “المختار ولد داداه” الذي تحدث عن “موريتانيا العظمى”، وثقافة مشتركة تشترك بها القبائل المتحدثة باللغة العربية بين نهر السنغال ووادي درعة.

عام 1969، أعادت مدريد إفني ولكنها تجاهلت مسألة الصحراء، على الرغم من بدء ظهور الحس الوطني بين السكان المحليين. عارض بعض القوميين العرب، مثل معمر القذافي في ليبيا وهواري بومدين في الجزائر، المد المغربي، مع أن الجزائر أيدت فكرة “صحراء مستقلة” وقطر دعمت المواقف الموريتانية. حتى أن الملك الحسن الثاني اتخذ موقفاُ وطنياً، متحدثاً عن “التزامه الثابت بمبدأ تقرير المصير” فيما يتعلق بالصحراء. وبالتالي، يمكن الإيفاء بمبادئ الأمم المتحدة والحركة الوطنية المغربية.

عام 1975، استفاد الملك الحسن من الفوضى السياسية في إسبانيا في أعقاب وفاة الجنرال فرانكو لضم جزء من الصحراء الإسبانية إلى المغرب. وتم نقل الباقي إلى موريتانيا، التي غادرت منطقتها عام 1979 بعد مواجهة معارضة قوية من قبل حركة التحرير “البوليساريو”. حينئذ تم ضم القطاع الموريتاني إلى المغرب بالقوة.

Advertisement
Fanack Water Palestine