في ظل الإضطرابات التي تعصف بالشرق الأوسط، يبدو مستقبل عُمان متأرجحاً. فقد تولى حاكم البلاد، السلطان قابوس بن سعيد آل بو سعيدي، مقاليد الحكم إثر إنقلابٍ أبيض على والده في عام 1970، مما مهد الطريق أمام تحوّل البلاد إلى عضو نابض بالحياة ومستقر نسبياً في دول مجلس التعاون الخليجي.
فقبل تولي قابوس للسلطة، كانت عُمان واحدة من أفقر البلدان في العالم، كما كان ما يقرب من 66% من السكان البالغين أميين، ولم تكن هناك سوى ثلاث مدارس. والأسوأ من ذلك هو أن 20% من الأطفال كانوا يتوفون قبل بلوغ سن الخامسة، في حين كان الآخرون محظوظون إن عاشوا بعد سن الخمسين.
واليوم، توجد في السلطنة 1230 مدرسة، كما ازداد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الكبار إلى ما نسبته 94,8%. أما أكثر الأمور مدعاةً للإعجاب فهو ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى 76 عاماً، فضلاً عن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 256 مليون دولار في 1970 إلى أكثر من 80 مليار دولار. وعلى عكس دولٍ أخرى في الشرق الأوسط – حيث تقوم النخب السياسية في كثير من الأحيان بإفراغ الثروة الوطنية إلى جيوبها – تحسنت نوعية الحياة لجميع العمانيين بشكلٍ كبير مع ازدياد ثراء البلاد.
وفي ظل حكم قابوس، حافظت عُمان أيضاً على موقفٍ محايد نسبياً فيما يتعلق بمعظم الأزمات التي اجتاحت المنطقة. ومن خلال تولي البلاد دور صانع السلام، تبنت عُمان سياسةً خارجية مستقلة عن جارتها السعودية الأقوى، فعلى سبيل المثال، في حين تتمتع عُمان بمزايا العضوية الكاملة في مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها حافظت على علاقاتٍ وثيقة مع إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية.
ولسنوات، أشاد المجتمع الدولي بموقف عُمان المحايد؛ حتى أن إدارة أوباما اعتمدت على عُمان للتوسط في إنهاء الصراع في اليمن، الذي أودى بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، وأسفر عن مجاعة واسعة النطاق.
فقد ساعد الدور الذي لعبته عُمان كوسيطٍ في تعزيز علاقات البلاد مع الولايات المتحدة الأمريكية. فالسلطنة لم تقبل فحسب باستقبال السجناء اليمنيين ممن كانوا في معتقل غوانتانامو، بل ضمنت أيضاً الإفراج عن الأسرى الغربيين داخل اليمن والخروج الآمن لموظفي السفارة الأمريكية في العاصمة اليمنية صنعاء في فبراير 2015. وفي الوقت نفسه، استضاف مسؤولون من عُمان مفاوضاتٍ سرية، جمعت جميع الأطراف الرئيسية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران، إلى الطاولة.
بيد أنه توترت العلاقات مع الولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترمب في نوفمبر 2016. فمع عدم شعوره بالرضى من موقف عُمان المحايد، ضغط ترمب على السلطنة للانحياز لأحد الجانبين في الحرب في اليمن وفيما يتعلق بالخلاف الدبلوماسي بقيادة السعودية مع قطر بسبب دعمها المزعوم للجماعات الإرهابية.
فقد كتب جاي سولومون، وهو زميلٌ بارز في معهد واشنطن، أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة تطالب عُمان بقمع تهريب الأسلحة الإيرانية عبر أراضيها، حيث تنتهي الأسلحة في نهاية المطاف في أيدي المتمردين الحوثيين الشيعة في اليمن. وبينما نفت عُمان اعتبارها منفذاً للتهريب، حيث أخبر مسؤولٌ أمريكي سابق سولومون أنه كلما تم الضغط على سلطنة عُمان لمواءمة سياستها الخارجية بشكلٍ أوثق مع المملكة العربية السعودية، فإنها تلزم بذلك بشكلٍ عام.
ومع ذلك، ووفقاً لأحد المسؤولين في الخليج العربي، فإن العديد من الشخصيات في دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال تمتلك نظرةً سلبية تجاه مكانة عُمان في اليمن. فقد ذكرت بعض التقارير الإعلامية أن مسؤولين من اليمن والسعودية والإمارات والولايات المتحدة يعتقدون أن عُمان تدعم إيران والحوثيين في الحرب الأهلية الدموية. ومما يثير قلقهم، أن عُمان باتت اقرب أكثر فأكثر إلى إيران. ففي يونيو 2017، عزز البلدان تعاونهما في عددٍ لا يحصى من القطاعات، بما في ذلك الطاقة والتجارة والاستثمار والدفاع. وجاءت هذه الأخبار بعد أيام فقط من إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر.
وبدلاً من اتباعهما المملكة العربية السعودية، ظلت الكويت وعُمان على الحياد. فقد أصبحت الكويت الوسيط الرئيسي بين الأطراف المتحاربة، كما أيدت عُمان الحفاظ على الدبلوماسية إلى جانب تعزيز العلاقات مع قطر. وعليه، لم تظهر العديد من المنتجات العُمانية الجديدة في متاجر قطر فحسب، بل ازدادت أيضاً الرحلات بين البلدين.
وجادل جورجيو كافيرو وثيودور كاراسيك، وهما خبيران في جلف ستيت أناليتيكس، بأن مساعدة عُمان لقطر يمكن أن تعمق الاستياء السعودي والإماراتي تجاهها وتزيد من تفكك دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، قال هاني صبرا، وهو محلل مختص بالشرق الأوسط ومؤسس شركة ألف الاستشارية ومقرها نيويورك لفنك، أنه من غير المرجح أن تعاقب السعودية سلطنة عُمان على تعاملها مع قطر.
وقال صبرا: “ليس من الجيد حقاً بالنسبة للمملكة العربية السعودية حفاظ عُمان والكويت على الحياد فيما يتعلق بالأزمة القطرية،” وأضاف “آخر ما تريده السعودية أن يكون هناك جبهة في دول مجلس التعاون الخليجي متحدة ضدها.”
وفي الوقت نفسه، يتمثل القلق العُماني، على نطاقٍ أكبر، بمن سيخلف قابوس بمجرد وفاته. فقد أصبح حاكم السلطنة، البالغ من العمر الآن 76 عاماً يعاني من اعتلالٍ في الصحة حيث أمضى شهوراً في كل مرة في ألمانيا لتلقي العلاج من مرض السرطان. ومع وفاته التي تلوح في الأفق، يكافح العمانيون من أجل فهم عالمٍ من دون قائدهم. إلا أن قابوس، الذي ليس لديه أطفال أو إخوة، لم يعطِ أي تلميحٍ حول من سيخلفه.
القرار الأخير في يد مجلس العائلة الحاكمة، والذي سيكون أمامه ثلاثة أيام لاختيار خليفة بعد وفاة قابوس. وفي حال فشلوا في التوصل إلى إجماع، سيقومون بفتح ظرفين مغلقين تركهما قابوس لهم، إذ يحتوي كل منها على اسم مرشحيه المفضلين.
ويجادل بعض المحللين بأنه يمكن للسلطان أن يقلل من الاضطراب الجماعي الذي سيعانيه شعبه من خلال الإعلان عن مرشحه المفضل الآن. غير أن المحلل السياسي العُماني أحمد المخيني قال إن القيام بذلك سيسمح للشخصيات المحلية والأجنبية باستمالة الحاكم التالي أو تهميشه قبل أن يتولى المنصب.
والأسوأ من ذلك، إذا ما رشح قابوس أكثر من شخصٍ واحد، الأمر الذي صرّح عنه مسبقا، فلربما لا تشهد عُمان انتقالاً سلمياً للسلطة، إذ من الممكن أن تتنافس الشخصيات والأحزاب المتنافسة على السلطة إذا ما اعتقدوا أنهم يمتلكون نفس القدر من المحاباة الشرعية ليصبح أي منهم حاكم عُمان القادم. ولكن، كما يقول صبرا فإن هذا السيناريو غير محتمل، رغم أنه أكد على أن من يتم اختياره في النهاية سيكون أمامه عملٌ شاق. ففي نهاية المطاف، قابوس هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس القوات المسلحة ورئيس البنك المركزي. وعلى الرغم من أنه لا يقوم بالمهام اليومية لكلٍ من هذه الأدوار، إلا أن من سيحل محله سيضطر إلى بناء رأسماله السياسي الخاص من الصفر.
ومع ذلك يبدو أن عُمان مقدرٌ لها الحفاظ على استقرارها الداخلي وسمعتها العالمية كصانع سلام. ويعود الفضل في ذلك بشكلٍ كبير إلى قابوس الذي قدم العديد من الامتيازات للمتظاهرين في بداية الربيع العربي في عام 2011 ، وبالتالي تجنب الاضطراب الذي زعزع استقرار بلدانٍ أخرى في المنطقة. ووعد بمنح البرلمان سلطاتٍ تشريعية وضمان خلق ما لا يقل عن 50 ألف وظيفة حكومية.
ومع ذلك، لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان مثار خلاف. فقد تعرض النشطاء والمدونون للمضايقة والسجن لمجرد الدعوة إلى إصلاحاتٍ أسرع، وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش السنوي لعام 2018 عن عُمان. وأبرز التقرير أن العمانيين لا يتمتعون بحرية الاحتجاج دون الخوف من الاعتقال أو انتقام الدولة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت حقوق الإنسان ستتحسن في ظل الزعيم القادم لعُمان، إلا أن ما هو واضحُ كالشمس هو أن مرض قابوس وغيابه يُعدّ العمانيين، على الأقل، لمستقبلٍ من دونه.