وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سلطنة عُمان: دور الوسيط

نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد ووزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله في قمة مجلس التعاون الخليجي, الكويت, 10 كانون الأول/ديسمبر 2013 Photo HH

المقدمة

قبل انعقاد قمة الكويت لدول مجلس التعاون الخليجي في كانون الأول/ديسمبر 2013، أدلى الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان، يوسف بن علوي بن عبدالله، ببيان مفاجئ صرح فيه أن بلاده لن تنضم إلى اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي (وهو نسخة محدّثة لمجلس التعاون الخليجي الحالي المنظم بشكل ضعيف) الذي اقترحه السعوديون. وقال: “لا ينبغي علينا التدخل في النزاعات سواء كانت قريبة منا أو بعيدة. ونحن نرى أنه لا ينبغي أن نعود إلى القرن الماضي”.

و بعد إدلاء هذا البيان، بدت سلطنة عمان وهي إحدى الدول المؤسسة لمجلس التعاون الخليجي عام 1981 والذي أنشئ في الأساس كقوةٍ لمحاربة إيران، وكأنها تنأى بنفسها عن اتخاذ موقف ضد إيران. وكان هذا الموقف العدائي الذي تبنته المملكة العربية السعودية قد ازداد بعد التقارب الأخير بين الولايات المتحدة وإيران. بالإضافة إلى ذلك، وبقدر ما ترى دول مجلس التعاون الخليجي أن إيران تشكّل تهديداً لها، تخشى الدول الأعضاء من تأثير الأعضاء الزملاء، وبخاصة المملكة العربية السعودية. وفي العام 2009، تمّ رفض فكرة أن يكون مقرّ الاتحاد النقدي الخليجي في الرياض. وقد استغلت سلطنة عمان هذه الفرصة لمقاومة مبادرة سعودية أخرى.

وفي حين أن بيان بن علوي قد يكون مفاجئاً مع مصادقة السلطان قابوس على الاتفاقية الأمنية لدول لمجلس التعاون الخليجي (تعزيز التعاون في القضايا الأمنية) في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2014، إلا أنه يعكس أيضاً سجل سلطنة عمان على صعيد السياسة الخارجية وعدم رغبتها في التحيز. ولطالما عارضت سلطنة عمان اتباع موقف المملكة العربية السعودية ودول أخرى في مجلس التعاون الخليجي المعارض لإيران. وفي حين أن هذه الأخيرة (المملكة العربية السعودية، والبحرين، وإلى حد أقل الكويت) غالباً ما اتهمت سكانها الشيعة بالعمالة لإيران، لم تتخذ سلطنة عمان مثل هذا الموقف تجاه الأقلية الشيعية من سكانها. ومع رفض الانضمام لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، تكون سلطنة عمان قد فضلت اتخاذ موقف دبلوماسي عوضاً عن المواجهة.
عملياً
لطالما لعبت سلطنة عمان دوراً سياسياً مميزاً في المنطقة باتخاذها مواقف متناقضة على صعيد القضايا الإقليمية. وقد حافظت سلطنة عمان على علاقاتها الثنائية مع كل من العراق وإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية، على عكس بعض الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي مثل الكويت والمملكة العربية السعودية اللتين دعمتا العراق ضد إيران. ولم تقطع سلطنة عمان علاقاتها مع جمهورية إيران الإسلامية بعد الثورة الإيرانية الإسلامية في العام 1979 وذلك على الرغم من التخوف الإقليمي من انتقال الثورة إلى جميع أنحاء الخليج.

وفي الوقت نفسه، كثّفت سلطنة عمان تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة من أجل تجنّب التهديد الإيراني المتوقع. وفي خلال الاحتلال العراقي للكويت، كانت سلطنة عمان الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها الدبلوماسية مع العراق. ومع ذلك، تعاونت عسكرياً مع الولايات المتحدة لتحرير الكويت. وعلى حد سواء، عارضت سلطنة عمان الغزو العسكري الأميركي للعراق عام 2003 إلا أنها قدّمت دعمها العسكري.

وكما تميّزت قراراتها المستقلة بالقضايا الأمنية في منطقة الخليج، اتخذت السلطنة موقفاً مستقلاً وبرغماتياً إزاء الصراع العربي الإسرائيلي عندما قررت في العام 1979 عدم قطع علاقاتها مع مصر بعد أن وقّع الرئيس السادات معاهدة سلام مع إسرائيل. كان هذا القرار مخالفاً للرأي العربي وقرار الجامعة العربية الذي دعا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر. بالإضافة إلى ذلك، وبعد التوقيع على اتفاقية أوسلو عام 1993، بدأت سلطنة عمان أيضاً ببناء علاقات اقتصادية وسياسية محدودة مع إسرائيل.

ومنذ ذلك الوقت، لعبت سلطنة عمان دوراً قيادياً بين الدول العربية في محاولة بناء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وأصبحت السلطنة الدولة الخليجية الأولى التي تستضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، لتفتتح لاحقاً مكاتب تجارية مع إسرائيل (أغلقت بعد الإنتفاضة الثانية).

وسيط

التقى السلطان قابوس الرئيس الإيراني حسن روحاني في مسقط, آذار/مارس 2014, Photo HH

في العقود الماضية، برزت سلطنة عمان أيضاً كوسيط محايد ومتحفظ. وقد نظّمت السلطنة عمليات لتبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة كما ساعدت في تنظيم سداد المدفوعات النفطية لإيران خلال العقوبات الدولية المفروضة على صناعة إيران بسبب برنامجها النووي. بالإضافة إلى ذلك، شجعت السلطنة على إيجاد حل دبلوماسي للأزمات بين قطر والبحرين في العام 1986 وبين العراق والكويت في العام 1990.

وأفادت وكالة الأنباء أسوشيتد برس عقب الاتفاق المبرم بين إيران والدول الغربية بشأن البرنامج النووي الايراني في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أنه تم إجراء مباحثات سرية بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين في العاصمة مسقط في شهر آذار/مارس 2013. وأصبحت هذه المحادثات ممكنة بعدما لعب السلطان قابوس دوراً رئيسياً في تسهيل عملية إطلاق سراح ثلاثة متنزهين أميركيين كانوا قد اعتقلوا في إيران عام 2009.

وعرض السلطان قابوس لاحقاً أن يكون وسيطاً للتقارب بين الولايات المتحدة وإيران. وفي شهر آذار/مارس من العام 2013، اجتمع مساعد وزيرة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز وكبار المسؤولين الأميركيين بدبلوماسيين إيرانيين، ومساعدين في مجال الحفاظ على الأمن القومي بالإضافة إلى خبراء لمنقاشة الملف النووي. وبعد انتخاب الإصلاحي حسن روحاني رئيساً لإيران، انعقدت اجتماعات سرية أخرى أدت إلى اتفاقيات مؤقتة أصبحت رسمية أثناء المفاوضات في جنيف. وبالتالي، سهّلت سلطنة عمان المحادثات التي مهّدت لاتفاق عاجل في جنيف.

تركز العلاقات التاريخية الجيدة بين سلطنة عمان وإيران على المسؤوليات المشتركة في مضيق هرمز – الذي يتم من خلاله شحن ثلث إمدادات النفط في العالم والتجارة بين ضفتي المضيق. وفي السبعينيات، أرسل شاه إيران قوات ساعدت السلطان على إخماد ثورة ظفار المستوحاة من الفكر الشيوعي. وبقيت هذه المساعدة في الذاكرة حتى بعد الثورة الإيرانية الإسلامية.

كذلك، كان السلطان قابوس أوّل قائد خارجي يزور الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني بعد توليه منصبه في 3 آب/اغسطس 2013. واتفق القائدان على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية حيث أن سلطنة عمان أدركت ضرورة تعزيز التجارة مع إيران في إطار جهودها الهادفة إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.

وأثناء زيارة روحاني إلى مسقط في شهر آذار/مارس من العام 2014، وقّع مسؤولون عمانيون وإيرانيون على اتفاق يمتد على ثلاث سنوات ويقضي بتزويد سلطنة عمان بـ30 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني يومياً من خلال خط أنابيب بقيمة ميليار دولار. من شأن هذا التعاون أن يتيح لسلطنة عمان تلبية طلبها المحلي؛ أما بالنسبة إلى إيران، فسيكون ذلك مصدر دخل مرحب به حيث أن الاقتصاد الإيراني لطالما كان يعاني بسبب العقوبات الدولية.

التحالف الأمني مع الغرب

جنود عمانيون في العرض العسكري بمناسبة العيد الوطني ال43, 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2013 / Photo HH

والشرط لاعتماد هذه السياسة الخارجية المستقلة والعملية إزاء البلدان المجاورة ومنع حصول أي تدخل خارجي من قبل هذه الدول هو الحفاط على علاقة مميزة مع كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة. وعلى الرغم من مغادرة القوات البريطانية رسمياً القواعد العمانية عام 1977 (بعد الانتصار في حرب الظفار)، أكّد التجديد المعتاد لاتفاقية التعاون العسكري مع كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة إنحياز سلطنة عمان للسياسات الأميركية والبريطانية.

وبعد الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر 2011،  إزداد الوجود العسكري الأميركي في عمان بشكل كبير حيث ارتفع عدد الأفراد من 250 إلى 4300 فرد. كذلك، دعمت سلطنة عمان العمليات العسكرية الأميركية في كل من أفغانستان (2002) والعراق (2003). وكانت القواعد الموجودة في السيب وفي جزيرة مصيرة هي القواعد الوحيدة في شبه الجزيرة العربية التي استعملها التحالف خلال الهجوم الجوي على العراق، كما كان عليه الأمر في العام 1991.

ووفقاً لمارك فاليري، وهو محاضر في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في جامعة إكسيتر (المملكة المتحدة)، تعتبر هذه الشراكة أساسية بالنسبة للسلطان قابوس إذ تتيح له حرية التصرف في المنطقة إلا أن ذلك سيكلّفه الكثير من المال. وقد أدى شراء لوازم الدفاع لسلطنة عمان من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى إلى ارتفاع في النفقات العسكرية:  11.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 (15.8% عام 2012) مقارنةً بـ8.3 في المئة في العام 2010، وهي أعلى نسبة تم تسجيلها في الشرق الأوسط (المصدر: معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام).

يعود موقف سلطنة عمان الفريد في منطقة الخليج، وفي إطار بحثها عن الاستقرار السياسي والإقليمي، إلى أساس المجتمع العماني. ونظراً إلى أنّ سلطنة عمان هي الدولة العربية الوحيدة التي إستعمرت في الماضي، نجد في المجتمع العماني مجموعات عرقية ودينية متنوعة تشمل المواطنين العمانيين البولشيين، والزنجباريين، ومواطنين من أصل هندي. وقد ساهم هذا التنوع بشكل كبير في تعزيز التسامح والانفتاح إلى الخارج. كذلك، فإن التقاليد الدينية الإباضية الفريدة من نوعها لا تشجع على الصراعات الطائفية والمذهبية إنما تفضل السبل المعتدلة (ما يعكس الطريقة التقليدية لاختيار الأئمة خلال فترة الإمامة).وتزايد التوترات الطائفية في الخليج يهدد بالقضاء على هذه الأسس.