وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مرتزقة، إتهامٌ يطال القوات السودانية في اليمن

Sudan- Omar al-Bashir
الرئيس السوداني عمر البشير (يمين) وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (وسط يسار) والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي (وسط)، يصلون إلى افتتاح معرض ومؤتمر الدفاع الدولي (إيدكس) في العاصمة الإماراتية أبوظبي في 19 فبراير 2017. Photo AFP

بعد أكثر من عامين من ورطة المشاركة في عاصفة الحزم بقيادة السعودية في اليمن، لا أحد في السودان يعرف على وجه الدقة مآلات هذه المشاركة الدموية في حربٍ خارجية، وإلى اين وكيف ستنتهي هذه الورطة وما ثمنها.

بدأت المغامرة بوصول الدفعة الأولى من القوات السودانية إلى عدن في منتصف أكتوبر 2015. ولم تعلن الحكومة السودانية رسمياً ابداً عن عدد قواتها التي تقاتل في اليمن، إلا أن مصادر عديدة تشير إلى أن عددها تجاوز ثمانية آلاف مقاتل في أغسطس 2017.

فقد دخلت القوات البرية السودانية في حرب اليمن بعد أن تبين أن سلسلة من الغارات الجوية للسعودية وحلفائها من الدول الأفريقية والشرق أوسطية، التي دمرت سلاح الجو اليمني والكثير من قواعده العسكرية وبناه التحتية، ليست كافيةً لدحر المتمردين الحوثيين وحليفهم القوي الرئيس السابق على عبد الله صالح، الذي قُتل في هجومٍ تعرض له موكبه في 4 ديسمبر 2017.

فالغالبية العظمى من القوات السودانية في اليمن تتشكل من قوات الدعم السريع، وهي مليشيات محلية اشتهرت بإسم الجنجويد والتي استخدمتها الحكومة السودانية لمكافحة التمرد أثناء الحرب في دارفور.

فقد سبق واتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاقٍ واسع. كما تمتاز بقدرتها على الحركة السريعة والمباغتة والقتال من على سيارات الدفع الرباعي بتسليحٍ متوسط وخفيف. وهي بطبيعتها قوات هجومية لا تعتمد كثيراً على التكتيكات الدفاعية الحذرة للجيوش النظامية وتتنقل بسرعة في المناطق المفتوحة. وربما تكون طريقة الجنجويد الفريدة في القتال اكثر ملائمة لطريقة الحروب القبلية اليمنية التي تعتمد نفس الطرق والتكتيكات. غير أن هذا يجعلها أكثر عرضة للخسائر البشرية من غيرها من المقاتلين في اليمن، لأنها أقل تدريباً على المناطق الجبلية الوعرة في اليمن كما أنها لا تحسن التنسيق مع القوات الأخرى مثل سلاح الطيران والمدفعية الثقيلة. وعلى الرغم من أن أسلوب الهجمات المباغتة بمجموعات صغيرة قد تكون فعالة في إيقاع الخسائر بالعدو، إلا أنها لا تجدي نفعاً في الاستيلاء على الأراضي والبقاء فيها وهو ما تتطلع له قوات الشرعية في اليمن.

انتقادات واسعة النطاق

واجهت مشاركة القوات السودانية في حرب اليمن انتقادات خارجية واسعة، خاصة بعد تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن نتيجة للحرب. فعلى سبيل المثال، تعرض مقطع فيديو صوره جندي سوداني في ميدان القتال لانتقادات حادة واعتبر تعاملاً غير انساني مع جريح بما يخالف القانون الدولي.

كما تواجه مشاركة السودان في حرب اليمن معارضة وانتقادات داخلية متصاعدة، كان آخرها دعوة البرلماني السوداني حسن عثمان رزق سحب القوات السودانية من اليمن لانتفاء مبرر وجودها.

وقال في جلسة برلمانية إن “جهات عديدة تطالب بفرض عقوبات على الدول المشاركة في حرب اليمن، أنه أمر سيطال السودان، فضلاً عن أنه سيعرقل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”. وأضاف : “إن كان الدخول في الحرب من أجل الصداقة مع السعودية فإنها لا تحتاج لذلك، لأن هناك دولاً صديقة لها ولم تحارب معها”.

في حين دافع الجيش السوداني عن مشاركته في بيانٍ أعلن فيه “إن القوات السودانية أتت في إطار حماية أرض الحرمين الشريفين، وحماية الدين والعقيدة لمواجهة المد الإيراني واستعادة الشرعية اليمنية المنقلب عليها في 21 سبتمبر 2014 [بداية الاستيلاء المسلح للمتمردين الحوثيين على الحكومة].”

لم يشترِ أحد في السودان وخارجه مثل هذه الخطب الرنانة، فالجميع يعرفون أن السودان كان على استعداد لخوض المغامرة وارسال قوات برية لليمن لأسباب سياسية واقتصادية متعددة.

وعلى الصعيد السياسي، كانت الحكومة السودانية تتلهف لإنهاء عزلتها السياسية الخانقة ورفع العقوبات الاقتصادية الامريكية عليه. فقد لعبت السعودية دوراً واضحاً في تحقيق هذا الهدف حسب المسؤولين السودانيين والسعوديين على حد سواء. وعلاوة على ذلك، سعى السودان لإصلاح الخطأ الفادح والمكلف بتأييد صدام حسين في حرب الخليج الأولى (1990-1991)، والذي سبب جفوة خليجية وتجفيف صنابير المساعدات الخليجية لعقدين من الزمان.

وأولاً وأخيراً، يسعى السودان إلى فك الازمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد حالياً بالمساعدات المالية المباشرة التي ستنتج عن المشاركة. وبالفعل تلقى السودان أموالاً طائلة لا يعرف مقدراها، وكانت قطر التي انسحبت فيما بعد من تحالف عاصفة الحزم هي المبادرة بإيداع 1,2 مليار دولار في مصرف السودان المركزي ثم اعقبتها السعودية بوديعة مماثلة، فيما ساهمت دولة الامارات العربية المتحدة بنصف مليار دولار امريكي.

وعلاوة على ذلك، يتلقى الجنود السودانيون الذي يقاتلون في اليمن رواتبهم من دول تحالف عاصفة الحزم، مما يُثير الإتهامات بأن الجنود ليسوا إلا مرتزقة. وعلى الرغم من أنه لم يُعلن رسمياً عن أرقام هذه الرواتب، إلا أن بعض المصادر تحدثت عن أن الرئيس السوداني عمر البشير قد طلب من ولي العهد السعوي محمد بن سلمان مبلغ مليار دولار عن كل الف جندي سوداني في اليمن.

خسائر عسكرية

في الثاني من يناير 2016 أعلنت الخرطوم عن سقوط أول قتيل بين قواتها في اليمن في مهمة إدارية بعيداً من ميادين القتال. كما شيعت جثامين أربعة جنود وضابط واحد في الحادي من عشر أبريل 2017 بحضور قادة القوات المسلحة وذوي القتلى في الخرطوم. وفي سابقةٍ غريبة ربما اعتبرت تكريماً للجنود المسلمين، دفن 17 جندياً سودانياً قتلوا في اليمن في مقبرة البقيع في مكة المكرمة في السادس من يونيو الماضي 2017. وأعلنت سفارة السعودية في الخرطوم ان 250 شخصاً من ذوي شهداء الجيش السودانيين في اليمن أدوا فريضة الحج على نفقة العاهل السعودي.

وكان الفريق حميدتي قائد قوات الدعم السريع قد أعلن في تصريحاتٍ صحفية صدرت في الخرطوم في 26 سبتمبر 2017، عن مقتل 412 جندياً وضابطاً من قواته في العمليات العسكرية منهم 13 في اليمن. وقال أن قواته تقاتل في 40 جبهة في اليمن وتحرز تقدماً وقد حررت مناطق واسعة من قبضة الحوثيين. الحوثيين من جهتهم اعلنوا أن 83 جندياً سودانياً قد قتلوا في معركة واحدة قرب ميناء ميدي على البحر الأحمر شمال اليمن في 23 مايو 2017.

لنا أن نتخيل كم تقتل حرباً تدور على أربعين جبهة، غير أنه لا يمكننا إلا الاعتماد على مؤشراتٍ كهذه لتقدير عدد قتلى القوات السودانية في اليمن في ظل جدار السرية المضروب على مثل هذه المعلومات في الخرطوم.