صوفيا أكرم
سُمح مؤخراً للسوريين المقيمين في مخيم الهول سيء السمعة مغادرته، إلا أنه ما يزال بؤرةً للتطرف، بينما تزيد الظروف الاقتصادية في البلاد من مشقة إعادة الإعمار على السوريين.
يعد مخيم الهول أكبر مخيم للنازحين داخل سوريا، ويقع في مدينة تحمل نفس الاسم في الشمال الشرقي للبلاد، إذ يستضيف المخيم أنصار داعش وأولئك الذين فرّوا من مناطق كان يسيطر عليها التنظيم. وفي أعقاب العمليات العسكرية العنيفة في المنطقة، بات المخيم يكتظ بحوالي 62 ألف نسمة بالرغم من أن قدرته الاستيعابية لا تتجاوز الـ20 ألفاً. فقد وثقت أرقام عام 2020 أن نصف سكانه من العراقيين، بينما الثلث من السوريين و15% من المقاتلين الأجانب الذين قدموا إلى سوريا للانضمام إلى داعش.
أدى الاكتظاظ في مخيم الهول إلى ظروف غير صحية، فضلاً عن نقص الأغذية وقلة الوصول إلى الدواء. هذه الأحوال المزرية تشبه إلى حدٍ كبير مرافق الاحتجاز، إلا أن الأوضاع ازدادت سوءاً في ظل تفشي فيروس كورونا في المخيم.
وعليه، يُعتقد أن الأوضاع المتدهورة في المخيم ما أدى إلى تغيير في السياسة، الذي أعلنه الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية، إذ أعلن التحالف في 20 أكتوبر 2020 أنه الآن بات من السهل على السوريين العودة إلى ديارهم، بينما كان يطلب في السابق من الكفلاء المحليين الإبلاغ عن أي شخصٍ يغادر المخيم.
واليوم، يستطيع أولئك الذين يرغبون في العودة مغادرة المخيم بعد تسجيل أسمائهم لدى قوات سوريا الديمقراطية، التي بدورها تمنحهم تصريحاً أمنياً للمغادرة.
كان قرار المغادرة بالنسبة للسوريين- إذ غادر بالفعل حوالي 6,500 شخص منهم- قراراً سهلاً نسبياً، إلا أن العودة إلى ديارهم لم تكن بهذه البساطة. فقد تضررت مناطق مثل الرقة ودير الزور والحسكة، حيث يعيش العديد من السكان، بشدة من جراء الحرب، وأدى مستوى الدمار، في بعض الحالات، إلى اختفاء هذه المنازل عن وجه الأرض.
أما أولئك الذين بقوا في المخيم، الذي يطلق عليه بؤرة التطرف، فهم غير مرغوبٍ فيهم من قبل حكوماتهم، فيما اعتبرت بغداد عودة العراقيين تُشكل خطورةً كبيرة، وتبرأت العديد من الحكومات الأجنبية من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم. فقد وصف أعضاء داعش وزوجاتهم ممن يتواجدون داخل المخيم بـ”القنبلة الموقوتة” التي قد يكون لها رد فعلٍ سلبي على الدول الغربية.
من جهتها، بذلت بعض الدول الغربية جهوداً لإعادة الأيتام، بما في ذلك فرنسا وفنلندا وألمانيا، في محاولةٍ لإنقاذهم من مصير مماثل لآبائهم. كما سارعت ألبانيا أيضاً إلى إعادة الأطفال بهدف القضاء على التطرف.
وقال وزير الداخلية الألباني ساندر ليشاج لبي بي سي: “نعتقد أن هناك التزاماً أخلاقياً بإعادة الأطفال على الأقل إلى الوطن، لأنهم ليسوا إرهابيين، فهم ضحايا لوالديهم غير المسؤولين،” وأضاف “لكن يمكن تربيتهم ليتحولوا إلى وحوش حقيقية إذا تركناهم في المخيمات وتجاهلناهم.”
وعلى صعيدٍ متصل، فقد وثقت العديد من التقارير قيام نساء داعش بفرض نسختهن الخاصة من الشريعة الإسلامية وإثارة الخوف في نفوس السكان الآخرين، ونتيجةً لذلك، انتشر العنف داخل المخيم.
من جهته، أعلن المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية لسوريا، عمران رضا، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية في المنظمة متعددة الأطراف عن قلقهما بشأن الأوضاع الأمنية في المخيم في 23 يناير 2021.
فقد كشفت مراقبة الأمم المتحدة للمخيم عن 12 جريمة قتل راح ضحيتها سوريون وعراقيون من سكان المخيم، بمن فيهم لاجئة عراقية في حين أصيب شخص آخر بجروحٍ خطيرة بعد هجومٍ عنيف بين الأول والـ16 من يناير الماضي.
وقالت المنظمة إن البيئة الأمنية أصبحت غير مقبولة، مما يهدد قدرة الجهات الإنسانية الفاعلة على الاستجابة للسكان.
وقال رضا: “معظم الناس في المخيم هم من النساء والأطفال الذين جاءوا إلى مخيم الهول طالبين الحماية والمساعدة الإنسانية. يجب حماية السكان والعاملين في المجال الإنساني على حد سواء،” مشدداً في البيان على ضرورة إيجاد حل دائم للمخيم.
“هناك شعور متزايد بأن حل مشكلة النساء [اللواتي لديهن ميول متطرفة] في المخيم سيكون صعباً،” كما قال عبد القادر موحد مدير مركز دراسات التطرف متحدثاً إلى فَنَك، وأضاف “المشكلة تزداد سوءاً.”
وأضاف أن سلطات المخيم تفتقر إلى القدرات المادية والأمنية لإدارة الوضع الحالي، فضلاً عن ندرة الخبرة لدى المسؤولين المحليين. وبحسب موحد، “يتمحور الخوف الأكبر حول الأطفال الذين نشأوا داخل المخيم.”
ووفقاً للمركز، يحتاج مخيم الهول إلى برنامج إعادة تأهيل طويل الأمد قائم على الأدلة، إلى جانب قاعدة بيانات عن جميع سكان المخيم.
علاوةً على ذلك، يمكن تفسير الخروقات الأمنية بسبب عدم متابعة السكان بمجرد مغادرتهم للمخيم، بالرغم من أن تقارير أخرى تتحدث عن تطبيق مثل هذه المراقبة الأمنية. فقد اتخذت تلك الخروقات الأمنية شكل هجماتٍ شنتها خلايا داعش النائمة.
ومع ذلك، يقر موحد بأن ما يحصل داخل المخيم لا يؤثر بشكلٍ كبير على المجتمع خارجه.
فبعض أولئك الذين يغادرون المخيم من أعضاء داعش منخفضي الرتب إلا أن خطر عودة السكان إلى التنظيم أو التعرض لمزيدٍ من التطرف يمثل مشكلةً معقدة في سوريا، ويعتمد على عدد من العوامل المختلفة بحسب منظمة إنترناشونال أليرت.
فقد أجرت المنظمة المعنية ببناء السلام بحثاً حول الدوافع للانضمام إلى الجماعات المسلحة ومغادرتها في سوريا، بما في ذلك الجماعات المتطرفة، ووجدت أن الأسباب تتمثل في حماية والدفاع عن العائلات والمجتمعات والضغط من الأسرة والأقران والمجتمعات ليكونوا من المؤثرين الرئيسيين، بالإضافة إلى أسباب مادية ومالية والرغبة في امتلاك القوة والسلطة.
وعلى حد تعبير كارولين بروكس، مديرة برامج سوريا في منظمة انترناشونال إليرت، “إن أهمية كل عامل من العوامل للأفراد والمجتمعات ليست ثابتة؛ بل تتأثر بعوامل مثل الحالة الاجتماعية، والموقع، وطبيعة الصراع ومرحلة الصراع، وفرص كسب لقمة العيش خارج جماعة مسلحة، فضلاً عن التغير الحاصل على مواقف المجتمع والعائلة مع مرور الوقت.”
وتابعت القول، “علاوةً على ذلك، تساهم هذه العوامل في دوافع الناس للعودة إلى الجماعات المسلحة بعد فترة من البقاء خارج جماعة مسلحة.” وأضافت “التطرف” قد لا يكون سبباً للانضمام إلى الجماعات المسلحة مثل داعش.”
وقالت بروكس لفَنَك: “بالنسبة للعديد من السوريين، يبدو الإيمان بالأيديولوجيات المتطرفة – على الأكثر- عاملاً ثانوياً في قرار الانضمام إلى جماعةٍ متطرفة، إذ تلعب العوامل الأخرى المذكورة دوراً مهماً أيضاً.”
لا يمكن التحقق من مدى تأثر سكان المخيم بمثل هذه الدوافع بقدرٍ كبير من اليقين، ولكن في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا واستمرار صعوبة وصول المنظمات الإنسانية إليهم، فإن فرص أن تخلو سوريا بالكامل من تنظيم داعش مشكوكٌ فيها أيضاً.