على الرغم من المناخ غير المتقبّل عموماً للأقليات الدينية في الشرق الأوسط، إلا أن الدروز لعبوا دوراً هاماً في التاريخ المضطرب للمنطقة، وأبرز ما في الأمر أن مقاتليهم أيدوا الأيوبيين وقوات المماليك في وقتٍ لاحق بمقاومة الصليبيين المسيحيين على الساحل اللبناني. وخلال فترة الإمبراطورية العثمانية، تمرّد الدروز في الغالب ضد السلاطين الأتراك على الرغم من حقيقة أنهم تمتعوا بحكمٍ ذاتي كبير، وهو ما لم يكن ينطبق على العديد من جماعات الأقليات الأخرى. كانت التضاريس الجبلية لأوطانهم في لبنان وسوريا وإسرائيل أفضل مدخراتهم الجيوسياسية، مما منحهم حمايةً طبيعية وجعل من الصعب على الغزاة الوصول إليهم.
الدين الدرزي إنفرادي وانعزالي للغاية، إذ لا يسمح الدروز للآخرين باعتناق دينهم ولا يُسمح للدروز باعتناق دينٍ آخر. وبشكلٍ عام، الزواج من خارج الطائفة الدرزية مرفوضٌ وغير شائع. كما أن الديانة سرية، مع وجود ممارساتٍ غير معروفة حتى لبعض أعضاء الطائفة، ويمكن فقط للعُقّال، وهم نخبةٌ من الزعماء الدينيين، المشاركة بشكلٍ كامل بطقوسهم ويتمتعون بوصولٍ إلى الكتب المقدسة، المعروفة باسم الحكمة الشريفة.
تعود جذور الديانة الدرزية إلى مصر، ويُعتقد أنها تنبثق عن الشيعة الإسماعيلية. ولربما لهذا السبب يعترف الأزهر في مصر، وهو مركز التعليم الإسلامي والعربي في العالم، بالدين الدرزي كأحد الطوائف الإسلامية الشبيهة بالشيعة. وفي عهد الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله، الذي حكم من عام 996 إلى 1021، أنشأ بعض اللاهوتيين الإسماعيليين حركةً دينية اعتبرت الحاكم بأمر الله شخصيةً إلهية. ومن المحتمل جداً أن يكون الحاكم بأمر الله من شجع وأيّد ذلك، إلا أنه ليس من المستغرب أن ذلك مهد الطريق لرد فعل قاسٍ من المؤسسة الدينية الفاطمية في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن السلطات الدينية الفاطمية أضفت الصفة الإلهية على الحاكم بأمر الله وأسلافه، إلا أنهم لم يكونوا مستعدين لإعتبارهم شخصيات إلهية في حد ذاتها. وعندما تم الإعلان عن هذه الفكرة المتناقضة علانيةً لأول مرة في عام 1017، تسببت في حدوث شغبٍ كبير في القاهرة.
كان حمزة بن علي بن أحمد الزوزاني وتابعه السابق محمد الدرازي من أبرز الشخصيات في هذه الحركة الجديدة. ومع ذلك، سرعان ما بدأت المنافسة والتنافس يطغى على علاقتهما.
ويبدو أن الحاكم بأمر الله كان يُفضل حمزة، وسرعان ما أعلن داخل الحركة أن الدرازي مرتد، مما أدى إلى اختفائه. ومن المحتمل جداً أن حمزة قد استغل مكانته الملائمة وقربه من الحاكم للقضاء على منافسه. ولكن على الرغم من اختفاء الدرازي، استمر ربط اسمه وتعريف الحركة بالدروز.
وبالنظر إلى الطبيعة المثيرة للجدل لهذه الحركة، اختفى الحاكم نفسه في ظروفٍ غامضة في عام 1021. ومن الواضح أن المؤسسة الدينية السياسية في ذلك الوقت لم تستطع التسامح مع خليفةٍ يدعي الألوهية. فقد مهد عزله من السلطة الطريق للاضطهاد الدموي للطائفة الدرزية في ظل حكم خليفة الحاكم بأمر الله، الظاهر لإعزاز دين الله.
لجأ حمزة إلى الاختباء، ومن دون قائد، اندثرت الحركة تدريجياً في مصر، ولكنها بدأت في الظهور في بعض المناطق في سوريا ولبنان، حيث أسس المبشرون الأوائل مجتمعاتٍ هناك. وفي ضوء الاضطهاد والضغط المتصاعد على الحركة، في عام 1043، أوقف المجتمع الدرزي التبشير وتوقف عن الاعتراف بمن يعتنقون عقيدتهم.
ومن حيث البُنية الروحية، يُطلق الدروز على أنفسهم اسم الموحدون. دينهم انتقائي ويشمل عناصر من الأفلاطونية الحديثة، والغنوصية، والإسماعيلية، والفيثاغورية، والهندوسية وغيرها من الفلسفات، التي تشكل مع بعضها البعض علماً توحيدياً متميزاً يشدد على كلٍ من دور العقل والصدق. يتبع الدروز تفسيراً باطنياً لأركان الإسلام الخمسة، وكما ذكرنا، يعتبرهم علماء الإسلام الحديث مسلمين. ومع ذلك، فإن هذا الأمر محل نزاعٍ من قبل المسلمين الآخرين الذين يزعمون أنه لا ينبغي اعتبار الدروز مسلمين ذلك أنهم لا يمارسون التفسيرات الظاهرة مثل الصيام والحج إلى مكة.
يتواجد الدروز بشكلٍ أساسي في لبنان وسوريا واسرائيل. ومن جهةٍ أخرى، يصعب التحقق من أعدادهم الدقيقة، إذ يُعدّ الإحصاء الرسمي للسكان في كلٍ من لبنان وسوريا على حد سواء مسألةً حساسة من الناحية السياسية، فضلاً عن كونه غير جديرٍ بالثقة. فعلى سبيل المثال، لم يتم إجراء أي إحصاءٍ رسمي في لبنان منذ عام 1932 بسبب التوازن الحساس بين الفصائل الدينية في البلاد. ومع ذلك، تشير بعض المصادر إلى أنه في أوائل القرن الحادي والعشرين كان عددهم حوالي مليون نسمة. فهناك حوالي 300 ألف درزي يعيشون في لبنان، ومنذ استقلال البلاد، اكتسبوا قوةً سياسية واقتصادية كبيرة. وخلال الحرب الأهلية من عام 1975 إلى 1990، لم يكن لدى الطائفة الدرزية حلفاء طبيعيين، ولذلك، توجب عليهم إرساء تحالفاتٍ للبقاء على قيد الحياة. وعلى الرغم من أن العديد من الدروز في لبنان كانوا أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي غير الديني، بقيادة عائلة جنبلاط، إلا أن الحزب التقدمي الاشتراكي كان قد تحوّل إلى ميليشيا درزية قوية، حيث قام بإنشاء علاقاتٍ متماسكة مع لاعبين خارجيين مثل الاتحاد السوفيتي وسوريا.
أما في سوريا، يُقدر عدد الدروز بـ600 ألف درزي، الذي يعدّ أكبر مجتمعٍ من نوعه في العالم. انتقل معظمهم من لبنان في القرن الثامن عشر واستقروا حول السويداء في “جبل الدروز.” وعلى الرغم من كونهم أقلية، إلا أنهم لعبوا دوراً سياسياً هاماً، حيث واجهوا مختلف الأباطرة، من العثمانيين إلى الفرنسيين في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. وحتى بعد استقلال سوريا عام 1946، ثاروا ضد الأنظمة القومية. ومع ذلك، عندما اندلعت الحرب الأهلية في عام 2011، قرروا البقاء على الحياد. كما تُشير بعض المصادر إلى أن الدروز الإسرائيليين شجعوا نظرائهم السوريين على إعلان استقلالهم عن النظام السوري وإقامة منطقة حكم ذاتي مماثلة للمنطقة الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، لم يحذو الدروز السوريين حذوهم.
وأيضاً، يوجد حوالي 150 ألف درزي يعيشون في إسرائيل، خاصة في شمال البلاد. وعلى عكس المجتمعات الأخرى، يتمتع الدروز الإسرائيليين بعلاقةٍ جيدة مع الدولة، كما ينشط الجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي – العرب الوحيدون الذين يتم تجنيدهم – حيث شاركوا في القتال في جميع الحروب العربية- الإسرائيلية. ومع ذلك، في عام 2018، قاد الدروز احتجاجاً ضد قانونٍ جديد يُقدّس إسرائيل باعتبارها دولةً قومية للشعب اليهودي.
وهناك أيضاً مجتمعٌ درزي كبير يعيش خارج الشرق الأوسط، وبشكلٍ أساسي في أوروبا والولايات المتحدة. وتعتبر أمل كلوني من أشهر الدروز والتي تزوجت أيضاً من خارج الطائفة الدرزية.