وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل : حرب حزيران/يونيو 1967


كانت حرب حزيران/يونيو 1967 (التي تعرف في الغرب باسم حرب الأيام الستة، 5-10 حزيران/يونيو) الأكثر فصلاً في العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب. فقد كانت لها عواقب بعيدة المدى على توزان القوى في المنطقة. اندلعت الحرب في سياق من التوتر السياسي المتزايد والتحركات العسكرية على كلا الجانبين. من الجانب الإسرائيلي، كانت هذه الحرب رداً على خطر الهزيمة من القوة العسكرية المشتركة لمصر وسوريا والأردن.

في البداية، وفي الفترة التي سبقت هذه الحرب، كان التهديد الأكثر مباشرة يأتي من سوريا. قامت دمشق بتشجيع غارات فدائيي حركة فتح الفلسطينية وتسهيلها من أراضيها ومن الأردن. وعلاوة على ذلك، كان هناك نزاع قائم على استخدام المياه من نهر الأردن بين إسرائيل والدول الأخرى الواقعة عليه (لبنان وسوريا والأردن). كانت المدفعية السورية تقوم بقصف مكثف على القرى والمواقع العسكرية الإسرائيلية من مرتفعات الجولان انتقاماً من الاستفزاز الإسرائيلي، تبعتها معركة جوية في 7 نيسان/أبريل عام 1967، حيث أسقط سلاح الجو الإسرائيلي ست مقاتلات للقوى الجوية السورية.

وفي إسرائيل، انتُقدت غارة 7 نيسان/أبريل، على نطاق واسع، على سبيل المثال من قبل موشيه دايان، الذي كان في ذلك الوقت عضو الكنيست من حزب رافي، المنشق عن حزب ماباي الحاكم. أدرك دايان، الذي أصبح وزير الدفاع في 1 حزيران/يونيو 1967، بأن إسرائيل، نتيجة العملية المفرطة ضد سوريا، كانت تخلق جواً لا داعي له لأزمة حادة. اعتقد دايان أن دولة مثل مصر قد تشعر بالغضب بشكل واضح من جراء هذا السلوك الإسرائيلي، وعاجلاً أم آجلاً لن تتردد باظهار قوتها لأصدقائها العرب، وخاصة سوريا.

في 13 أيار/مايو، أبلغت موسكو الرئيس المصري عبد الناصر أن القوات الإسرائيلية كانت “على وشك مهاجمة سوريا”. ولم يُفهم بشكل كامل سبب لعبة إعطاء هذه المعلومات – غير الصحيحة – من قبل الاتحاد السوفييتي. ربما كان مزيداً من التحفيز لعبد الناصر للتحرك.

أياً كان السبب وراء تصرف الاتحاد السوفييتي هذا، فقد اتخذ الرئيس المصري ثلاث خطوات ذات أهمية كبيرة في الأيام التي تلت في الاتجاه الدرامي الذي سيؤدي إلى حرب حزيران/يونيو في نهاية المطاف.

أولاً، في 16 أيار/مايو أمر بإعادة انتشار بعض قواته في سيناء، ثانياً، في 19 أيار/مايو طلب من الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت سحب قوات حفظ السلام، قوات الطوارئ العائدة للأمم المتحدة، من حدود سيناء مع إسرائيل. ثالثاً، والتي تعتبر الأكثر خطورة، في 23 أيار/مايو أعلن عبد الناصر أن مصر ستقوم بإغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية.

في البداية، لم يقلق إعادة الانتشار رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول كثيراً. فقد اعتبر إعادة الانتشار مرتبطاً بالاستعراض العسكري الإسرائيلي المقرر إقامته في القدس بعد عدة أيام. في رأيه، كان ذلك مبادرة إغاظة طفيفة من الجانب الآخر. توافق هذا مع تقييم إشكول بعيد المدى – وشاركه به الأمريكان – بأن مصر لن يكون بإمكانها أن تبدأ الحرب ضمن السنوات الخمس المقبلة. ورأى مراقبون إسرائيليون آخرون بأن هذه الخطوة مصممة للاستهلاك العام وكدعم رمزي لسوريا، إذ تخلت عنها القاهرة في وقت الحاجة بعد أن عانت من الهزيمة التي ألحقتها بها غارة 7 نيسان/أبريل الجوية.

اعتبرت الخطوة الثانية في تصعيد ناصر، الطلب من يوثانت في البداية سحب قوات الطوارئ الدولية، على أنها من نفس الترتيب وإشارة غضب من الجانب مصر. فقد تركت الطريق مفتوحاً لعمل قوات الأمم المتحدة من الأراضي الإسرائيلية، ولكن إسرائيل رفضت طلب يوثانت على الفور، وبذلك اكتسبت حركة عبد الناصر زخماً أكثر جدية وسلبية. وفي الدوائر العسكرية في إسرائيل، كما كان متوقعاً، ارتفعت حدة التوترات. حتى أن رئيس هيئة الأركان إسحق رابين اعتبر هذه القضية على أنها “مصيرية” بالنسبة لإسرائيل.

في الوقت ذاته، هيمن تطور حرج آخر على عقلية القيادة الإسرائيلية، مؤثراً على تقييمهم التقليدي للتهديدات العسكرية. فخلال زيارة قام بها إشكول للقوات الإسرائيلية على الجبهة الجنوبية، أوجز الجنرال أهارون ياريف، رئيس المخابرات العسكرية، لرئيس الوزراء بأنه استنتج هو وطاقمه على المدى الطويل والقصير بأن القوات المصرية على الجبهة الجنوبية لم تعد منتشرة للدفاع وإنما تحولت إلى وضع الهجوم.

تعارض هذا بشكل واضح مع ردود الفعل السابقة لتقارير نشر جديد للجيش المصري على أنه ذا أهمية ثانوية ودوافع سياسية. صعق تحذير ياريف إشكول، وأصبح عامل تأثير كبير بعيد المدى غيّر قواعد اللعبة. فحتى ذلك الحين، كان الإسرائيليون مقتنعين بأن الوضع الأساسي للقوات المصرية البرية كان دفاعياً. وهذا ما أكد للقدس والجيش الإسرائيلي أنه في حال لزم الأمر يمكن التعامل مع سوريا عسكرياً دون المخاطرة بإجراءات داعمة من الجانب المصري على الجبهة الجنوبية.

فجأة بدا وكأن هذا الافتراض لم يعد صحيحاً، وبالتالي رأت إسرائيل نفسها دولة تحت تهديد على أكثر من جبهة في نفس الوقت. تنفست إسرائيل الصعداء بعض الشيء عندما اعتذر الجنرال ياريف في وقت لاحق واعترف بأنه كان مخطئاً في تقديره لوضع الجيش المصري في تلك اللحظة الحرجة. في غضون ذلك، ما جرى قد جرى. فقد تسبب تصريح ياريف بالفوضى في إسرائيل وسط الدائرة الداخلية حول إشكول. فقد توصل الجنرال رابين، المستشار العسكري الأعلى لإشكول، فوراً إلى استنتاج مفاده بأن الحرب لم تعد تشكل تهديداً، وإنما أصبحت وشيكة.

أصابت النتيجة الأولى لهذا الرأي المتسرع رابين شخصياً، إذ عانى من انهيار عصبي وانقطع عن زملائه ليوم واحد على الأقل. (بعد عدة أشهر من انتهاء الحرب، صرّح رئيس الأركان اسحق رابين في لقاء معه في الصحيفة الفرنسية “لو موند” بتاريخ 28 شباط/فبراير 1968: “لا أعتقد أن ناصر كان يريد الحرب. فالفرقتان اللتان أرسلهما إلى سيناء لم تكونا كافيتين لشن هجوم. هو كان يعرف ذلك، ونحن أيضاً”). إلا أن نائبه، الجنرال في سلاح الجو الإسرائيلي، عيزرا وايزمان، مغتنماً تعزيز فرصه بأن يصبح رئيس الأركان المقبل، وبدون إبداء أي تردد أو رادع من ضمير، أعطى الأمر بحشد قوات ودبابات الجبهة الجنوبية، ببساطة “لنقل الوحدات والفرق” كما كتب لاحقاً.

بحلول نهاية أيار/مايو، بدت الأمور قاتمة لإسرائيل نوعاً ما. ولكن بإدراك متأخر، وبدراسة دقيقة لعدد من الحقائق التي لم تأخذ بعين الاعتبار، أو تم كتمها أو التغاضي عنها، لسبب أو لآخر في ذلك الوقت، ظهرت صورة مختلفة تماماً؛ معاكسة تماماً لما جعل العالم الخارجي يعتقد من خلال النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. وهو أنه كان على إسرائيل أن تتصرف أولاً، للنجاة من الهزيمة على أيدي جيرانها العرب. في بادئ الأمر، كانت قوات الطوارئ الدولية، والتي تسمى بالعازل ضد الأعمال العدائية بين إسرائيل ومصر على الجانب المصري من قطاع غزة، قد انسحبت بناء على طلب عبد الناصر. إلا أن وجود قوات الأمم المتحدة كان صورياً طوال الوقت، وكانت النتيجة الوحيدة لاختفائها تسهيل تحرك القوات الإسرائيلية ضد القوات المصرية المطمئنة في غزة في اليوم الأول من الحرب، 5 حزيران/يونيو.

Advertisement
Fanack Water Palestine