بعد وقتٍ قصير من الإطاحة بالدكتاتور السابق زين العابدين بن علي في يناير 2011، أصبحت تونس أكبر مُصدّر للمقاتلين الجهاديين في العالم. ويقدر خبراء الأمم المتحدة أن أكثر من 5500 تونسي انضموا إلى تنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا والعراق وليبيا. ويخشى بعض المراقبين من أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
واليوم، تستعد تونس لعودة المئات وربما الآلاف من هؤلاء المقاتلين في أعقاب الهزيمة الساحقة التي عانت منها داعش في جميع أنحاء المنطقة. وبعد الكثير من النقاش، لا يزال هناك انقسامٌ في الرأي بين التونسيين حول ما يجب فعله معهم بمجرد عودتهم.
وبالفعل، اتخذ الرئيس الباجي قائد السبسي خطوةً جريئة بالتوقيع على قانونٍ مثير للجدل لمكافحة الإرهاب يزيد بشكلٍ كبير من مراقبة الدولة للأفراد. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن هذه الخطوة ليست منتجة ولا تحترم الحريات المدنية.
فقد قام رضا الرداوي، الذي شارك في تأليف تقريرٍ حول الإرهاب في تونس من قِبل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بالضغط على الحكومة لتنفيذ برنامج إعادة تأهيل، بهدف مساعدة الجهاديين على إعادة الاندماج في المجتمع. وشدد على أن المراقبة الفائقة للدولة والتهديد بالسجن “يُبعد الجهاديين.”
وقال إن التهديد بانتقام الدولة قد يردع الآلاف من المقاتلين عن العودة إلى الوطن، مما يجعلهم يتحصنون بشكلٍ أعمق في شبكات الإرهاب في الخارج.
وبطبيعة الحال، يتمثل أسوأ سيناريو بشن المقاتلين هجماتٍ عند عودتهم إلى تونس، كما فعل البعض في عام 2015 في المنتجع الشاطئي ومتحف باردو في العاصمة تونس.
ويبدو أن الطبقة السياسية التونسية قد توصلت إلى نفس النتيجة. ففي أوائل سبتمبر 2017، أعلنت البلاد عن إطلاق برنامج تجفيف منابع التطرف، على الرغم من أن محتوياته لا تزال يلفها الغموض.
في حين كتبت أليساندرا باجيك، الصحفية الإيطالية التي تابعت القضية، أن العديد من المفكرين ونشطاء المجتمع المدني يرفضون قبول عودة الجهاديين، حتى أن العديد منهم دافع عن تجريد المقاتلين من جنسيتهم أو سجنهم مدى الحياة. وفي حين أن المقترح الأول غير دستوري، فإن المقترح الثاني يتطلب من الدولة رفع دعاوى قضائية ضد المقاتلين، وهو أمرٌ صعب دون الحصول على أدلةٍ ملموسة على الجرائم المرتكبة.
وعلى عكس العديد من سكان المدن الساحلية في تونس، ترحب المجتمعات في المناطق الداخلية والجنوبية الفقيرة بعودة المقاتلين الأجانب الذين ينحدرون إلى حدٍ كبير من هذه المناطق. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر على ذلك، مدينة بن قردان، المدينة على الحدود الليبية، حيث أهملت الدولة سكانها منذ فترةٍ طويلة، مما جعلهم عرضة للتجنيد الجهادي.
فخلال الاحتلال الأميركي للعراق، غادر آلاف الرجال من بن قردان للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق، باكورة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش.” ويقال إن أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان زعيم الجماعة آنذاك، قال إنه لو كانت بن قردان مدينةً قريبةً من مدينة الفلوجة العراقية، لكان بمقدور تنظيم القاعدة في العراق “تحرير” البلاد من القوات الأمريكية.
ولكن في بن قردان في تونس، يُشكل الجهاديون المحليون تهديداً أمنياً خطيراً على البلاد. ففي 13 مارس 2016، اقتحم عشرات المتمردين المدينة، وأصابوا ضباط شرطة وجنود. وحاول المقاتلون، الذين تعهدوا بولائهم لداعش، الاستيلاء على المدينة لكنهم فشلوا. ومع انتهاء المعركة، تم الإعلان عن مقتل 36 من المتمردين و12 من رجال الأمن.
وقال أحد السكان ويدعى صبري بن صالح لرويترز “كان معظم [المقاتلين] من بن قردان، نحن نعرف وجوههم. كانوا يعرفون موقع منزل قائد شرطة مكافحة الارهاب.” وأضاف “كانوا يتجولون في سيارة بأسلحة، وقال جيراني يعرفون بعضهم.”
وكحال معظم المدن البعيدة عن الساحل، دفع نقص الفرص في بن قردان العديد من الشبان للبحث عن أجرٍ يُغطي تكاليف المعيشة أو إحساسٍ بالانتماء من خلال اللجوء إلى التطرف.
ولهذا السبب بالتحديد، زعمت إليسا ميلر، وهي زميلة غير مقيمة في مركز رفيق الحريري في الشرق الأوسط التابع لمجلس الأطلنطي، أن أي برنامجٍ لإعادة التأهيل يجب أن يعالج أيضاً أوجه عدم المساواة الهيكلية التي تجعل التونسيين عرضة للتطرف. واقترحت أن يواكب البرنامج سياساتٍ تعمل على تحسين الاقتصاد في المناطق الفقيرة.
وقالت ميلر في مقابلةٍ مع منصة أسبينيا الايطالية على الانترنت “ما الفائدة من إعادة تأهيل هؤلاء الشباب واعادتهم الى نفس الوضع الذي جاءوا منه؟” وتابعت القول “يجب أن تطرأ تغييرات على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمناطق المحرومة في البلاد.”
وقالت إن من المهم بنفس القدر أن تُبلغ الحكومة مواطنيها بأهمية برنامج إعادة التأهيل.
وبالفعل، حاول البعض ذلك، ففي عام 2014، وثق المخرج التونسي يوسف بن عمار مصير العائلات التي انضم أبناؤها إلى الجماعات المتطرفة في الخارج. وركز فيلمه بشكلٍ خاص على عائلة واحدة، التي أصبح ابنها صديق، البالغ من العمر 16 عاماً، جهادياً في ليبيا.
فقد أراد بن عمار تحدي وجهة النظر السائدة بضرورة معاملة المقاتلين الهاربين كإرهابيين ومنعهم من العودة إلى ديارهم. فقد تساءل، ماذا عن الأولاد مثل صديق؟ هل يجب معاملتهم كإرهابيين أيضاً أو كأطفال هاربين؟ كما ألمح الفيلم إلى فكرة أن هناك حاجة إلى برنامج إعادة تأهيلٍ أوسع.
كما أعربت أيضاً اعتماد مهنا مطر، وهي زميل أبحاث مساعد في مركز الشرق الأوسط التابع لكلية لندن للاقتصاد، عن اهتمامها بالجهاديين التونسيين الشباب. فقد أجرت دراسةً تتضمنت مشاركة 28 شاب تونسي سلفي بين عامي 2014 و2016، ووجدت أن جميعهم تخلوا طوعاً عن معتقداتهم العنيفة لصالح موقفٍ سلفي أكثر واقعية يدعم المشاركة السياسية.
واستناداً إلى بحثها، نصحت مهنا-مطر الدولة بتقديم الدعم النفسي للشباب والأطفال الذين يعانون من الصدمة بسبب الوحشية التي شهدوها أو ارتكبوها. وأشارت إلى أن آخرين لربما يشعرون بالحزن بعد أن ذهب حلم الخلافة الإسلامية أدراج الرياح.
كما أوصت بأن تلتمس الحكومة التونسية مشورة مختلف الأخصائيين، بما في ذلك الخبراء في الأيديولوجية الجهادية. وعلى الرغم من الجرائم التي ارتكبها العديد من المقاتلين الشبان، فإن برنامج إعادة التأهيل يجب أن يكون حريصاً على عدم وصمهم بالعار، بل تمكينهم اجتماعياً واقتصادياً للإنتقال إلى حياةٍ طبيعية.