وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وقف إطلاق النار بدعم الأمم المتحدة يخفف كرب الشعب السوري إلا أنه من غير المحتمل أن ينتهي بحلٍ سياسي

وقف إطلاق النار
رجل يبيع حلوى الغزل في أحياء دمشق بعد تنفيذ وقف إطلاق النار في 27 فبراير 2016 بين الجيش السوري و الثوار في دمشق، سورية، 13 مارس 2016. Photo Corbis

التقت في نوفمبر 2015 المجموعة الدولية لدعم سوريا في فيينا لبحث سبل إنهاء الصراع السوري، حيث أعرب أعضاء المجموعة الدولية لدعم سوريا بالإجماع عن ضرورة وضع حدٍ لمعاناة الشعب السوري، وتدمير سوريا، والزيادة المتتالية في الإرهابيين الذين يجذبهم القتال في البلاد. كما أكدت المجموعة أيضاً على ضرورة تطبيق وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية بعد وقتٍ قصير من بدء ممثلين رسميين عن كلٍ من الحكومة السورية والمعارضة خطواتٍ جادة نحو إنتقالٍ سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة وعلى أساس بيان جنيف لعام 2012.

وبالتوازي مع اجتماع المجموعة الدولية لدعم سوريا، تعهدت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بدعم بعثة وقف إطلاق النار الذي أقرته الأمم المتحدة في أجزاء من سوريا، التي لن يتعرض فيها المراقبون لتهديد هجمات الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وجبهة النصرة.

وبعد حوالي ثلاثة أشهر، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، باعتبارهم أعضاء في المجموعة الدولية لدعم سوريا، على فرض وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، اعتباراً من 27 فبراير 2016. وخلافاً لاتفاقيات وقف النار التي أجهضت سابقاً، نسقت روسيا والولايات المتحدة الأمريكية فيما بينهما للقيام بدور الضامن والمراقب المباشر لوقف الأعمال العدائية في سوريا. وفي حال استمر وقف إطلاق النار إلى حدٍ مقبول، يمكن أن يمهد الطريق أمام المصالحة بين الحكومة السورية وقوات المعارضة المعتدلة، على أمل تهيئة الأجواء لانتقالٍ سلمي يُنهي الاضطرابات العنيفة المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا.

رفع وقف إطلاق النار الأمل بوجود فترة للراحة في سوريا، لأن ذلك من شأنه تخفيف معاناة الناس في جميع أنحاء البلاد التي مزقتها الحرب. ومباشرة بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تدخلت الأمم المتحدة وشركاؤها لإيصال شحنات من الغذاء والماء والدواء، فضلاً عن خططٍ لمساعدة ما يقرب من 1,7 مليون شخص في المناطق التي “يصعب الوصول إليها” بحلول نهاية مارس. وقال مبعوث الأمم المتحدة في سوريا، ستيفان دي ميستورا لرويترز، أن الأمم المتحدة أجلّت أيضاً الجولة القادمة من محادثات السلام المزمع عقدها في 7 مارس، ليومين، لإتاحة الفرصة لتثبيت الهدنة في البلاد.

تهدف منظمات الإغاثة إلى استخدام الهدوء في القتال، الذي أودى بحياة ما يقدر بنحو 270,000 شخص وتشريد نصف السكان، لإيصال المؤن اللازمة. وقال الهلال الأحمر العربي السوري أنّ عمال الإغاثة بدأوا تسليم أول شحنات من المساعدات الإنسانية إلى السوريين بعد يومين من دخول الهدنة حيز التنفيذ، مع دخول عشرات شاحنات المساعدات إلى معضمية الشام، جنوب غرب دمشق، المحاصرة والتي يُسيطر عليها المتمردون. وقبل وقف إطلاق النار، لم تدخل سوى شاحنتين من المساعدات إلى المدينة في فبراير الماضي.

وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أنّ شهود عيان في دمشق قالوا أنهم لاحظوا انخفاض معدل القصف خلال وقف إطلاق النار، وفي أجزاء من حلب، ثاني أكبر المدن السورية، خرج الأطفال في اليوم الدراسي الأول من الأسبوع إلى مدارسهم دون خوف من الهجمات الصاروخية.

وفي 14 مارس، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انسحاب “الجزء الرئيسي” للقوات الروسية من سوريا بعد خمسة أشهر ونصف من العمليات العسكرية، وهي الخطوة التي لاقت ترحيباً دولياً تمهيداً للجهود الدبلوماسية لدفع محادثات السلام في جنيف، على أمل إنهاء الحرب المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا.

انتهاكات وقف إطلاق النار تهدد الآمال بإنهاء العنف

على الرغم من ارتفاع سقف التوقعات بأنّ وقف إطلاق النار من شأنه أن يضع حداً للعنف ويخفف من الوضع المأساوي للشعب السوري، إلا أنّ المؤشرات تدل على أنّ وقف إطلاق النار قد ينهار قريباً. فقد ذكرت التقارير أنه لم يكن هناك وقفٌ كامل للضربات الجوية في المناطق التي يشملها الاتفاق، كما أنّ الأطراف المتحاربة تلوم بعضها بعضاً على خرق وقف إطلاق النار.

فقد استثنى وقف إطلاق النار الجماعات الجهادية المسلحة مثل داعش والنصرة وأحرار الشام. فلا النظام السوري ولا روسيا، على الرغم من انسحابها العسكري الجزئي من البلاد، أوقفت هجماتها في أنحاء سوريا على الجماعات التي تصفها بـ”الإرهابية،” كما واصلت الولايات المتحدة الأمريكية هجماتها. ولا تزال هذه الجماعات “الإرهابية” ناشطةً في مساحات واسعة من الأراضي السورية، سيما في الشرق والجنوب الغربي، وهو ما يعني أن هذه المناطق ستظل مناطق نزاع محفوفة بالمخاطر.

كما زعمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان توثيق 14 انتهاكاً منفصلاً من قِبل كلٍ من روسيا والنظام في اليوم الأول من الهدنة، مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، حيث تمت اثنتين من الهجمات بالبراميل المتفجرة في شمال غرب سوريا. وبالمثل، قالت كلاريسا ورد، مراسلة شبكة سي إن إن، أن سكان بلدة دارة عزة في ريف حلب لم يكونوا متفائلين بوقف إطلاق النار، بالنظر إلى أعداد القتلى من المدنيين بسبب “ازدياد” القصف الجوي الروسي والسوري. وأشارت ورد إلى أنّ العديد من السكان في المناطق التي يُسيطر عليها المتمردون يعارضون وقف إطلاق النار، لأنهم يرون في وقف الأعمال العدائية “خدعة يتبعها النظام للسيطرة على المزيد من الأراضي.”

ومن جانبه، نفى النظام السوري خرق وقف إطلاق النار، محملاً المسؤولية في ذلك على المتمردين. وقال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلةٍ له مع تلفزيون ARD الألماني “سنقوم بما يترتب علينا لإنجاح الأمور،” مدعياً أن الجيش السوري “امتنع عن الرد للمحافظة على الاتفاق.” كما اتهم الأسد “الإرهابيين” بخرق اتفاق وقف الأعمال القتالية منذ الساعة الأولى.

المخاوف الإقليمية والدولية بشأن وقف إطلاق النار

أعربت الأطراف الإقليمية والدولية عن مخاوفها من أنّ انتهاكات وقف إطلاق النار الهش بالفعل ستؤدي إلى انهياره. فقد دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت، متحدثاً على هامش الاجتماع السنوي لمجلس حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة الذي عُقد في 29 فبراير، عقد اجتماعٍ عاجل لمجموعة العمل التي تدعمها الأمم المتحدة للإشراف على “وقف إطلاق النار الهش في سوريا لتقييم مجموعة من الإنتهاكات… في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المعتدلة.” وأكدّ أيضاً على ضرورة محاسبة جميع مرتكبي الإنتهاكات في سوريا مُشيراً إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وقال الأمين العام لحلف شمال الاطلسي، ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي في العاصمة الكويت “رأينا علامات مشجعة على أن وقف اطلاق النار صامد إلى حد كبير، لكن في الوقت نفسه رأينا بعض التقارير عن انتهاكات.” وشدد على “ضرورة احترام جميع أطراف (النزاع) للاتفاق،” ولكنه أشار أيضاً إلى أن حلف شمال الأطلسي كان قلقاً أيضاً بشأن التعزيزات العسكرية الروسية والقصف الجوي الروسي الذي استمر لخمسة أشهر دعماً للأسد.
من جهته، رحب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بحذر بوقف إطلاق النار، قائلاً أن اسرائيل لن تقبل “العدوان” الإيراني أو توريد الأسلحة المتطورة إلى ميليشيا حزب الله الموالية لإيران. وشدد نتنياهو على أن أي اتفاق “يجب أن يشمل وقف استخدام الأراضي السورية لشن هجمات من قِبل إيران تستهدف إسرائيل.”

كما رفض وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، هذه المخاوف حول نجاح وقف إطلاق النار، قائلاً “نحن نسير في الاتجاه الصحيح… ووقف الأعمال العدائية يثبت.”

ويقول مراقبون أنّ فرص تشكيل وقف اطلاق النار انفراجاً في التحول السياسي السوري بشكلٍ عام ضئيلة، نظراً للمناهضة القوية من قِبل جماعات المعارضة المحلية والقوى الإقليمية، بما فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى. ومع ذلك، ربما يعزز اتفاق وقف إطلاق النار وصول الشعب السوري للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، ذلك أنّ النظام والمعارضة على حد سواء اتفقتا على رفع الحصار المدمر الذي فُرض على المدن السورية وذلك تحضيراً لإيصال المساعدات.

وفي مارس، استهلت مفاوضات سلام جديدة في جنيف، ولكن كان من المتوقع أن تخرج ببعض النتائج. من جهةٍ أخرى، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا أن عملية الانتقال السياسي في دمشق هي “أم القضايا كلها،” ولكن أياً من الطرفين، سواء الحكومة أو المعارضة، على استعداد بعد لتقديم تنازلاتٍ بشأن مستقبل الرئيس الأسد.