وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليمن: الكوليرا زمن الحرب

Yemen- Cholera
طفل مصاب بالكوليرا يتلقى العلاج الطبي في مشفىً في صنعاء، اليمن، 13 أيار 2017. Photo Eyevine

فشلت الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، التي بدأت في مارس 2015، في إخضاع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، حتى الآن.

كما أنّ الحوثيين ليسوا أقرب إلى تحقيق النصر أيضاً. فحتى وقت كتابة هذا التقرير، كانوا لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء والعديد من المناطق المحيطة بها، على الرغم من الغارات الجوية التي دمرت مستودعات الذخيرة والقواعد. فقد دمر هذا الجمود، الذي لا يتوقع حله في أي وقتٍ قريب، البلاد. وتقدر الامم المتحدة أن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص لقوا حتفهم وشرّد 3 ملايين شخص آخرين، فضلاً عن أن ما يُقدر بحوالي 19 مليون شخص بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية.

فقد كانت آخر الكوارث التي ضربت البلاد تفشي وباء الكوليرا. وذكرت منظمة الصحة العالمية أنه تم الابلاغ عن ما يقرب من 167 ألف حالة منذ انتشار المرض فى أبريل 2017 بينما لقى 1446 شخصاً مصرعهم.

والكوليرا هو أحد الأمراض البكتيرية التي تنتشر بسبب المياه الملوثة. وفي حال لم يعالج، يمكن أن يتسبب بموت المصاب في غضون ساعات. وقد ساهمت الحرب الجارية في تفشي المرض الحالي، وفقاً للأمم المتحدة، ولكن الكوليرا ليست جديدةً على اليمن. فلم تكن المياه في اليمن نظيفةً يوماً، كما أنه لطالما شكلت مرافق الصرف الصحي والاكتظاظ السكاني مشكلةً في البلاد، سيما في المناطق الحضرية الفقيرة. كما أدى انهيار الخدمات الأساسية مثل جمع القمامة وإدارة النفايات السائلة والصلبة إلى خلق قاعدة مثالية لانتشار المرض.

فبالإضافة إلى ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية، ليس من المستغرب أن يصل المرض إلى أبعاد وبائية. وقال الدكتور لؤي شبانه، المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يعمل مع الحوامل والأطفال حديثي الولادة، لـFanack “من المرجح أن تُصاب 1,1 مليون امرأة مصابة بسوء التغذية بالكوليرا، مما سيزيد من المضاعفات ويعرضهنّ لخطر الموت.”

ومن المفارقات أن الكوليرا ليست من الأمراض التي يصعب علاجها، فتعويض السوائل باستخدام أملاح الإماهة الفموية أو محلولٍ في الوريد، وفي الحالات الشديدة، أخذ المضادات الحيوية، يوفر فرصاً جيدة للبقاء على قيد الحياة. بيد أن ذلك يتطلب أدويةً ونظاماً صحياً فعالاً. تتم عرقلة توافر ما ذكر آنفاً بالحصار البحري والبري والجوي، الذي يفرضه التحالف، حيث انهارات المطارات على وجه الخصوص.

بل قد تساهم المرافق الصحية العاملة في المشكلة، حيث من المرجح أن المرضى ينقلون المرض بين بعضهم البعض. وتوجد هذه المرافق بشكلٍ حصري تقريباً في المدن الرئيسية، إذ لا يحصل المرضى في المناطق الريفية أو المعزولة إلا على الحد الأدنى من فرص الحصول على الرعاية الطبية، وغالباً ما يُمنع العاملين في مجال المعونة من الوصول إليهم من قبل الفصائل المتحاربة الذين يسيطرون على الطرق.

ومؤخراً، وفي محاولةٍ لوقف هذا الوباء، اتخذت اليونيسف، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، خطوةً غير اعتيادية بدفع الأموال للعاملين اليمنيين في المجال الطبي، الذين لم يتلقوا رواتبهم لعدة أشهر. وقال جيرت كابيلير، المدير الإقليمي لليونيسف في مقابلةٍ مع صحيفة نيويورك تايمز، أن العاملين في المجال الصحي في اليمن يلعبون دوراً غاية في الأهمية في جهود مكافحة الكوليرا، ولا ينبغي أن يتوقع منهم العمل مجاناً.

كما تم تعميم تعليماتٍ لصنع محاليل بسيطة لتعويض السوائل من العسل أو السكر أو الملح مع الماء على وسائل التواصل الاجتماعي لأولئك الذين يعتمدون على أنفسهم في العلاج. ومع ذلك لا يزال من المشكوك فيه ما إذا كان المواطنون الأكثر فقراً قادرين حتى على تحمل ذلك، على افتراض أنهم يدركون التعليمات. وفي هذا السياق، قال الدكتور شبانة: “في الحالات التي يعاني فيها أي بلدٍ من صراعٍ وتكون بنيته التحتية غير مستقرة بالفعل، تصبح التدابير الأساسية ترفاً.”

كما أن الفساد مشكلةٌ أخرى مستوطنة في اليمن، تماماً كحال المياه غير الآمنة، ويمكن القول أنه من الصعب، على الأقل، اجتثاثها. وأوضح أحد سكان صنعاء، الذي يعيش في أحد الأحياء الفقيرة التي تنتشر فيها النفايات في المدينة، لـFanack الحال. “يشتري الحوثيون الأدوية، التي تقدمها منظمات مثل اليونيسف، من المستشفيات ومن ثم يتم بيعها إلى الصيدليات خارج المستشفيات.”

تقوم هذه الصيدليات ببيعها للعملاء. ويُضيف “من المفترض أن تكون مجانية. وعلى الرغم من أنها لا تباع بسعرٍ مرتفعٍ جداً، إلا أن معظم الناس أصبحوا فقراء جداً ولا يملكون القدرة لشرائها، حتى وإن كانت رخيصة الثمن.” وبالتالي، وعلى الرغم من أن من المقرر أن يصل “أكبر مخزون من لقاح الكوليرا” إلى اليمن في أوائل يوليو، ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن تصل الأدوية في نهاية المطاف لمن هم في أشد الحاجة إليها.

فمن المسؤول عن تفشي المرض؟ السعوديون والحوثيون يلومون بعضهم البعض.

وعلى ما يبدو يبقى السؤال جدلياً مع تنامي أعداد الموتى. ولكن إذا ما كان أحد الأطراف يلوم الآخر، فمن المتوقع جداً ألا يوجد سوى القليل من التعاون، كما قد تؤدي حملات التلقيح إلى اندلاع توتراتٍ جديدة حول من يحصل على الدواء وأين.

ومع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة في الصيف، وخاصة في المناطق الجنوبية من تهامة والساحل الجنوبي، وموسم الأمطار الذي يبدأ في المرتفعات الشمالية، من المرجح أن يصبح احتواء انتشار المرض أكثر صعوبة. يراكم هذا أيضاً مشاكل آخرى ترافقه، إذ سيحاول الناس فعل أي شيء، تقريباً، للحصول على المال لشراء الدواء، منها على سبيل المثال لا الحصر، تسرّب الأطفال من المدارس وزواج القاصرات.