بلغ عدد سكان مصر 94,8 مليون نسمة في أبريل 2017، وفقاً لآخر تعدادٍ أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري. فقد عرضت نتائج التعداد السكاني في شهر سبتمبر 2017، وبحلول الشهر الذي يليه، بلغ عدد السكان على موقع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري 95,82 مليون نسمة.
ومنذ ثورة عام 2011، ازداد عدد سكان مصر بنسبة تفوق الـ2%- أو حوالي مليونيّ نسمة- في السنة. فقد تضاعف عدد السكان منذ عام 1986 ونما بمقدار 22 مليون نسمة خلال العقد الماضي وحده، وفقاً لتعداداتٍ سكانية سابقة.
فما سبب هذه المشكلة؟ تعتبر مصر من البلاد ذات المساحة الشاسعة، إلا أن 95% من سكانها يعيشون على 5% فقط من الأراضي الواقعة في وادي النيل ودلتا النيل. فقد أصبحت مدنٌ مثل القاهرة والاسكندرية شديدة الاكتظاظ، فضلاً عن الآثار المدمرة بسبب حركة المرور والصرف الصحي ونوعية الهواء. فضلاً عن ذلك، تقع غالبية الأراضي الزراعية على طول ضفاف نهر النيل. ومع تشييد كل مجمع للشقق، تتم خسارة أراضٍ زراعية قيّمة.
تعيش ربة المنزل أكابر فيما كان في السابق إحدى ضواحي القاهرة، بالقرب من أهرامات الجيزة. وقد شهدت أكابر ابتلاع المدينة لحيها رويداً رويداً، إذ تقول “كنا نرى الأهرامات من سطح المنزل، وكانت هناك حقول خضراء في كل مكانٍ حولنا. ولكن اليوم، نحن محاطون بالعمارات السكنية.”
وأثناء قيادتنا على الطريق الدائري في القاهرة، لم نرى سوى صفوف متتالية لهذه العمارات السكنية الجديدة وغالباً غير المكتملة على مد البصر. وفي الريف أيضاً، تبتلع المباني التقليدية ذات الطوب الأحمر ببطء الحقول الزراعية.
وبالنظر إلى أن حوالي ربع السكان يعملون في مجال الزراعة، وكون مصر بالفعل أكبر مستورد في العالم للقمح، فلا تستطيع البلاد حقاً تحمّل خسارة المزيد من أراضيها الخصبة. أضف إلى ذلك حقيقة أن مصر تعتمد إعتماداً كليّا تقريباً على النيل كمصدرٍ لموارده المائية، وبحصة تبلغ 660 متر مكعب فقط، تعد بالفعل حصة الفرد الواحد من المياه واحدة من الأدنى تقريباً في العالم، إذ بات من الواضح اليوم لماذا يُشكل النمو السكاني مثل هذا التهديد. وإذا ما استمر معدل النمو الحالي، سيصل عدد السكان إلى 128 مليون نسمة بحلول عام 2030 وأكثر من 150 مليون نسمة في عام 2050.
يعزى هذا النمو إلى ارتفاع معدلات الخصوبة (عدد الولادات لكل إمرأة)، البالغ 3,53 (وفقاً لتقديرات عام 2016). وفي المقابل، تبلغ معدلات الخصوبة في الاتحاد الأوروبي 1,58. ومع ذلك، هناك المزيد من العوامل المؤثرة.
وفي لقاءٍ لنا مع نهلة عبد التواب، ممثل مجلس السكان الدولي، قالت “علينا أن نضع بعين الاعتبار أن مجتمع مصر فتيّ بسبب ارتفاع معدلات الخصوبة على مدى العقود الماضية.” وأضافت “وبالتالي، في كل عام تدخل أعداد كبيرة من النساء سن الإنجاب، إذ أن نصفهن يتزوجن في أوائل العشرينات وينجبن أطفالهن بعد فترة قصيرة من الزواج.”
حتى أن الفتيات اللاتي يتزوجن بسنٍ أصغر يسرعنّ النمو: 16% من الفتيات يتزوجن تحت السن القانوني البالغ 18 عاماً، كما صرّحت وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، نتيجةً لما يُسمى بالزواج العرفي. ويعتبر هذا عُرفاً أكثر من كونه عقد زواجٍ معترف به قانوناً، إلا أن العامة يعترفون به على نطاقٍ واسع بكونه زواجاً شرعياً. وعندما يبلغ الزوجان سن الـ18، يمكنهما إضفاء الصفة القانونية على الزواج.
وقالت عبد التواب بهذا الشأن “يشكل الزواج المبكر مشكلةً في المناطق الريفية، وبخاصة في صعيد مصر.” وأضافت “النساء اللاتي يتزوجن مبكراً ينجبن المزيد من الأطفال، إذ لا يقتصر الأمر فقط على طول فترة سن الإنجاب لديهن، بل أيضاً لأنهن عادةً ما ينتمين إلى طبقاتٍ اجتماعية- اقتصادية أقل، وبالتالي يؤيدنّ هنّ وأزواجهنّ معايير أكثر تحفظاً فيما يتعلق بالخصوبة.”
ومن الجدير بالملاحظة تباطؤ معدل النمو السكاني في ظل عهد الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن المعدلات شهدت ارتفاعاً مرةً أخرى بعد الإطاحة بمبارك وعدم الاستقرار السياسي اللاحق.
وقالت عبد التواب “أدت الثورة إلى تعطيلٍ مؤقت لأنشطة وزارة الصحة المتعلقة بالرعاية الوقائية.” وأضافت أن الإخوان المسلمين الذين خلفوا حكم مبارك عارضوا تنظيم الأسرة وعلقوا العديد من برامج وزارة الصحة.
واليوم، تستيقظ الحكومة الحالية على خطر النمو السكاني السريع. وفي خطابٍ برلماني في مطلع أكتوبر2017 ، وصف رئيس الوزراء شريف إسماعيل “النمو السكاني غير المسبوق” بأنه “أكبر تحدٍ” تواجهه البلاد. وحذر من أن الزيادة السكانية قد تهدد النمو الاقتصادي الذي بدأ يتعافى بعد سنواتٍ من الركود. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمرٍ للشباب في يوليو2017 أن النمو السكاني يحتل المرتبة الثانية بعد الإرهاب باعتباره أكبر خطرٍ يهدد مصر.
وخلال الحدث الذي عقد في أبريل 2017، وصفت الوزيرة والي النمو السكاني في مصر بـ”الكارثة الحقيقة،” إذ قالت ان نقص الوعي وعدم الوصول إلى وسائل تحديد النسل كانت المحركات الرئيسية. وأضافت أنه سيتم تدريب عشرات الآلاف من الشباب على حملات طرق الأبواب لزيادة الوعي، وأن وزارتها ستخصص 100 مليون جنيه (5,7 مليون دولار) لمنظمات المجتمع المدني لزيادة الوعي في المدارس والمستشفيات.
وبعد ثلاثة أشهر، أطلقت والي حملة “اثنين كفاية،” الممولة جزئياً من صندوق الأمم المتحدة للسكان. تركز الحملة على رفع الوعي من خلال ورش العمل والمؤتمرات وتوزيع حبوب تنظيم النسل. كما ستسفيد النساء اللواتي ليس لديهن أكثر من طفلين من الدعم المقدم من قبل الوزارة.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الصحة عن خطةٍ في أغسطس 2017 لتثقيف النساء في المناطق الريفية بشأن تنظيم الأسرة وتحديد النسل. وذكرت وكالة رويترز انه سيتم نشر حوالى 12 ألف من دعاة تنظيم الاسرة فى المحافظات الريفية. وتدير الوزارة بالفعل 6 آلاف عيادة لتنظيم الأسرة والتي تقدم وسائل منع الحمل المدعومة بشدة.
ومع ذلك، كتبت مجلة الإيكونوميست في مقالٍ عام 2015 أن 99% من النساء في سن الإنجاب يعرفن كيفية منع الحمل- وهي نسبة أكدتها عبد التواب- مما يشير إلى أن المصريين يريدون ببساطة أسراً أكبر. “السؤال الأهم هو مدى معرفة هؤلاء النساء عن كل طريقة. فالنساء وحتى مقدموا الرعاية الصحية لديهم مفاهيم خاطئة حول أساليب تنظيم الأسرة، وبالتالي فإن معدلات التوقف عن استخدامها مرتفعة.”
ومع ذلك، فإن الرغبة في تكوين أسرة كبيرة حقيقي. وتقول عبد التواب “الأطفال، وبخاصة الأولاد، يمنحون ابائهم شعوراً بالفخر والقوة.” وتُضيف “كما أن الأطفال مصدر للدخل… فالأسر الفقيرة تفكر ملياً بتكاليف وفوائد إنجاب أطفال أقل، ولكن للأسف يدركون أن انجاب المزيد من الأطفال أمر مربح أكثر، على المدى القصير على الأقل.”
فمن الشائع أن توظف المقاهي المحلية والمطاعم الشعبية في شوارع القاهرة الأطفال دون السن القانونية، الذين يأتون غالباً من قرى صعيد مصر، إذ يُفضل كسب المال في القاهرة على ارتياد المدرسة. وفي عدة حالاتٍ نعرفها في فَنَك، يعود الأولاد إلى قراهم خلال فترة الامتحانات فحسب.
وأوضحت عبد التواب “يمكن أن يجني الطفل الذي يعمل في ورشة أو في مزرعة ما يصل إلى 100 جنيه (6 دولارات) في اليوم.” وتابعت “ومن ناحيةٍ أخرى، إذا ما ذهب الطفل إلى المدرسة ستضطر عائلته إلى دفع تكاليف اللوازم المدرسية، وأجور النقل، والزي المدرسي، والدروس الخصوصية… وحتى إذا ما أكمل الطفل أو الطفلة تعليمهم الجامعي، فإن فرص أن يصبحوا عاطلين عن العمل مرتفعة، وحتى أولئك المحظوظون بما فيه الكفاية للحصول على وظيفة قد لا يجنون 100 جنيه في اليوم.”
إذاً، ما الذي يمكن فعله للسيطرة على النمو السكاني. وفقاً لعبد التواب، لا تقع المسؤولية على عاتق الدولة فحسب، بل يجب أيضاً إشراك القضاء والمنظمات غير الحكومية والإعلام والقطاع الخاص. كما ترى أنه يمكن لعددٍ من الخطوات قصيرة الأجل أن تساعد أيضاً في إبطاء النمو، مثل تثقيف العامة حول “مزايا الأسر الصغيرة،” وتحسين توافر وسائل منع الحمل، وتدريب العاملين في المجال الطبي على تنظيم الأسرة. أما على المدى الطويل، فهي تؤمن بأهمية تعليم الفتيات، وتشديد تطبيق الحد الأدنى لسن الزواج، وتمكين المرأة في القوى العاملة.
ومع ذلك، من أجل كسر الرغبة الثقافية والمالية على حد سواء لتكوين أسرٍ كبيرة، فمن الضروري أيضاً انتشال الناس من براثن الفقر وتحسين النظام التعليمي للفتية والفتيات على حد سواء. ومع استمرار النمو السكاني، نخشى أن الوقت بدأ ينفذ بالفعل.