وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الراب في مصر: محاربة الرقابة وسط حملة الدولة لفرض النظام

– القاهرة، مصر – الراب يحظى بشعبية كبيرة في الشوارع المصرية Copy Right Anadolu Agency, HH, 2014

أصبحت موسيقى الراب المصرية مشحونة سياسياً على نحوٍ متزايد خلال السنوات الأخيرة من حكم الديكتاتور حسني مبارك. فالفقر، ووحشية الشرطة، وفساد الدولة، جميعها مواضيع مشتركة، إذ كان هذا النمط الموسيقي معروفاً بشكلٍ جيد، إلا أنه لم يكن متداولاً.

فقد جنّب الاهتمام السائد مؤلفي الأغاني الأكثر جرأة في مصر، القمع من قِبل الدولة. فمثلاً، ذهبت فرقة DaCliQue 203، وهي فرقة راب من مدينة الاسكندرية، إلى حدّ انتقاد مبارك وابنه الأصغر، الذي يعتقد كثيرون أنه تم إعداده ليخلف والده في رئاسة الجمهورية، صراحةً.

أطلقت أغنيتهم، يا عم الحج، في عام 2009، والتي حملت كلماتٍ جريئة حيث حظي الفيديو المرافق لها بعشرات الآلاف من المشاهدات. “أصدرنا قبل يا عم الحج أغنية أخرى تنتقد سلوك المجتمع. لم نكن نتطرق فقط في أغانينا للسياسية، فقد كنا نريد أيضاً معالجة القضايا الاجتماعية،” هذا ما قاله لنا شاكور، وهو الإسم الفني لأحد أعضاء فرقة DaCliQue 203. ولم يكن شاكور وفرقته الوحيدين، فبعد تنحي مبارك عام 2011، استغل مغنيو الراب حرية الإعلام غير المسبوقة. فيما خطت موسيقى الهيب هوب، المتجذرة في التعبير الجدلي، خطوتها.

بدأت رفليوشن ريكوردس، وهي فرقة راب تأسست عام 2006، تغني الراب حصراً عن السياسة بمجرد تولي الجيش السُلطة. وقال تمراز، وهو الاسم الفني لأحد الأعضاء المؤسسين، أنه شعر شخصياً بأن الرسالة تصل إلى الناس. وكيف لا؟ فقد سجلت فرقته بعض أكثر كلمات الأغاني هجوماً في مصر.ففي مارس 2011، أطلقت الفرقة أغنية “الثورة مستمرة.” وبعد فترة وجيزة، أغنية “عسكر كاذبون،” التي أصبحت الأغنية الأكثر شعبية ذلك العام. انتقدت الأغنية الأخيرة الجيش المصري، الذي أساء بشكلٍ متكرر للمتظاهرين في الأشهر التي سبقت أول انتخاباتٍ ديمقراطية في البلاد. فلم يكن يُمكن تصور التكلم ضد الجيش قبل ذلك الحين.

حافظ الراب المصري على توهجه بمجرد وصول الإخوان المسلمين بقيادة محمد مرسي إلى السلطة عام 2012. فقد أصبح الفنانون أكثر تركيزاً على إدراج الفروق البسيطة في موسيقاهم. وفي ذلك الوقت، كان المجتمع المصري أكثر حرية، ولكن أكثر استقطاباً. فقد حاول العديد من مغني الراب، سيما أولئك الذين خاب أملهم من جماعة الإخوان المسلمين، ردم فجوة الانقسامات بين الشباب المصري.

وقال أحمد هريدي، وهو مغني راب آخر من الإسكندرية، لمفتاح في عام 2013، “لن أقول [أن على مغنيي الراب] أن يكونوا محايدين. لكن ينبغي على [مغنيي الراب] أن يقفوا إلى جانب الأشخاص الصالحين. يجب أن [يكونوا] صادقين وألا يختلقوا الأمور، فعلى مغنيي الراب أن يعرفوا ما حدث بالضبط [في مصر] ومن ثم الكتابة عنه.”

ويصر مغنو الراب الآخرون، مثل بدر ضاحي، على أن الثورة لم تكتمل، ولا يزال يتعين تحقيق العدالة وتوفير حرياتٍ مدنية أكبر في ظل الحكومة الجديدة. وفي حال لم تفعل ذلك، يجب أن تخضع النخبة الحاكمة للمساءلة. وفي هذا المناخ من الاضطراب وعدم الثقة، أتخذ الفنانون موقفاً موحداً لجذب جمهور أكبر.

تغير كل شيء في يونيو 2013، عندما أطاح الجنرال عبد الفتاح السيسي بالرئيس المنتخب ديمقراطياً، محمد مرسي. وكما هو الحال في معظم البلاد، كان مغنيوا الراب الأكثر شهرة في مصر منقسمون حول المستقبل. ومع ذلك، سرعان ما كشف السيسي عن نيته خنق جميع أشكال المعارضة. أولاً، تم قتل أو سجن أنصار الإخوان المسلمون والناشطون العلمانيون، وبعدها، كممت الصحافة وعادت وحشية الشرطة بدافع الانتقام. أدت الحملة إلى تخويف النقاد ودفعتهم إلى الصمت، على الرغم من أن بعض مغنيي الراب البارزين رفضوا التراجع.

وفي أبريل 2016، أطلقت فرقة ريفليوشن ريكوردس أغنيتهم الأكثر جرأة بعنوان “ما يصحش كدا،” وهي عبارة يستخدمها السيسي بطريقة سلطوية عند مخاطبة المواطنين. فقد أخذت الفرقة صوت السيسي وأدرجته في لازمة الأغنية. كما قاموا أيضاً بتصوير الأغنية قبل تحميلها على اليوتيوب. وعند إطلاقها لأول مرة، حصلت الأغنية على أكثر من 20 ألف إعجاب. ومع ذلك، خشي أفراد الفرقة من انتقام الدولة، كما كانت التغطية الإعلامية للأغنية قاسية وتوقع تمراز تعرضه وأعضاء الفرقة للضرب والسجن.

لم يحصل أي من ذلك، غير أن صديق يعمل في القصر الرئاسي أخبر الفرقة أن الحكومة ستعتقلهم إذا ما أصدروا أغنية أخرى تتحدى الدولة. وقال تمراز لـFanack، “قررنا منذ تلك اللحظة عدم إصدار المزيد من الأغاني السياسية.” وأضاف، “الآن، أريد فقط الخروج من مصر.”

فهو ليس مغني الراب الوحيد الذي يريد مغادرة البلاد. فقد انتقلت فرقة Y-Crew، وهي أول فرقة هيب هوب في مصر، بالفعل إلى دبي. وقال شاهين، أحد أعضاء Y-Crew المكونة من عضوين “سنواصل غناء الراب إلى أن نموت.” وأضاف “لقد انتقدنا القضايا الاجتماعية والسياسية منذ أن بدأنا، ولكن عندما لم نرى أي تغيير، قررنا مغادرة مصر.”

تعمل فرقة Y-Crew اليوم على أسطوانة مطولة. وكحال غالبية الفنانين في مصر، يتجنبون المواضيع المثيرة للجدل. ولكن، هذا لا يعني أن موسيقى الراب لا تكتسب شعبية، إذ يتم تسجيل مئات الأغاني الجديدة، ولكن عوضاً عن التكلم عن السياسة، بات المزيد من الفنانيين يركزون على التوعية بالقضايا الاجتماعية.

فعلى سبيل المثال، F-Killa، وهو مغني راب من القاهرة، الذي وصفته صحيفة محلية باسم ” rap terminator،” واحد من العديد من الذين كتبوا كلمات أغانٍ عن إنتشار التحرش الجنسي. فيما عاد آخرون إلى غناء الراب عن أنفسهم أو تسجيل أغانٍ تُهين زملاءهم من مغني الراب. وعلى ما يبدو فإن هذا هو الاتجاه المتنامي، الذي لا يسعد الجميع. وقال تمراز أنّ الهوس الأخير بصنع أغانٍ لتمجيد الذات يقوض الجوهر الحقيقي للهيب هوب. ففي النهاية، كان أسلوب المواجهة ما جذبه بدايةً كصبي.

وكما أخبرنا، “وقعت في حب الراب بسبب حماسته،” وأضاف، “عندما استمعت لأول مرة لأغنية Gangster Paradise لـ Coolio، أحببتها جداً لأنها كانت تتحدث عن مشاكل حقيقية. في مصر، موسيقانا لا تتحدث سوى عن الحب. من المفترض أن يعكس الراب الحقيقة.”