دانا حوراني
“أكبر غلطة بحياتي عليت واحد واطي”، بسبب هذه الكلمات، منعت نقابة الفنانين السوريين المطربة الشعبية ريم السواس من الغناء في سوريا.
وقد صرّح نقيب الفنانين، المطرب السوري محسن غازي، في إشارة إلى كلمات أغنية السواس التي اعتُبرت “بذيئة”: “قررنا وقف كل من يؤذي الفن والغناء، بخاصةٍ من يغنّون أغاني مبتذلة”.
وقال نقيب الفنانين في حلب، عبد الحليم الحريري، إن حفلة السواس لن تُمنح الموافقة إلا بعد الحصول على موافقة نقابة الفنانين التي طلبت أن توقّع السواس على تعهد يقول “إنها لن تستعمل لغة نابية في حفلاتها ولن تتصرف بشكل غير لائق “.
ردًا على ذلك، صوّرت المغنّية مقطعًا خلال إحدى حفلاتها وهي تغنّي: “إن جابوا اسمي بالعاطل، لالعن أبوهم. صوروا وخبروهم”. لكن التعليقات على الفيديو اعترضت عليها وهاجمتها ووصفت سلوكها بأنه “عدائي وغير أنثوي”.
ورغم أن القيود المفروضة على الفن والحفلات شائعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يرى مراقبون وصحفيون أن قرارات نقابة الفنانين السوريين تستند إلى أسس سياسية ومعادية للنساء تتجاوز فكرة “الأخلاق” و”الحفاظ على الفن”.
ليس جديدًا في المنطقة
لطالما هاجمت مؤسسات الدولة المطربين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعادةً ما يُنتقد المغنون الشعبيون على استخدام كلمات سليطة ومبتذلة في أغانيهم.
على سبيل المثال، منعت نقابة الموسيقيين المصرية مغنّي المهرجانات – وهي الموسيقى التي وُلدت من رحم الأحياء الفقيرة في القاهرة والإسكندرية – من العمل في مصر. كما مُنعت فرقة الروك اللبنانية “مشروع ليلى“، التي أعلن مغنّيها الأوّل أنه مثليّ جنسيًا، من تقديم حفلة في مهرجان بيبلوس الدولي الشهير في لبنان عام 2019 بسبب مخاوف من مسؤولي الكنيسة بشأن إساءة الفرقة الى الرموز المسيحية والترويج للمثلية الجنسية.
في العام نفسه، مُنعت فرقة سيبولتورا البرازيلية من دخول لبنان بحجة أنهم “عبدة الشيطان”.
وتعاني الفنانة اللبنانية سارة الزكريا المصير نفسه الذي آلت إليه السواس بعد منعهما من الغناء في سوريا حتى إشعار آخر.
فقد انتشرت أغنيتها “تيجي نتجوز بالسر” على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا على تطبيق تيك توك. وتقول كلمات الأغنية التي ورطتها: “تيجي نتجوز بالسر، أهلي وأهلك ما يدرون. تيجي ناخد بيت بعيد ونخلّف بيبي صغيرون”، بالإضافة إلى “لاسكر واذوب، واتعاطى حبوب. والله راسي بيوجعني، حبك أذاني”.
وقد أكّد مدير أعمالها أن كلمات الأغنية لا تحتوي على ألفاظ بذيئة قائلًا: “سنعمل بجد للتواصل مع النقابة والنقيب لإزالة أي لبس أو مغالطة ولتصحيح أي مسار تراه النقابة في سوريا لمصلحة الجمهور السوري الذي كان ولا زال الحاضن لكلّ فنان ومنهم الفنانة سارة زكريا”.
نساء متمكنات وذكورية هشة
رغم الانتقادات والمنع، ظهر اتجاه متزايد في المنطقة يتحدى المعايير الجندرية التقليدية والقيم الأبوية. فتلك الأغاني تتضمن كلمات متسلطة وجريئة لفنانات لا يترددن في التعبير عن مشاعرهن وأفكارهن بطريقة اقتصرت على أقرانهن الرجال.
أحد أشهر الأمثلة أغنية “مسيطرة” للفنانة السورية لميس كان والتي صدرت العام الماضي وحصدت أكثر من 200 مليون مشاهدة على يوتيوب حتى وقت كتابة هذا التقرير.
تدحض الأغنية القاعدة السائدة في الصناعة التي يهيمن عليها الرجال، إذ يُظهر الرجال هيمنتهم وسيطرتهم على حبيباتهم اللائي يُظهرونهن من منظور شهواني فحسب.
أشهر الأمثلة على ذلك أغنية التنورة للمطرب اللبناني فارس كرم التي يمعن النظر فيها في نساء يرتدين تنورات قصيرة. وكذلك أغنية جمهورية قلبي للمطرب اللبناني محمد إسكندر التي يرفض فيها تعليم النساء. بالإضافة إلى أغنية طالع صدرج الشهيرة للمطرب السوري وعضو الفنانين السوريين بهاء اليوسف والتي يقول فيها: “طالع صدرج يا بنية، طالع نصو. يلعن أبو فستانج لابو القصو”.
على الجانب الآخر، تتحدى لميس كان الوضع الراهن وتقول للرجال إنها “مسيطرة” وإنهم “سيمشون على هواها”.
وبحسب وسائل إعلام محلية، أدت أغنية لميس كان إلى خلافات زوجية وطلاق في بعض الحالات.
قال الكاتب الموسيقي المستقل داني حجار لفنك: “هذا السلوك الذكوري الهش المعتاد في الشرق الأوسط. من الضروري أن يكون هناك مطربات أكثر تمكّنًا يقلبن المعايير المزدوجة في صناعة الموسيقى ويضمنّ حماية هذه الحرية.”
تطبيع النظام
قال حجار إن المنع يأتي بنتائج عكسية عند التشجيع على ثقافة إبداعية داخل بلد أو منطقة ما.
وأضاف: “الفن ينبغي أن يكون ذاتيًا. إذا كان الناس لا يحبون عملًا فنيًا ما، فلا بأس. لكن محاولة منعه تعني منع الهوية الثقافية، وبالتالي تقييد هامش الحرية الذي يسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم وتطويرها”.
كما قال إن المطربين المشهورين في المنطقة لن يكونوا هم من يكسرون التابوهات الاجتماعية بأغانيهم. لذلك تقع المهمة على عاتق الفنانين الناشئين الذين من المرجح أن يكسروا ذلك القالب.
وقالت الكاتبة اللبنانية السورية علياء منصور إن الحظر لا علاقة له بالنساء، بقدر ما يتعلق بمحاولة جذب الإسلاميين السوريين.
وأضافت أن المشكلة الأكبر هي استخدام النظام الفن لتطبيع صورته رغم ارتكابه جرائم حرب لا تُعدّ. بالإضافة إلى الموسيقى، يستخدم النظام أيضًا الأفلام للترويج لصورته “الجديدة” من خلال تحويل المناطق المتضررة من الحرب إلى “مواقع تصوير رخيصة لمشاهد مناطق الحرب“.
وقالت الكاتبة: “تنظيم حفل في ظل نظام بشار الأسد يعني التطبيع مع حكومة قمعية، وهو أمر لن أدعمه. من الصعب فصل الفن أو أي شيء آخر عن السياسة في الإطار السوري”.
وأضافت: “الفنانون الذين يعتمدون على مؤسسات الأسد للحصول على الموافقة لم يعد بإمكانهم الادعاء بأن عملهم لا علاقة له بالصراع الذي أودى بحياة نصف مليون سوري، وشرّد ملايين آخرين، وسجن الآلاف. إنها محاولة للتسويق لنظام إجرامي”.
“مسؤولو النظام يهدفون إلى تأديب الجميع، وليس الفنانين فحسب. هذا النظام لن يتغير ولن يسمح بأي هامش من الحرية في البلاد إلا لما يناسبه، كما كانت العادة في الدراما السورية قبل الثورة”.