وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

موسيقى المهرجانات: بطبيعتها الحرة والجريئة والإشكالية

موسيقى المهرجانات
عروس وعريس يجلسان على خشبة المسرح بينما تعزف فرقة موسيقية خلال حفل زفاف تقليدي جعل المهرجانات نوعًا موسيقيًا شهيرًا. محمد الشاهد / وكالة الصحافة الفرنسية

دانا حوراني

ألمقدمة

في أوائل شهر يوليو، انتشرت أغنية “ريموت التلفزيون” لأحمد الدوجري على موقع تيك توك.

وقال الموسيقي المصري لفَنَك: “لم أكن أتوقّع هذا النجاح. كنت أتوقّع أن تحظى بشعبية، لكن ليس إلى هذا الحد”.

تنتمي هذه النغمة الجذابة إلى نوع موسيقى “المهرجانات” الذي ظهر في الأصل بين عاميّ 2006 و2009، واكتسب شعبيةً كبيرة خلال ثورة 25 يناير في عام 2011.

وكان الشباب من المجتمعات منخفضة الدخل في الإسكندرية والقاهرة يؤدّون حفلات الزفاف في الشوارع لتوفير المال بدلًا من النفقات الباهظة لتوظيف مغنٍّ وراقصة وفرقة.

ومن هناك، انطلق هذا النوع ليصبح أحد أكثر أنماط الموسيقى تميّزًا في مصر. كما يتم تشغيلها في الحافلات والمقاهي والتوك توك وحفلات الزفاف. إنها طريق سهل إلى الشهرة في عالم اليوم المتّصل.

وقال الدوجري: “خلال فترة العام والنصف الماضي، كنت مغنيًا شعبيًا. كان هدفي الشهرة وحقّقت بعض النجاح الذي أردته، لكن لا يزال لدي طريق طويل لأقطعه”.

وبالنسبة للمغني المولود في الإسكندرية، فإن هذه الأغاني هي بطبيعتها أصيلة وتروي تجارب الثقافة المصرية لشريحة عامة الناس التي ينحدر منها هو وأصدقاؤه.

ومع ذلك، ليس كل شخص بمثابة مُعجَب. فقد منعت نقابة الموسيقيين في مصر مغنّيي المهرجانات من العمل في البلاد، وانتقدت باستمرار هذا النوع من الموسيقى لاستخدامه لغةً سوقية.

وبالنسبة إلى الدوجري وفريقه، فإن هذا النوع أكبر من أن يقيّده أيّ شخص.

من الأحياء الفقيرة إلى مخطّطات الموسيقى

بدأ هذا النوع من موسيقى الرقص كنوع “أتْقِنْها بنفسك“، ويعتمد بشكل كبير على أجهزة مزج الصوت على الكمبيوتر والضبط التلقائي.

وبوجودِ إنتاجٍ منخفض الميزانية مع إيقاعٍ قويٍّ وأصوات جهير، ينتج هذا النوع باستمرار أعمالًا ناجحة، ويجمع ملايين المشاهدات على يوتيوب وآلاف التدفّقات عبر مختلف منصات التواصل.

وبحسب مديرة الدوجري، هدى العفريت، جاء اسم “مهرجانات” من اسم حفلات الزفاف. فعلى سبيل المثال، سيتحوّل حفل زفاف “العروس فلانة” و”العريس فلان” إلى مهرجان “العروس فلانة” و”العريس فلان”.

وقال طارق بنشوية، طالب دكتوراه في جامعة نورث وسترن وباحث في هذا الموضوع، لفَنَك: “يوجد هؤلاء الأطفال الذين نشأوا في أحياء الطبقة العاملة في القاهرة والإسكندرية، حيث كانت أكبر الأحداث الاجتماعية في تقويمهم هي حفلات الزفاف”.

وأضاف: “نشأوا أيضًا على الإنترنت، وملفات الـ mp3 القابلة للتنزيل، وبالأخص يوتيوب. لذا يأتي الإلهام من مزيجٍ من هذه الأنواع المختلفة. كما سمح ذلك لفناني المهرجانات الأوائل بتنزيل برامج الإنتاج وإجراء الاختبارات من خلالها”.

وقبل أن يحظى بشعبيته الحالية على وسائل التواصل الاجتماعي، اكتسب هذا النوع اعترافًا بارتباطه بانتفاضة عام 2011، حيث نزل ملايين المصريين إلى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك.

وقال بنشوية: “عندما تصدّرت مصر عناوين الصحف العالمية خلال الانتفاضة، حظيت المهرجانات باهتمامٍ كبيرٍ حيث أراد الناس فهم الأسس الثقافية للثورة”. مضيفًا أن الموسيقى لم تكن نتيجةً مباشرةً لحركة 2011.

ومن أشهر أغاني المهرجانات التي تم إنتاجها كرد فعل على الانتفاضة هي “الشعب يريد رصيدًا عبر الهاتف بقيمة خمسة جنيهات مصرية”.

لكن، في السنوات الأخيرة، اجتاح كلّ من الصراع الطبقي والأخلاق والحرية مشهد المهرجانات.

الحظر والقيود

قبل عامين، بدأت نقابة الموسيقيين، التي ترعاها الدولة في مصر، حملتها للحد من انتشار هذا النوع من الموسيقى. وفي فبراير عام 2020، أصدر رئيس النقابة، المطرب المصري الشهير هاني شاكر، أمرًا بمنع عروض المهرجانات في الأماكن الخاصة.

ووصف شاكر هذا النوع الموسيقي بأنه “يعتمد على إشاراتٍ جنسيةٍ وكلماتٍ غير لائقة”. وأضاف أنه يعتقد أن الشعب المصري يرغب في “[مشهدٍ موسيقيٍّ شعبيٍّ] لائق”، وأن الجهاز المركزي للرقابة على المصنّفات الفنية (CACWA) سيستمع إلى الموسيقى ثم يقرّر ما إذا كان ينبغي حظرها أم لا.

وفي هذا العام وحده، مُنِع 19 فنانًا من أداء هذا النوع.

واعتبر بعض فناني الأداء أنّ هذا الحظر هو مجرّد محاولة لتقييد الفنانين ذوي الدخل المنخفض من تحقيق الشهرة والنجاح، وبالتالي الاحتفاظ بالفنون للنخبة.

وحقّقت أغنية “بنت الجيران” لحسن شاكوش وعمر كمال نجاحًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحصدت أكثر من نصف مليار مشاهدة على يوتيوب إلى وقت كتابة هذا التقرير. ومع ذلك، فإن عبارة “تِسِبيني، أكره حياتي وسنيني، أضيع ومش هلاقيني، وأشرب خمور وحشيش” ضاعفت من الحرب الثقافية التي تشنّها النخب ضد المطربين الصريحين من الطبقة العاملة وغير الخاضعين للرقابة.

وفي حين اتّهمت النقابة المغنّين بتشويه صورة مصر، قال الكاتب الموسيقي اللبناني المستقل، داني حجار، لفَنَك أن الأصالة المرتبطة بهذا النوع تتجاوز كلماته وترسي على التفاصيل الدقيقة مثل الطريقة التي يقدّم بها الفنانون أنفسهم.

وقال حجار “مغنّيو المهرجانات يتناولون مواضيع محظورة مثل الجنس والكحول والمغازلة الصريحة التي لا توجد في موسيقى البوب التقليدية في العالم العربي”.

وأضاف: “على عكس فناني البوب الذين يتألّقون ويتزيّنون، يظهر مغنّيو المهرجانات بقمصانٍ قصيرةٍ وبنطلون جينز ممزّق. ويبدو وكأنهم يشبهون الأحياء التي ينحدرون منها”.

هويةٌ ثقافيةٌ، وُلِدَت لتبقى

في مارس عام 2022، حكمت محكمة مصرية على عملاق المهرجانات عمر كمال وحمو بيكا بالسجن لمدة عام مع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه (538 دولارًا)، ورسوم إضافية لتعليق عقوبة السجن، وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش.

وأُدين الثنائي بتهمة “انتهاك قيم الأسرة في المجتمع المصري والاستفادة من شريط فيديو يتضمّن الرقص والغناء“. يُظهر الفيديو الموسيقي لعام 2020 لأغنيتهم “إنتي معلمة” (أنتِ الأستاذة) الرجُلَيْن يرقصان جنبًا إلى جنب مع راقصة شرقية ترتدي سترة سوداء وبلوزة حمراء – على عكس ملابس الرقص الشرقي المصرية التقليدية.

ويواصل كلا المؤدّيَيْن تقديم عروضهما في الخارج، تمامًا مثل غيرهم من مطربي المهرجانات.

وقال محمد الجندي، منتج موسيقى المهرجانات لفَنَك: “يمكنهم منع المغنّين من الأداء في مصر، لكن لا يمكنهم منعنا من إصدار الأغاني عبر الإنترنت. وتيك توك ويوتيوب على وجه الخصوص هما مصدر أرباح كبيرة ونجاح هائل”.

ويوضّح الجندي أن استخدام اللغة الفاضحة، التي تدينها النقابة، هي طريقة أخرى لمحاكاة لغة الشارع الموجودة، ليس فقط في مصر ولكن في كل مكان في العالم العربي.

وقال المنتج: “المهرجانات تأخذ جملة واحدة توضَع في العنوان – وتطوّرها إلى أغنية مرحة يمكن للجمهور التعرّف عليها لأنها تُستَخدم في لغتنا العامية اليومية”.

ويؤكّد حجار أن إنكار هذا النوع هو إنكار وجه كامل للهوية المصرية.

وفي مقاله حول “كيفيّة تألُّق موسيقى المهرجانات المصرية في مون نايت ديزني“، يُشير حجار إلى أن إدراج هذا النوع في إنتاجٍ غربيٍّ واسع النطاق يبعث برسالة مفادها أن “هؤلاء الفنانين الممنوعين من الأداء في بلادهم، وهذا النوع من الموسيقى هو في جوهره جزء من نسيج مصر والثقافة المصرية “.

شعبية لكن تطرح إشكالية

لاحظ كل من حجار وبنشوية أنه في حين أن الموسيقى معدية ومسلّية، يمكن أن تحمل كلمات الأغاني رسائل إشكالية وكارهة للنساء.

قال بنشوية: “بما أن النوع نفسه يعكس واقع المجتمعات المصرية، فإن هذا جانب آخر ينعكس بدقة. إن كراهية النساء، والرجولة، والتموضع هي قضايا منتشرة بشكل كبير في المجتمع المصري – ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام – كما هي في الأغاني”.

وقال المنتج الموسيقي العماني وصاحب قناة المهرجانات الشهيرة “مي ميوزيك” على يوتيوب، سعيد بن حمد، لفَنَك أن اللغة الاستفزازية والمبتذلة تساعد الفنانين على كسب المزيد من الدعاية عبر الإنترنت. لذلك، تحتاج نقابة الموسيقيين إلى احتضان هؤلاء الموسيقيين لمنحهم التوجيه المناسب وتقديم قسم منفصل لهم.

وقال بن حمد: “الممنوع مرغوب. لذلك، أشعر بالقلق من التأثيرات السلبية المحتملة على الأجيال الشابة التي تتعرّض باستمرار لهذه الموسيقى ويمكنها بسهولة استيعاب الرسائل من دون وعي مناسب.”
وفي مصر وجميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال النساء تتعرّضن للقتل الوحشي على أيدي الرجال الذين يرفضونهنّ. كما تلوم أقسام المجتمعات الضحايا على اختيارهنّ لباسهنّ أو عدم طاعتهنّ للمعايير الذكورية.

أما بالنسبة للنساء في المهرجانات، فإن مشاركتهنّ لا تزال خجولة، حيث يوضّح البودكاست العربي “مسافات” بقوله: “المهرجانات تنحدر من مناطق ريفية لا تختلط فيها النساء والرجال على المستوى الاجتماعي، لذلك يتم نقل هذا إلى الساحة الفنية. ”

وسلمى عادل، مغنية الأوبرا المتقاعدة، هي الآن المرأة الوحيدة التي كسرت القالب في عالم المهرجانات الذي يهيمن عليه الذكور من خلال ثنائيات مثيرة للجدل. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيجذب المزيد من المطربات إلى المشهد الفني أم لا.

Advertisement
Fanack Water Palestine