دانا حوراني
المقدمة
الحجر الأسود، التي كانت ذات يوم إحدى ضواحي دمشق المكتظة بالسكان والتي تحوّلت إلى معقل لداعش من عام 2015 حتى عام 2018، أصبحت اليوم موقعًا لتصوير فيلم جاكي شان الجديد “Home Operation”.
بالشراكة مع دار أرت ميكرز للإنتاج الفني التابع للإمارات العربية المتحدة، يروي الفيلم قصة محاولات الصين لإجلاء أكثر من 600 مواطن وأكثر من 200 أجنبي خلال المرحلة الأولى من الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015.
وصرّح مخرج ومنتج الفيلم، سونغ ينكسي، في مقابلة أُجرِيَت معه مؤخرًا، أن الفيلم يهدف إلى “تعزيز التعاون السينمائي بين البَلَدَيْن”. وأضاف أنّه يسلّط الضوء على “التعاون الإنساني بين الإمارات والصين في وضعٍ محفوفٍ بالمخاطر”.
وفيلم “Home operation” هو أوّل إنتاج لشركة ينكسي يتمّ في العالم العربي. سيجري التصوير في الإمارات العربية المتحدة ولبنان. ومع ذلك، لم يُشِر ينكسي إلى سوريا في مقابلته.
وعندما سُئِل عن أهم عناصر التصوير، أجاب ينكسي أنّه بغض النظر عن أداء الممثلين، “هناك أصالة المشهد وفنّه، اللذين يُعيدان ويُصعّدان ثقافة بلدٍ ما أو مكانٍ معيّن”.
ونظرًا لأن اليمن كان يُعتَبر مكانًا خَطِرًا للغاية للتصوير، سافر الطاقم إلى ما تبقى من مدينة الحجر الأسود. ووفقًا للتقارير، ارتدى الممثلون الزي القبلي اليمني حيث تردّدت أصداء الأصوات عبر البلدة المهجورة التي كانت في يومٍ من الأيام موطنًا لآلاف الأشخاص.
وأثار ذلك غضبًا لدى السوريين الذين نزحوا قسرًا من الحجر الأسود، والذين شهدوا طوال السنوات الماضية تطبيع العلاقات مع نظام الأسد على الرغم من توثيق جرائم العديد من الحرب.
من الأسود إلى الرمادي
قبل عام 2012، كان عدد سكان مدينة الحجر الأسود؛ كما سُمِّيَت باللغة العربية، 370 ألف نسمة. وكانت هذه المدينة، المجاورة لمخيّم اليرموك الفلسطيني الذي كان يسكنه 500 ألف نسمة، من أفقر المناطق وأكثرها تهميشًا في دمشق.
وكان سكان الحي قد نزحوا سابقًا من الجولان وعاشوا في أُسَرٍ معيشيّة منخفضة الدخل. وفي عام 2011، أصبحت الأجزاء الجنوبية من العاصمة مضيفًا رئيسيًا للحركات المناهضة للنظام.
وبحلول نهاية عام 2012، كانت الفصائل المتطرّفة مثل جبهة النصرة وجيش الإسلام، من أوائل من احتلّ المنطقة قبل سقوطها في أيدي داعش من عام 2015 حتى 2018.
وردّ النظام السوري وحلفاؤه بشنّ حملةٍ عسكريةٍ عنيفةٍ لاستعادة السيطرة على مدينة الحجر الأسود، مما أدى إلى دمارٍ شاملٍ لأجزاءٍ واسعةٍ من البلدة وتدمير 80٪ من بنيتها التحتية.
لقد أصبحت المدينة منطقة مهجورة مع مبانٍ مدمّرة وامتدادات من الأنقاض الرمادية، ولا تزال حتى اليوم غير صالحة للسكن. وما زال تأهيل البنى التحتية في مراحله الأولى، والأنقاض تعيق الحركة في معظم الشوارع.
ولكن بالنسبة لفيلم الحركة الذي يوفّر التكاليف الباهظة لبناء مجموعة منطقة حرب داخلية، فإن هذه الخطوة منطقية من الناحية المالية. ومن ناحيةٍ أخرى، بالنسبة للمواطنين السوريين، هو خيار مروع وعديم الإحساس.
وقالت إناس حقي، المخرجة السورية النازحة المقيمة حاليًا في فرنسا، لفَنَك: “اعتدنا (نحن السوريون) على التصوير هناك. واعتاد الناس على الترحيب بنا في منازلهم لإخبارنا بالرسائل التي يريدون منّا نقلها من خلال الإنتاج. والآن تحوّلت منازلهم إلى استديوهات منخفضة التكلفة.”
الاستغلال بالمحور
كذلك تم تصوير إنتاجات من إيران وروسيا في سوريا. ويُقال أن الفيلم الروسي “سكاي” لعام 2021، الذي يستند إلى إسقاط الطائرة الروسية Su-24 في عام 2015، يحتوي على مشاهد واقعية تم تصويرها على الأرض. وفيلم آخر لعام 2021، اسمه “Palmyra“، يروي قصة طبيبة قامت جماعة إرهابية بإقناع ابنتها بالانتقال إلى سوريا، ثم يغامر الأب في رحلةٍ لإنقاذها. تم تصوير الفيلم إلى حدٍّ كبيرٍ في سوريا.
وأثارت إيران الجدل عندما عرضت لأوّل مرة فيلمها “بتوقيت دمشق” لعام 2018 أثناء تواجدها في سوريا. وتدور أحداث القصة بين إيران ودمشق، وتسلّط الضوء على المواجهة بين المقاتلين الإيرانيين وداعش في سوريا.
وقالت حقي أنه بينما تهدف الروايات الروسية والإيرانية إلى تمجيد تدخّلهما في سوريا، فإن النظام السوري يعزّز رواية النجاح في صد “الإرهابيين” الذين أشعلوا انتفاضة 2011، مما أدى إلى دخول البلاد في حالة حرب.
وأضافت المخرجة أن “الثورة دعت إلى الحرية والكرامة، لكنّها تعرّضت للقمع الوحشي كردّ فعل. والآن يريد النظام وحلفاؤه نشر رواية قهر الإرهاب واختطاف حقيقتنا بالكامل”.
وقالت “عادت الحياة إلى طبيعتها، وسوريا مفتوحة لجميع الزوار. هذه هي الصورة التي يحاول النظام بيعها. رغم أن هذا قد يكون مفيدًا للنظام، إلا أن السبب الأساسي في رأيي هو الدعاية”.
وأفادت جريدة الشرق الأوسط أن أفراد من مدينة الحجر الأسود مُنِعوا من قِبَل الطاقم “من تفتيش منازلهم التي دمرتها الحرب بسبب استمرار التصوير”.
ويمكن للأجانب التنقّل بحرية، لكن طُلِب من السكان المحليين أن يحافظوا على تباعُدهم.
وقال الصحفي السوري، منيب تيم، لفَنَك: “أنا دمشقي وقد عشت فترة الحصار وغطيته. لذلك أعتبر أن فريق الإنتاج والمخرج على وجه الخصوص، يرقصون فوق مسرح جريمة كما لو أن الدمار كان مكانًا للعرض”.
هو منزلٌ وليس موقع تصوير
يقول تيم، الذي غطى هذه القضية على نطاقٍ واسعٍ، أن سكان الحجر الأسود النازحين يتمنّون أن تعيد الصين بناء منازلهم بمجرد انتهاء الإنتاج.
أما الذين ما زالوا يقيمون في المناطق المجاورة والذين يعارضون إطلاق النار، فقد مُنِعوا من التعبير عن مخاوفهم في ضوء موافقة الحكومة السورية على المشروع.
وقال تيم: “بالنسبة للنازحين، هذا يشبه وضع الملح على جرحٍ مفتوح. أما بالنسبة لي شخصيًا، بعد أن شاهدت التدمير الكامل لحياتي في دمشق، أشعر وكأنهم يضاعفون الألم بتحويل أحيائنا إلى مجرّد مسارح عرض”.
وبالنسبة لحقي، التي عملت في الدراما السورية وصوّرت في جميع المحافظات السورية تقريبًا، فإن التحوّل الذي شهده القطاع الذي ساهمت فيه هي ووالدها، المخرج السوري الشهير هيثم حقي، هو أمر مفجع.
وقالت “من واجبنا كمخرجين ومنتجين وممثلين نعيش في الخارج أن نستمر في محاربة دعاية النظام من خلال إنتاج أفلام من منظورنا الخاص. ومع ذلك، فإن هذا يرافقه العديد من التحديات”.
وتلاحظ المخرجة أن العقبة الرئيسية تتمثّل في إيجاد المكان المناسب.
وأضافت: “إذا كنت سأروي قصة السوريين داخل سوريا، فكيف أفعل ذلك وأنا أعيش في فرنسا؟ كل شيء يبدو مختلفًا من داخل البلاد”.
حلب، قصّةُ ركام وتطبيع
على الرغم من أن العديد من الأفلام الوثائقية مثل “من أجل سما” و “آخر الرجال في حلب” قد اكتسبت اعترافًا دوليًا لرواياتها في الوقت الحقيقي لأهوال الحرب، إلا أن حقي تقول أن عملية إنتاج أفلام تدور حول سوريا تمثّل تحديًا مرهقًا للسكان المصابين حديثًا بصدمات نفسية.
وقالت حقي “نشهد مؤخّرًا المزيد من الأفلام المستقلة التي تروي قصص شعبنا. ومع ذلك، لا نزال جميعنا العاملين في الإنتاج مصدومين ونبذل قصارى جهدنا للتكيّف مع هذا الواقع. نحن بحاجة إلى وقتٍ للشفاء لنكون قادرين على مواجهة الواقع القاسي لما حدث”.
وزار الرئيس السوري بشار الأسد مدينة حلب يوم الجمعة 9 يوليو للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب عام 2011. وشارك في صلاة عيد الفطر، وتمّ التقاط صور لعائلته وهم يتجوّلون في حيّ مدمّر.
وقال تيم: “كانت هذه الزيارة مزعجة للغاية بالنسبة لسكان حلب الذين تحدثت إليهم. قالوا أنها أشبه بمشاهدة قاتل يقتل اليوم، وفي اليوم التالي يمشي في موكب الجنازة”.
وأضاف الصحفي: “على الرغم من جهوده، لن يتمكّن النظام من إعادةِ بناءِ صورته لأن الحرب ما زالت مستمرة. وتظهر بين الحين والآخر أدلّة جديدة على جرائمه”.