في صباح أحد أيام الجمعة من شهر مايو 2018، وقبل نحو ساعة من الفجر، اقتحمت الشرطة المصرية منزل أمل فتحي، 34 عاماً، وزوجها محمد لطفي في القاهرة. تم نقل جميع أفراد العائلة، بمن فيهم ابنهم البالغ من العمر ثلاث سنوات، إلى مركز الشرطة. وبعد ساعات، تم الإفراج عن لطفي والصبي، وبقيت أمل رهن الاعتقال.
كان الفيديو الذي نشرته أمل قبل بضعة أيامٍ من اعتقالها على موقع فيسبوك ما أوقعها في ورطة. في الفيديو، قصت أمل ما حصل لها من تحرشِ جنسي: كيف تعرضت لتحرشٍ من قبل موظفي الأمن في أحد المصارف. كما انتقدت الحكومة المصرية لفشلها في حماية المرأة من التحرش الجنسي. وعلاوة على ذلك، انتقدت بشكلٍ عام حملة القمع ضد المعارضة السياسية في مصر والظروف الاجتماعية -الاقتصادية في البلاد. تمت مشاركة الفيديو على نطاقٍ واسع – فقد ضغطت على وترٍ حساس.
قام الإعلام المحلي بالتشهير بأمل بسبب الفيديو، فعلى سبيل المثال قامت صحيفة اليوم السابع سيئة السمعة بنشرٍ صورةٍ لأمل وهي ترتدي فستاناً مكشوفاً، بالمعايير المصرية، وتدخن. كما اتهمتها الصحيفة المعروفة بتأييدها العلني للدولة بأنها عضو في حركة شباب 6 أبريل، وهي جماعة سياسية محظورة عُرفت بنشاطها خلال وبعد ثورة 25 يناير في البلاد في عام 2011. وبحسب ما أوردته صحيفة اليوم السابع، يشكل الفيديو “إهانةً” وهجوماً على الدولة المصرية. بل إن حقيقة أن الفيديو يعرض إمرأةً (وليس رجلاً) تستخدم عباراتٍ بذيئة ما اعتبر في واقع الأمر عاراً.
بعد حوالي خمسة أشهر، في 29 سبتمبر، حكمت محكمة في القاهرة على أمل بالسجن لمدة عامين بتهمة “نشر أخبار كاذبة بنية إيذاء الدولة وحيازة مواد غير لائقة.” كما تتهمها محكمة أمن الدولة، في قضيةٍ ثانية بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية.
فقد سبق وعملت أمل في مجال صناعة الأفلام كممثلة، حيث لعبت أدواراً صغيرة في المسلسلات والأفلام، فضلاً عن كونها مخرجة تنفيذية لأحد الأفلام. وفي العشرينات من عمرها، عملت كعارضة أزياءٍ أيضاً. وكما قال زوجها، محمد لطفي لفَنَك، “لم تكن منخرطة في السياسة على الإطلاق.”
ومع اندلاع احتجاجات عام 2011، أصبحت أمل “مهتمةً بالشأن العام،” بحسب لطفي، وذلك “كحال العديد من الشباب.” وخلال تلك الفترة، ارتبطت بعلاقاتٍ مع أعضاء حركة شباب 6 أبريل، وهي إحدى الجماعات التي تصدرت المشهد أثناء الثورة، إلا أنها لم تكن عضواً بالحركة قط، كما أكدّ زوجها.
وبينما تصفها وسائل الإعلام الدولية بأنها مدافعة عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان، إلا أنها لا تعمل مع أيٍ من المجموعات الناشطة في البلاد التي تغطي هذه القضايا، أو حتى على علاقةٍ بأي مجموعة سياسية، بحسب قول لطفي. فهي تتحدث صراحةً ضد ما تعتبره مظالم على وسائل التواصل الاجتماعي، منها على سبيل المثال الاحتجاز التعسفي للنشطاء في مصر.
ويعتقد لطفي أن اعتقال أمل يرتبط جزئياً بعملها كرئيسة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات (ECRF)، وهي لجنة لحقوق الإنسان في مصر تستهدفها السلطات بشكلٍ متكرر، إذ قال لطفي “إنه عملٌ انتقامي ضد المفوضية المصرية للحقوق والحريات.”
وحالياً، يتولى محاميان من المفوضية المصرية للحقوق والحريات الترافع عن أسرة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي قُتل في عام 2016 في مصر في قضية شديدة الحساسية أدت إلى توتر العلاقات بين مصر وإيطاليا لبضع سنوات. لم تؤد التحقيقات إلى نتائج ملموسة، لكن مقتله يحمل بصمات قوات الأمن.
وقال لطفي أن ضباط الأمن استجوبوا أمل في السجن حول عمل زوجها وبخاصة صلته بقضية ريجيني. وأضاف أن الضباط أرادوها أن تعترف بأن فكرة نشر الفيديو تعود له.
كما ذكرت عدة منظمات غير حكومية مصرية في بيانٍ مشترك أنه من المرجح أن عمل لطفي في مجال حقوق الإنسان “يوفر الدافع الأساسي وراء الملاحقة المتطرفة غير العادلة لأمل فتحي.”
وتعتبر أمل واحدةً من النقاد الستة الذين اعتقلوا في مايو من هذا العام، حيث اتهم جميعهم بنشر أخبار كاذبة والانتماء لجماعة إرهابية.
وقد أدان المدافعون عن حقوق الإنسان، على نطاقٍ واسع، إلقاء القبض على أمل والحكم عليها، وقالت منظمة العفو الدولية إن أمل “تواجه حكماً مشيناً لأنها ببساطة تحلت بشجاعة الحديث ضد التحرش الجنسي.” كما أدانت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “الاستهداف الممنهج” للمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر.
من جهتها، ترى صحيفة وول ستريت جورنال أن الحكم على أمل هو جزءٌ من حملةٍ أكبر ضد النساء اللواتي يتحدثن ضد التحرش الجنسي في مصر.
ومع ذلك، أمل فتحي ليست المرأة المصرية الوحيدة التي تعرضت لانتقاداتٍ شديدة بسبب نشرها عن التحرش الجنسي على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي أغسطس الماضي، نشرت المصرية منة جبران فيديو تعرضت فيه للمضايقاتٍ في أحد الشوارع من قِبل رجلٍ طلب منها تناول القهوة معه. أثار الفيديو جدلاً حول ما إذا كانت أفعال الرجل تصل إلى التحرش أو أن الفتاة بالغت في رد فعلها. وفي حين قد يُعتبر هذا المثال غير واضح، إلا أن الرجل أصبح، بشكلٍ أو بآخر، رمزاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ناحيةٍ أخرى، شعرت الفتاة بأنها مضطرة لإغلاق حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب المضايقات التي تعرضت لها، فضلاً عن خسارتها لوظيفتها، والتشهير بها على الإنترنت لكونها “لا تتحلى بالأخلاق،” حيث عمد المستخدمون إلى نشر صورها الخاصة وهي ترتدي ملابس مكشوفة نسبياً.
وفي يونيو الماضي، تم اعتقال منى المذبوح، وهي لبنانية كانت تقضي إجازةً في مصر، بعد أن نشرت فيديو هاجمت فيه التحرش الجنسي في مصر بالمجمل. تم الحكم عليها بالسجن لثماني سنوات بتهمة نشر الشائعات التي من شأنها تقويض المجتمع، إلا أنه أفرج عنها بعد تعديل الحكم في سبتمبر.
فقد قالت صحفية مصرية لفَنَك، “هذا ليس استهدافاً ممنهجاً للنساء اللواتي يتحدثن عن التحرش، بل هو جزءٌ من حملةٍ أوسع ضد أولئك الذين ينتقدون الأوضاع في مصر علانية.” وبحسب قولها، فإن الرواية تقول إن “جميع الأمور على ما يرام،” وأنه لا مكان للتحرش الجنسي المستوطن في الصورة بالمجمل، وأضافت “لا ينبغي أن تتطرق للمشاكل الاجتماعية علناً.”
فقد أوضح لطفي سبب نشر أمل للفيديو بقوله إنها تعرضت لعدة تجارب سيئة من التحرش الجنسي في الماضي، مما جعلها “قلقة ومكتئبة وتعاني من صدمةٍ نفسية.” وأضاف أنها تميل إلى الرد بقوة على أي شيء يذكرها بهذه التجارب الماضية، وكان الفيديو بمثابة فورة غضب. “لم أعتقد أن الفيديو سيؤدي إلى زجها بالسجن، إلا أنه يبدو أني كنت متفائلاً.”
من جهتها، قالت لنا الصحفية، “باتت المساحة التي تستطيع من خلالها النساء التحدث علناً عن التحرش الجنسي ضيقة.” وتابعت القول “لذا تلجأ النساء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن إحباطهن. كان فيديو كل من أمل والمرأة اللبنانية تعبيراً عن الغضب، ولم تكن موجهةً للجمهور.”
استأنفت أمل الحكم الصادر بحقها، وحددت الجلسة المقبلة في 25 نوفمبر. وقال لطفي إنهم دفعوا مبلغ 20 ألف جنيه ككفالة ويأمل أن يُطلق سراحها قبل جلسة الاستماع، إذ قال “حالتها النفسية تتدهور، كما أنها تعاني من نوبات ذعرٍ في السجن.” ومع ذلك، يمكن أن تبقى أمل رهن الحبس الاحتياطي بسبب القضية الأخرى الموجهة لها أمام أمن الدولة.