صوفيا أكرم
أدى رئيس الوزراء الأردني الجديد بشر الخصاونة اليمين الدستورية أمام الملك عبد الله الثاني، إلى جانب وزراء آخرين في الحكومة، في 12 أكتوبر 2020. يأتي تعيين الوريث الهاشمي للدكتور الخصاونة محاولةً لتهدئة الإستياء الشعبي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والقوانين الصارمة التي فُرضت وسط تفاقم الأزمة الصحية وتغير المشهد الجيوسياسي. وبالنظر إلى المستقبل المضطرب الذي يلوح في الأفق، قد يُطلب من الحكومة ردود فعلٍ اقتصادية حيوية ومناوراتٍ مزدوجة بالغة الدقة أياً كان من يشغل المنصب.
ومن الجدير بالذكر أن الخصاونة، وهو دبلوماسي مخضرم تلقى تعليمه في بريطانيا ويبلغ من العمر 51 عاماً والذي أصبح رئيس الوزراء الـ13 الذي تصدر الإرادة الملكية بتعينه خلال حكم الملك عبد الله الثاني المستمر منذ 21 عاماً، يحل محل رئيس الوزراء الأردني المنتهية ولايته عمر الرزاز الذي استقال وسط استياءٍ شعبي أثناء توليه رئاسة الوزراء.
ففي سبتمبر الماضي، حل العاهل الأردني البرلمان بعد قبول استقالة الرزاز وذلك قبل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في نوفمبر القادم.
وفي خضم العلل التي يعانيها الاقتصاد الأردني، طلب الملك عبد الله الثاني تطبيق قانون الدفاع الوطني، في ظل جائحة كورونا التي تجتاح العالم، والذي يعهد إلى رئيس الوزراء باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان السلامة العامة وحماية المملكة، في مارس الماضي، وتفعيل حالة الطوارىء في البلاد للمساعدة في كبح جماح إنتشار الفايروس.
وعليه، تم تنفيذ حظرٍ شامل صارم شهد منع الحركة بين المحافظات، والحجر الإلزامي، فضلاً عن إغلاق الشركات والمطاعم والمدارس والجامعات ومنع أداء الصلوات بجميع أشكالها في أرجاء البلاد.
ووفقاً للمجلس الأطلسي، منحت الاستجابة السريعة والإندفاعية لحكومة الرزاز والنجاح النسبي في احتواء الفايروس في مراحله الأولى ثقة الجمهور بحكومته آنذاك.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تأكيدات الرزاز بتطبيق قانون الدفاع “في أضيق الحدود” الممكنة، تم في 25 يوليو اعتقال 13 عضواً من أعضاء مجلس نقابة المعلمين الأردنيين، وإغلاق جميع فروعها من قبل الشرطة لمدة عامين، فضلاً عن اعتقال العشرات من المعلمين. وبعد بضعة أيام، صدر قرارٌ بمنع النشر في جميع المنافذ الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي فيما يخص قضية النقابة.
وبالرغم من ذلك، ذكر مسؤولون مزاعم غامضة تتعلق بتجاوزاتٍ مالية وثلاث قضايا عالقة في المحاكم دفعتهم إلى إغلاق النقابة ومقراتها، بيد أنها جميعاً أثبتت عدم وجود أساسٍ قانوني.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن رئيس الوزراء الأسبق عمر الرزاز نفسه عُيّن في عام 2018 لتهدئة الاحتجاجات التي اندلعت رداً على إجراءات التقشف الحكومية التي فرضها صندوق النقد الدولي لإصلاح إدارة التزامات الدين العام للبلاد.
وإلى جانب الإشراف على الانتخابات القادمة، يتمثل دور الخصاونة بتفعيل الإصلاحات التي شجعها صندوق النقد الدولي بعد أن قدم 1,3 مليار دولار أمريكي في إطار تسهيل الصندوق الممدد للمملكة الهاشمية لزيادة “النمو الشامل” الذي يضمن خلق فرص عمل للنساء و الشباب، والحد من الفقر والذي شمل أيضاً دعم إجراءات أزمة كورونا.
يتضمن ذلك أيضاً إجراء تغييرات هيكلية، مثل خفض تكاليف الكهرباء المرتفعة للشركات وتخفيضات مؤقتة في الضمان الاجتماعي. كما تمت برمجة إصلاحاتٍ أخرى لتعزيز بيئة الأعمال، والقدرة التنافسية وجاذبية الاستثمار الأجنبي وتعزيز الإطار التنظيمي للقطاعات المالية والمصرفية.
ويشمل أيضاً خفض العجز العام والحد من القوى الدافعة الرئيسية التي أثارت احتجاجات أولية والاستياء من الاقتصاد.
فالاقتصاد الأردني يواجه أسوأ انكماشٍ له منذ عقود، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 6% هذا العام، حيث كانت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تقترب من 100% قبل جائحة كورونا. علاوةً على ذلك، انخفض نصيب الفرد بنسبة 2,4% بين عامي 2009 و2017، وارتفعت بطالة الشباب بنسبة 6% على مدى السنوات الخمس حتى عام 2019.
من جهةٍ أخرى، ازدهرت السياحة في البلاد على مدى العقود القليلة الماضية محققةً 5,8 مليار دولار من الإيرادات في عام 2019 من إجمالي الناتج المحلي المسجل البالغ 43 مليار دولار في نفس العام، بيد أن جائحة كورونا أعاقت الإنتعاش الوشيك لهذا القطاع.
وبسبب افتقارها إلى الموارد الطبيعية، تعتمد البلاد على المساعدات الخارجية، التي تتدفق بشكلٍ كبير من دول الخليج وتحويلات المغتربين الأردنيين التي تشكل 10% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. لكن مع انخفاض أسعار النفط، انخفض تدفق هذا الدخل أيضاً.
ومع ذلك، قد يكون احتمال فرض حظرٍ شاملٍ آخر بمثابة الضربة المدمرة في ظل إنتشارٍ غير مسبوق لفايروس كورونا في الأشهر الأخيرة. فقد شهد شهر أكتوبر أعلى ارتفاعٍ يومي بأعداد الإصابات المؤكدة في البلاد، ليصل إجمالي الحالات الإيجابية بالفايروس إلى حوالي 60 ألف إصابة و668 وفاة، حيث قد يؤدي استمرار إرتفاع الإصابات إلى إضعاف الخدمات الصحية.
فقد قال أستاذ العلوم السياسية جمال شلبي، إن كتاب التكليف السامي للعاهل الأردني حمل توجيهاتٍ اقتصادية واضحة ومحددة في “وقت حرج وحساس للمملكة بالنظر إلى تطلعاتها للإصلاح الاقتصادي في خضم الجائحة.”
وبحسب ألكسندر ويرمان، محلل المخاطر السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “أقال الملك رؤساء الوزراء استجابةً للاحتجاجات الشعبية ست مرات من عام 2011 إلى يومنا هذا، ولكن يُنظر إلى هذا الإجراء بشكل متزايد باعتباره تضحيةً غير ناجعة.”
ومن المرجح أيضاً أن يواجه مستقبل البلاد المزيد من التحديات، كون الأردن محاطاً بالاضطرابات السياسية والحرب وانعدام الأمن في لبنان وسوريا والعراق، مما سيضيف إلى فاتورة المساعدات للأردن لاستقبال المزيد من اللاجئين في بلدٍ يستضيف بالفعل مئات الآلاف من اللاجئين من جنسياتٍ مختلفة.
علاوةً على ذلك، تجنب الأردن الانتقاد الصريح للولايات المتحدة، حتى في الوقت الذي تواصل فيه دعمها المستمر لإسرائيل بتقوض عملية السلام التي تقوم عليها المنطقة، كي لا تعكر صفو حزمة المساعدات الأمريكية التي تبلغ قيمتها مليار دولار، والتي تعدّ مصيرية في الوضع الراهن غير المستقر للبلاد.
تعتمد المناورة في المستقبل على اتخاذ خيارات سياسية اقتصادية ذكية، إذ يتطلب هذا، من الناحية النظرية، وفقاً للأكاديمي وكاتب العمود في صحيفة جوردان تايمز عامر السبايلة، استراتيجية ثلاثية المحاور تتضمن اندفاعاً سريعاً إلى جانب تحالفات بين الأعمال التجارية المحلية والحكومة على المدى القصير والمتوسط. يجب أن تركز اللعبة طويلة الأجل على “الزراعة والصناعات المحلية والتعليم وخلق أفضل الظروف للجغرافيا الأردنية لربط المنطقة بمشاريع ضخمة بدءاً من النقل وصولاً إلى الطاقة،” على حد تعبيره.
بيد أن أي خطوةٍ إلى الأمام ستشمل بالتأكيد قطع شبكات الأمان الاجتماعي، والتي تبدو متعارضة مع الأهداف المذكورة للنمو الشامل.
يُبرهن كل ما سبق ذكره تفاقم التحديات لبلدٍ يحاول تلبية الإصلاحات المطلوبة، وتحسين الاقتصاد لمواطنيه الضعفاء مع تحقيق التوازن بين أهدافه الجيوسياسية وسط جائحةٍ عالمية.