وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأردن: لغز الملك عبد الله

Jordan- King Abdullah II
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال حفلٍ أقيم في عمّان في 25 مايو 2019، بمناسبة العيد الثالث والسبعين للاستقلال. Photo AFP

هل هناك عاصفةٌ توشك على أن تهبّ داخل أروقة المملكة الأردنية الهادئة؟ ففي أوائل مايو 2019، أعاد الملك عبد الله الثاني ترتيب صفوف كبار ضباطه وسط مخاوف من عدم الاستقرار، مثال ذلك كان استبدال اللواء عدنان الجندي باللواء أحمد حسني مديراً جديداً لدائرة المخابرات العامة في البلاد.

وفي رسالةٍ إلى رئيس المخابرات الجديد، قال الملك إن مسيرة دائرة المخابرات العامة كانت “مشرقة ومشرفة،” على الرغم من أن الدائرة “لم تخلو من بعض التجاوزات لدى قلة قليلة قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام، الأمر الذي تطلب حينها التعامل الفوري معه وتصويبه.” فقد جاءت إقالة رئيس المخابرات الأسبق في أعقاب تقارير أخيرة تتعلق بالعديد من كبار المسؤولين، الذين يُزعم أنهم كانوا يحرضون على مؤامرةٍ في المملكة. ووفقاً لصحيفة القبس الكويتية، تضمنت المؤامرة عدة شخصيات رفيعة المستوى، من بينها زوج عمة الملك، ومسؤول كبير في أجهزة الأمن، وعدد من البرلمانيين، وشخصيات من وسائل الإعلام. كان الغرض من ذلك هو إضعاف حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز، ونشر شائعات حول ممارسات محاباة الأقارب في تعيين الموظفين الحكوميين، وتحريض أفراد عشائر البدو العاطلين عن العمل على التظاهر أمام القصر الملكي، والذي بدوره يمكن استخدامه كدليلٍ على عدم شعبية النظام.

يحدث هذا في وقتٍ حرج للغاية بالنسبة للأردن. في الواقع، منذ عام 2018، شهدت البلاد مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ على الظروف الاجتماعية والاقتصادية بالغة الصعوبة، إذ يبلغ الدين العام ما نسبته 95% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد، بينما بلغت نسبة تشغيل الشباب 41%. وفي مايو 2018، خرج مئات الأردنيين إلى الشارع للتعبير عن معارضتهم لإجراءات التقشف التي يدعمها صندوق النقد الدولي، فيما وصف بأنه أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ سنوات. بيد أنه هذه المرة، لم يهتف المتظاهرون ضد الحكومة فحسب بل استهدفوا أيضاً النظام الملكي. وعليه، قدم رئيس الوزراء السابق هاني الملقي استقالته، إلا أن الاحتجاجات لم تتوقف عند هذا الحد. وفي أكتوبر 2018، اجتمع مئات الأشخاص في عمّان للمطالبة بإصلاحٍ دستوري منددين بالسياسات الاقتصادية القاسية والفساد واسع الانتشار. وفي ديسمبر، طلب المتظاهرون من الحكومة إلغاء قانون ضريبة الدخل المثير للجدل وقانون الجرائم الإلكترونية الذي يقيد الحق في حرية التعبير والحق في الخصوصية.

كما بات الملك يخسر أيضاً دعماً غاية في الأهمية ضمن النسيج الرئيسي للمجتمع الأردني، بما في ذلك العشائر التي يشكل أفرادها معظم إدارات الجيش والحكومة.

فقد قال الصحفي الفلسطيني داود كتّاب لفَنَك إنه من غير المرجح أن تؤدي الاحتجاجات إلى موجةٍ ثانية من “الربيع العربي.” وأضاف إن هذا يرجع إلى أن “العواقب المترتبة على ذلك في بلدان أخرى في المنطقة، مثل مصر أو سوريا، هي رادع لمطالبات ‘تغيير النظام‘.” وتابع القول، “يريد الناس الإصلاحات، إلا أنهم سيظلون مترددين في المطالبة بالإطاحة بالنظام.”

مع تراجع شعبيته داخل البلاد، يبدو أن وضع العاهل الأردني ضعيف أيضاً على الساحة الإقليمية. قد يفسر هذا سبب نأيه بنفسه عن أحدث التقلبات المتعلقة ببعض المسائل الخاصة بالعائلة المالكة، إذ يُقال أن شقيقة الملك غير الشقيقة، الأميرة هيا بنت الحسين، قد هربت من زوجها برفقة طفليهما إلى لندن، ويبدو أنها تسعى للحصول على اللجوء في ألمانيا. زوجها هو حاكم دبي ورئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن راشد آل مكتوم. وعلى الرغم من قربهما، يبدو أن الملك عبد الله الثاني غير مستعدٍ لمعالجة هذه القضية وجهاً لوجه، خوفاً من تداعياتٍ سياسية سلبية على المملكة، بل إن مثل هذه المسألة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة بين الأردن ودول الخليج، كما قد تلقي بظلالها أيضاً على وضع 200 ألف مواطن أردني يعملون حالياً في الإمارات العربية المتحدة.

ومن الجدير بالذكر أن الأردن لم يمتثل للسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في المسائل الإقليمية. وعلى الرغم من أن كلاً من السعودية والإمارات فرضتا عقوباتٍ على قطر وقطعت علاقاتها الدبلوماسية، إلا أن العاهل الأردني حافظ، من جانبه، على علاقات المملكة مع الدوحة، على الرغم من خطر تخفيض تمثيلها الدبلوماسي. كان لذلك ثمنٌ سياسي ومالي، ذلك أن المملكة العربية السعودية لم تجدد حزمة مساعداتها للأردن في عام 2017. “لم يسبق أن تعرض الأردن لمثل هذا الضغط الهائل من المملكة العربية السعودية،” أوضحت لميس أندوني، محللة شؤون الشرق الأوسط لفَنَك، وأضافت “فيما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنهم يتدخلون لدرجة أنهم أرادوا من الأردن إغلاق مكتب الجزيرة في عمّان. حتى الآن، لم تعد القناة إلى عملها في البلاد بالكامل، إذ إنها تبث برامجها عبر الإنترنت،” في إشارةٍ إلى إغلاق الأردن لمكتب قناة الجزيرة المملوكة للدولة القطرية في عمّان في يونيو 2017.

ويبدو أن المملكة باتت عالقةً في طريقٍ مسدود، على الرغم من أنه يبدو أن أي خسارة دبلوماسية ومالية من جانب، تُعوض بمزايا من الجانب الآخر. ففي شهر أغسطس الماضي، قدمت قطر دعماً قدره 500 مليون دولار للبلاد وذكرت أنها مستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في المملكة مع توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين الأردنيين في قطر.

وبحسب كتّاب، “الأردن بلدٌ صغير دون أي موارد رئيسية مثل النفط. لذا، لطالما اعتمدت استراتيجية البلاد على قدرتها على الحفاظ على علاقاتٍ دبلوماسية جيدة مع جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين في المنطقة.” وأضاف، “صحيح أن المنطقة تمر باستقطابٍ متزايد، مع توتراتٍ بين المملكة العربية السعودية وقطر، أو بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى الرغم من صعوبة الأمر، إلا أن الأردن يسعى إلى العيش في سلام مع جميع الجهات الإقليمية الفاعلة.”

وأكد الصحفي أيضاً أنه على الرغم من التوترات القائمة، ما زالت المملكة العربية السعودية تدعم الأردن مالياً، فقد تم تسليط الضوء على هذا في الاتفاقية الأخيرة، الموقعة في 4 يوليو بين وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني ونائب رئيس مجلس إدارة الصندوق السعودي للتنمية، لضخ حوالي 50 مليون دولار في القطاع التعليمي في المملكة الهاشمية.

وأوضح كتّاب لنا في فَنَك، “في الواقع، من غير المرجح أن يقطع الأردن والمملكة العربية السعودية علاقتهما،” وتابع “تتمتع المملكتان بعلاقاتٍ تاريخية واقتصادية وثقافية قوية للغاية. ومع ذلك، ما قد يصبح أكثر تعقيداً هو علاقة الأردن بالولايات المتحدة، فالأخيرة تمارس الكثير من الضغط على الأردن للحصول على دعمه لعملية خطة السلام.”

الأردن، الذي يتلقى مساعداتٍ أمريكية، هو في الواقع واحد من 128 دولة صوتت لمقترحٍ يرفض اعتراف واشنطن بالقدس عاصمةً لإسرائيل. فقد عبر ملك الأردن مراراً وتكراراً عن مخاوفه بشأن خطة سلامٍ من شأنها أن تدفن الإجماع الدولي القائم منذ فترةٍ طويلة لصالح حل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وعلى الرغم من شكوكه حول ما وصفه ترمب بأنه “صفقة القرن،” إلا أن الملك أرسل وفداً بتمثيلٍ منخفض المستوى إلى مؤتمر البحرين الذي عقد في المنامة يومي 26 و27 يونيو لعرض العنصر الاقتصادي للخطة الأمريكية.

ووفقاً للصحفي الإسرائيلي عاموس هاريل، يخشى الأردن أيضاً من أن خطة السلام قد تتضمن بنداً يمنح “السعوديين ودول الخليج موطىء قدم على جبل الهيكل، على سبيل المثال، من خلال إدارة مداخل الجبل.” وكما يعتقد، فإن الأمر الأخير سيشكل “ضربةً لمكانة الملك كوصيٍ عن الأماكن المقدسة في القدس.”

وبالنسبة لمسؤولٍ رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية قابلته المونيتور في 2018، قال “تمهد المملكة العربية السعودية الآن الطريق لوصايتها على هذه المواقع،” إذ كان هناك محاولات لإشراك الزعماء الدينيين وقادة الرأي العام من القدس في حوارٍ مع ولي العهد محمد بن سلمان ليحظى بالدعم حول هذه الفكرة المطروحة.

تستفيد المملكة العربية السعودية من علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وكذلك من حقيقة أن دونالد ترمب يسعى للحصول على دعم من الدول العربية لخطة السلام في الشرق الأوسط، التي شجبها العديد على نطاق واسع ولم يوافق عليها الأردن. ويخشى الأردن من أن الخطة الأمريكية تهدف في النهاية إلى تحويل الدولة إلى دولةٍ فلسطينية، كما يعتري القلق الأردن أيضاً من أن تجبر ضغوطات الولايات المتحدة المملكة على تشكيل اتحادٍ كونفدرالي يضم الأردنيين والفلسطينيين، بغض النظر عن موقفه الراسخ من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والقيود الداخلية والإقليمية التي يتعرض لها.

من غير المرجح أن يجهض الأردن، المخلص لاستراتيجيته الدبلوماسية التقليدية، صراحةً تحالفه طويل الأمد مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بيد أنه يبدو أكثر ميلاً إلى العمل بشكلٍ وقائي على تطوير علاقاته مع دولٍ أخرى، مثل روسيا والصين وتركيا.