قبل أن يصبح أسمه مألوفاً في جميع أنحاء العالم العربي، كانت بدايات الواعظ التلفزيوني، عمرو خالد، متواضعةً كداعيةٍ شاب يحاول الوصول إلى الشباب المصري. ومع ذلك، يزخر صعوده إلى عالم الشهرة بالجدل.
خالد، المولود في مدينة الإسكندرية في عام 1967، لم يدرس علوم الدين في جامعة الأزهر في القاهرة، كحال غالبية الدعاة الآخرين. بدلاً من ذلك، درس المحاسبة في جامعة القاهرة وعمل كمحاسبٍ لعدة سنوات قبل أن يُطلب منه إلقاء الخبطة في مسجدٍ محلي. حظيت خطبه بشعبية، ليطلب منه تقديم المزيد والمزيد.
كان جمهوره، الذي كان يتألف بشكلٍ أساسي من الشباب والفتيات من الطبقة المتوسطة، متميزاً آنذاك عن جمهور الدعاة الآخرين. وقال أحمد ممتاز، الذي كان طالباً آنذاك وقطع مسافة 50 كيلومتراً لسماع عمرو خالد، “كان يبدو طبيعاً، مثلنا، رجلٌ حليق الذقن ويرتدي بذلة، وليس الجلابية.” وأضاف “حرض الدعاة الآخرون على الخوف وجعلوا الناس يشعرون أنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية. كانت رسالته رسالة أمل، وبسّط الأمور وتحدث عن كيفية عيش الناس لحياتهم بشكلٍ أفضل.”
استمر أتباع خالد بالنمو بعد أن استغل شريحةً من السكان حرمها المتشددون ومؤيدوا الإسلام السياسي من حقوقها. فقد قدم خالد بديلاً جذاباً: شخصية متدنية ترتدي ملابس عصرية وتتحدث عن حسن الخلق والإصلاح، وكيف يمكن للشباب أن يعيشوا حياتهم على أكمل وجه ضمن مفاهيم الإسلام.
وقالت مروة إبراهيم، التي بدأت بالاستماع لخالد في عام 1999عندما كانت طالبة في كلية الفنون وكانت تستمع لدروسه في كل مسجدٍ تدخله، “عارضه الكثير من الناس لأنه لم يدرس علوم الدين في الأزهر، ولكني وجدت أنه كان يتحدث دوماً عن حسن الخلق والعادات. أعتقد أنه مسؤولاً عن توجيه العديد من الناس أو مساعدتهم لقراءة المزيد عن الدين… فقد كان أول من أظهر للشباب أن بإمكانهم الإنخراط في الأعمال الخيرية حتى وإن لم يمتلكوا المال.”
وفي حين توافد الشباب إلى خطبه، كان الجيل الأكبر أكثر إرتياباً بشأن سِنه وافتقاره إلى التعليم الديني الرسمي. وقالت إيمان فودة، وهي صيدلانية شابة تعيش في أحد أحياء القاهرة الراقية، “لم يحبه والديّ قط، وهم على يقين أنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين.” ومع ذلك، انتهى الأمر بانضمام العديد من الأهل إلى أبنائهم وبناتهم، ليبدأ باكتساب أتباعٍ من قطاعاتٍ جديدة في المجتمع.
ومع ازدياد شعبية خالد، بدأ يجذب انتباه قوات الأمن الذين كانوا يشعرون بالضيق بسبب قدرته على حشد الشباب. أصبح حضوره أقل ترحيباً، ونقلت خطبه في نهاية المطاف من وسط القاهرة إلى ضواحيها ليصعب على أتباعه التجمع. وعندما قام بتصوير الحلقات الأولى من برنامجٍ تلفزيوني في عام 1999، لم تبثه قناة مصرية واحدة. ولكن بعد ذلك بعام، منحته قناة إقرأ السعودية فرصة لتقديم برنامجه الخاص، مما دفعه إلى مستويات جديدة من الشهرة في جميع أرجاء العالم الناطق باللغة العربية.
وفي عام 2004، انتقل خالد للعيش في مدينة برمنغهام في المملكة المتحدة مع زوجته وابنه الصغير. من هناك، أطلق برنامجه صناع الحياة، الذي حشد الشباب في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط وما وراءها لإنشاء مبادرات التنمية الخيرية ومحو الأمية. وأصبح الموقع الإلكتروني للبرنامج ثالث أكثر المواقع شعبيةً في العالم، حيث اجتذب 26 مليون زائر في عام 2005. وفي ذروة شعبيته، أصبح خالد رمزاً للإسلام المعتدل وطريقة للمسلمين للتعايش مع الآخرين، وخاصة في الغرب.
وفي عام 2006، نشرت صحيفة دنماركية رسوماً كاريكاتورية مثيرةً للجدل تسخر فيها من النبي محمد. وبدلاً من الانضمام إلى جوقة الغضب التي تلت ذلك، اختار خالد السفر إلى كوبنهاغن ومحاولة بناء الجسور من خلال استضافة مؤتمر للحوار بين الأديان. أثار ذلك غضب العديد من المسلمين في جميع أنحاء العالم، بمن فيهم رجل الدين البارز في جماعة الإخوان المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي.
وعلى مدى السنوات القليلة التالية، كان خالد يُقدم برنامجاً جديداً في كل شهر رمضان تقريباً، الذي يعتبر أقدس الأشهر لدى المسلمين، حيث نما جمهوره وأصبح إسماً مألوفاً. وعندما اندلعت الاحتجاجات ضد الرئيس حسني مبارك في 25 يناير 2011، التي قادها في الأصل، الشباب المصري، قرر خالد العودة إلى البلاد ليقف في نهاية المطاف مع الثوار، وينضم إليهم في ميدان التحرير.
دفع ظهور الإسلام السياسي بعد سقوط مبارك، إلى جانب فترة عدم الاستقرار السياسي، العديد من الشباب إلى انتقاد الإسلام ودوره في الحياة السياسية. أخذ خالد منحى سياسي إلى حدٍ أكبر خلال ظهوره المتلفز ومقابلاته. وبابتعادته عن الوعظ، انضم إلى القوى السياسية الأخرى، وشكل في عام 2012 حزب مصر المستقبل الذي وصفه بأنه حزب سياسي يركز على التنمية ويسعى إلى تمكين شباب البلاد. بيد أن هذه الخطوة أفقدته الكثير من المؤيدين، خاصة وأن البلاد باتت أكثر انقساماً.
وبعد الانقلاب العسكري المدعوم شعبياً في 30 يونيو 2013، والذي أطاح برئيس الإخوان المسلمين محمد مرسي، استقال خالد من منصبه كرئيسٍ لحزب مصر المستقبل، واعتذر في وقتٍ لاحق عن خوضه في السياسة، وتعهد بالالتزام بالتنمية في المستقبل. لكن الاعتذار جاء متأخراً جداً، حيث اتهمه العديد من أتباعه بالنفاق. وبعد أن قتلت قوات الأمن المئات من أنصار مرسي في اعتصام ميدان رابعة، رفض خالد التعليق، مشدداً على أنه ترك السياسة قبل الحدث، حيث أدى ذلك إلى غضب مؤيديه من الجماعات الإسلامية.
وكان خالد قد أيّد مرسي عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين في السلطة، إلا انه سحب تأييده بعد الإنقلاب. وفي وقتٍ لاحق، نشرت صورٌ لعمرو خالد على وسائل التواصل الاجتماعي وهو يصوّت لصالح عبد الفتاح السيسي في الإنتخابات التالية، مما أغضب الشباب بشكلٍ أكبر.
“لطالما اعتقدت أنه منافق، وبعد كل ما حدث، أثبت لي أنه كذلك. أراد أن يغسل دماغ الشعب باستخدام الإعلام لإبقاء الناس جاهلين حيث تسبب بأذى لجيلٍ بأكمله،” هذا ما قالته داليا قنديل، وهي شابة مصرية نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية قبل تعود للعيش في مصر قبل عدة سنوات.
كما يشعر أحمد ممتاز، الذي اعتاد الاستماع إلى محاضرات خالد، أنه منافقٌ أيضاً. ويقول في هذا الصدد “في السابق كان يتحدث عن الأخلاق والعادات الحميدة، إلا أنه الآن ابتعد كل البعد عنها. لم أعد أصدقه عندما يتحدث بعد الآن.”
ويقول أحمد بهاء، وهو مهندسٌ شاب “كنت معجباً به جداً. وكحال الجميع في الوسط الإعلامي اليوم، أعتقد أن هناك دوافع خفية لما يقوله- أو لا يقوله.”
ولم تعد برامجه تجذب الجمهور الذي كانت تجذبه في السابق، ولم تعد قاعات محاضراته مكتظة. فقد طغى عليه الدعاة الشباب الأخرون بفهمهم وشعبيتهم. فقد توقفت إيمان فودة عن مشاهدته تماماً، “شخصياً لا أعرف أي أحدٍ لا يزال يستمع له. حتى أن برنامج صناع الحياة لم يعد يحظى بالشعبية التي كان يتمتع بها. لقد مهد الطريق للدعاة الجدد.”
وبالرغم من محاولاته، إلا أن خالد غالباً ما يفشل بالنأي بنفسه عن السياسة. فعندما غرّد مؤخراً حول قصةٍ تتعلق بالنبي محمد من برنامجه الأخير، اتهمه الناس، بشكلٍ أساسي، بدعم قطر في المواجهة السياسية الأخيرة بين الإمارة الخليجية وأربع دول عربية أخرى، بما في ذلك مصر. واضطر إلى كتابة تغريدةٍ أخرى ليؤكد على وجه الخصوص دعمه للحكومة المصرية ومكافحتها للإرهاب، الذي اتهمت مصر قطر بدعمه.
وعلى الرغم من أنه لا يزال يواصل الدعوة والترويج لشعاره بالتنمية بين جيل الشباب، إلا أنه ابتعد كل البعد عن الشهرة الرنانة التي نالها عام 2007، عندما اختارته مجلة تايم ضمن قائمة أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم.