أدى هيثم بن طارق بن تيمور، سلطان عُمان الجديد، اليمين الدستورية يوم 11 يناير 2020 بعد تنصيبه منصب السُلطان العاشر خلفاً لابن عمه السُلطان قابوس بن سعيد بن تيمور الذي وافته المنية في وقت سابق من الشهر بعد معاناة مع مرض سرطان القولون، وبعد عهد استمر قرابة نصف قرن.
لطالما كان انتقال السُلطة أمرٌ يدعو للقلق لخصوصية حالة السُلطان قابوس الذي لا ولي عهد ولا أخ ولا ابن له في السلطنة، التي لا لطالما مثلت واحة الهدوء في إقليم مُضطرب. وقد زاد هذا القلق منذ إصابة السُلطان الراحل بمرض سرطان القولون عام 2014 والذي أثّر على حيويته وأداءه السياسي بشكل كبير، بالإضافة إلى أن أخر انتقال للسلطة لم يمر بشكل سلمي حيث تولى قابوس الحكم بعد انقلابه على والده سعيد بن تيمور في يوليو 1970، ونفيه بعدها إلى لندن ليستقر هناك لمدة عامين حتى وافته المنية في أكتوبر عام 1972.
وبعد ساعاتٍ من الإعلان عن وفاة السلطان قابوس، وجه مجلس الدفاع الأعلى دعوة إلى مجلس العائلة الحاكمة للانعقاد لتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم في البلاد، حيث تنص المادة السادسة من الدستور العُماني المُسمى بـ “الكتاب الأبيض،” على “يقوم مجلس العائلة الحاكمة، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السُلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحُكم. فإذا لم يتفق مجلس العائلة الحاكمة على اختيار سلطان للبلاد قام مجلس الدفاع بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة.”
إلا أن مجلس العائلة قد رأى فور انعقاده بعد وفاة السلطان قابوس استخدام وصية الراحل بشكلٍ مباشر والتي جاء فيها اسم ابن عمه هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، وتُشير المادة الرابعة من الكتاب إلى أن نظام الحكم في البلاد نظام سُلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويُشترط فيمن يُختار لولاية
الحكم من بينهم أن يكون مسلماً رشيداً وابنا شرعيا لأبوين عُمانيين مسلمين. ولد هيثم بن طارق، في 13 من أكتوبر عام 1954، وقد درس بجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة وتخرج منها عام 1979، وبعد تخرجه عينه ابن عمه السلطان قابوس في منصب رئيس الاتحاد العُماني لكرة القدم كأول رئيسٍ للاتحاد واستمر في المنصب حتى عام 1986، حيث تم إلحاقه بالعمل الدبلوماسي في منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية. تولى من بعدها منصب أمين عام وزارة الخارجية من عام 1994 حتى عام 2002، عندما تم اختياره وزيراً للتراث والثقافة وهو آخر منصب تولاه وبقى فيه حتى اختياره سُلطاناً جديداً في البلاد.
وعُرف عنه حبه للرياضة وخاصة كرة القدم، حيث يشغل حتى الآن منصب الرئيس الشرفي لنادي السيب، النادي الرياضي الذي يمثل ولاية السيب أكبر ولايات العاصمة مسقط. وهو متزوج من إحدى سيدات العائلة الحاكمة هي السيدة عهد بنت عبد الله بن حمد البوسعيدي وله منها 4 أبناء هم ذي يزن، بلعرب، ثريا وأميمة.
وهيثم هو أحد الأبناء السبعة لطارق بن تيمور، الأخ غير الشقيق للسُلطان الأسبق سعيد بن تيمور. عُرف طارق بنظرته التقدمية في الحكم التي رآها أخيه أنها طريقة غربية أوروبية، حيث قام طارق أثناء توليه منصب رئيس بلدية مسقط بفرض غرامات على إلقاء القمامة في الطرقات، كما كان أول من بنى حمامات عامة في المدينة.
وفي وقتٍ لاحق، حدثت خلافات كبيرة بينه وبين أخيه السُلطان والتي قيل أن من أسبابها صلة طارق ببعض ثوار ظُفار الذين قاموا بحركة تمرد مسلحة ضد السلطنة عام 1965 وادعاءاتٍ بمحاولته الانقلاب على أخيه، نتج عن ذلك إبعاده عن السلطنة حتى إطاحة السُلطان قابوس بوالده من كرسي السلطنة عام 1970، حيث عاد وتولى منصب رئيس الوزراء حتى عام 1972 ليتولى بعدها منصب مستشار السُلطان للشؤون السياسية حتى وفاته عام 1980.
لطالما عُرف هيثم بقربه من السُلطان قابوس، الذي اعتبره أحد أقربهم إلى توجهه ونظرته في شؤون الحكم وسياسة السلطنة الداخلية والخارجية. وفي عام 2013، عيّنه السلطان قابوس رئيساً للجنة تطوير السلطنة. كما ترأس مؤتمر رؤساء المحاكم العُليا في الدول العربية ورئيس الوفد العُماني عام 2016. بالإضافة إلى ذلك، اختاره السلطان أيضاً مبعوثاً خاصاً له في كثير من المناسبات والمهام، مما يؤكد على مركزه كأحد أركان الدولة.
في خطاب توليه المنصب شدد هيثم على أوجه التشابه مع سلفه، إذ قال “عازم على السير على نهج السلطان قابوس والبناء عليه، والعمل على النأي بالمنطقة عن الصراعات والخلافات وتحقيق التكامل الاقتصادي.”
ووفق الدستور العُماني، يتمتع السلطان بصلاحيات واسعة تتضمن رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة وتعيين مجلس الدولة العُماني الذي يعتبر المجلس التشريعي في السلطنة، وتعيين نواب وأعضاء الحكومة وإعفائهم من مناصبهم، وتعيين وكلاء الوزارات والأمناء العاملين وإعفائهم من مناصبهم، ورئاسة المجالس المتخصصة وتعيين أعضائها أو من يرأسها، وتعيين كبار القضاء أو إعفائهم، وإعلان حالة الطوارئ أو التعبئة العامة والحرب، وإصدار وسن القوانين وتوقيع المعاهدات والاتفاقات الدولية، وتعيين السفراء والمبعوثين والممثلين عن السلطنة في الخارج، والعفو عن أية عقوبة.
تاريخياً، حافظت السلطنة على موقع الحياد ولعبت دور الوسيط في الأزمات التي عصفت بالمنطقة وعلى رأسها الأزمة الخليجية بين دولة قطر من جانب والسعودية والامارات والبحرين من جانب آخر. كما رفضت عُمان الاشتراك في التحالف العسكري الذي شكلته المملكة السعودية للحرب في اليمن ضد قوات جماعة الحوثيين، ولعبت دوراً وسيطاً في النزاع الإيراني الأمريكي والخلاف السعودي الإيراني.