في الوقت الذي يعاني فيه مجلس التعاون الخليجي، وهو تحالفٌ سياسي واقتصادي من ست دولٍ في شبه الجزيرة العربية، من الإنقسام، قدّم المجلس جبهةً موحدة خلال قمته السنوية في 10 ديسمبر 2019 في العاصمة السعودية الرياض، حيث شملت هذه الوحدة قطر، على الرغم من استمرار الحصار البري والبحري والجوي للدولة الخليجية.
فقد قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، ومصر، الدولة غير العضو في مجلس التعاون الخليجي، علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر في يونيو 2017 بسبب مزاعم بدعمها للإرهاب. من جهتها، تنفي الدوحة المزاعم وتقول إن الحصار يهدف إلى الإضرار بسيادتها.
ومع ذلك، في ديسمبر 2019، بدا أن الأمور تأخذ منحى مختلفاً عندما صرح وزير خارجية قطر في مؤتمرٍ صحفي في روما أن الأزمة الخليجية “انتقلت من الجمود إلى التقدم.” وكشف عن إجراء محادثاتٍ بين المسؤولين القطريين والسعوديين، دون تقديم المزيد من التفاصيل. كما شاركت دول الحصار الثلاثة في مجلس التعاون الخليجي في بطولة إقليمية لكرة القدم في قطر، بعد تراجعها في اللحظة الأخيرة عن قرارٍ سابق بعدم المشاركة.
وبحسب ما قالته لنا في فَنَك، آبريل لونجلي ألي، نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة الأزمات الدولية غير الربحية، “في حين كان هناك شائعات عن وجود تقاربٍ في الماضي، إلا أن الأمر يبدو مختلفاً هذه المرة.” وأضافت “هناك حوافز مالية قوية لكلا الجانبين لإنهاء الأزمة، وربما يمكن للمخاطر الأمنية الجماعية التي تشكلها إيران بعد هجوم أرامكو أن تحفز هذا التعاون.”
ومن الجدير بالذكر أن هجوم أرامكو وقع في سبتمبر الماضي، عندما أصابت صواريخ وطائراتٍ مُسيّرة منشأتين للنفط مملوكتين للدولة في المملكة العربية السعودية، مما تسبب في تعطيل قرابة نصف الطاقة التصديرية للبلاد من النفط وحوالي 5% من الإنتاج العالمي. وعليه، أعلنت جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران والتي تقاتل تحالفاً تقوده السعودية في اليمن مسؤوليتها عن الهجمات رغم أن قلة صدقوا ذلك. فقد أشارت إحدى الاحتمالات إلى أن ميليشيات عراقية موالية لإيران كانت وراء الضربات.
“ربما الأهم هو التحول في المملكة العربية السعودية،” أضافت لونجلي ألي، وتابعت القول “منذ هجمات أرامكو، وبما أن المملكة تركز أكثر على أجندة الإصلاح الداخلية، يبدو أن الرياض تتخلى عن أو تقلل من مشاركتها في النزاعات الإقليمية المكلفة دبلوماسياً و/أو مالياً [مثل اليمن وقطر] وباتت تتخذ، على الأقل، بعض الخطوات لخفض التوترات مع إيران “.
وقالت أيضاً: “على الرغم من أن المسؤولين القطريين والسعوديين إيجابيون عموماً بشأن اتجاه الجهود لاستعادة العلاقات، إلا أن الخلافات لا تزال عميقة. حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق، وتم استعادة العلاقات الدبلوماسية ورفع الحصار، فمن المرجح أن تظل التوترات. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستحتاج إلى مواكبة السعوديين، إلا أنهم قد يفعلوا ذلك على مضض، وستظل علاقاتهم مع قطر محفوفة بالمخاطر ومن غير المحتمل أن تتحسن بسرعة.”
من جانبه قال توربجورن سولت فيدت، المحلل الرئيسي في شركة “فيرسيك مابليكروفت” المتخصصة في استشارات المخاطر، لـ إس بي جلوبال بلاتس، “نعم، حدث تقدمٌ بين السعوديين والقطريين، أما على الجانب الإماراتي [يبدو أن المحادثات] لا تزال مغلقة إلى حدٍ ما، ولا أعتقد أن هناك احتمالية بتحرك السعوديين دون دولة الإمارات العربية المتحدة.”
تُعرف المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مصر، باسم “اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب،” وهو لقبٌ يمنحهم مظهر القدرة على التأثير في كيفية تعامل الدول الأخرى مع الجماعات “الإرهابية” والمهاجرين.
في حين قال طلحة عبد الرزاق، الباحث في معهد الاستراتيجية والأمن بجامعة إكستر البريطانية، لنا في فَنَك، “لا أعتقد أنه من السليم وصف [هذه البلدان] بأنها اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب لأنها تعني أن قطر تدعم الإرهاب.” وتابع “تتميز اللجنة الرباعية بخصائص معادية للديمقراطية بشكلٍ واضح ولديها سجل غير مكتمل عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في بلادهم.”
ومع ذلك، يرى إمكانيةً لتقاربٍ حذر بين قطر واللجنة الرباعية، إذ قال، “من الناحية المثالية، ستكون عودةً إلى حالة ما قبل الحصار، وهو الوضع السابق الذي كانت فيه دول مجلس التعاون الخليجي في حالة ترابطٍ شديد إلى حدٍ كبير، علناً على الأقل، حتى وإن كان هناك عداءٌ سري. وهذا من شأنه أن يعني تمكن الوصول إلى البلدان الأخرى عبر المجال الجوي واستئناف الاجتماعات التي تضم جميع القوى الخليجية. مصر ليست جزءاً من دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها شريكٌ صغير في اللجنة الرباعية ولن تستمر بمقاطعتها من جانبٍ واحد في حال قيام المملكة العربية السعودية برأب الصدع مع قطر.”
وعلى الرغم من المؤشرات التي تشير إلى أن المملكة العربية السعودية وقطر على استعدادٍ لوضع التوترات جانباً من أجل تقديم جبهة أكثر توحداً خلال الأوقات العصيبة، إلا أنه لم تحدث أي تغييرات كبيرة حتى الآن. فعلى سبيل المثال، دعا الملك سلمان من المملكة العربية السعودية الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، إلا أنه رفض العرض وأرسل وفداً صغيراً بدلاً من ذلك؛ ساخراً من السعوديين.
وقال عبد الرزاق: “كانت هناك ضوضاء إيجابية من كلٍ من قطر والمملكة العربية السعودية، لكن من الواضح أن الإمارات غير راضية عن أي تفاهمٍ متزايد تم تعزيزه بين الرياض والدوحة.” وأضاف “عقدت قمة دول مجلس التعاون الخليجي في أعقاب الهجوم على البُنية التحتية النفطية الحيوية في السعودية، مما تسبب في صدماتٍ لسوق النفط العالمية وتباطؤ الإمدادات مؤقتاً. كانت السعودية تبحث عن إدانةٍ عامة لإيران وأنشطتها الخبيثة في جميع أنحاء المنطقة، وتمكنت من إصدار بيانٍ مشترك بنسخةٍ مخففة. وبالتالي، لم تكن القمة حاسمة ولم تُغير الكثير على أرض الواقع.”
ما يمكن أن يؤثر ويعزز الحاجة إلى الوحدة في الخليج هو التوترات المتنامية بين إيران والولايات المتحدة، في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير 2020. وعلاوةً على ذلك، فإن تنامي زعزعة الاستقرار في المنطقة من شأنه أن يدفع القوى الإقليمية نحو التعاون لتجنب الوقوع في صراعاتٍ عالمية أكثر تعقيداً.