يعاني قطاع الإنشاءات والمباني في قطاع غزة من نقصٍ شديد في مواد البناء بسبب القيود الإسرائيلية المشددة على استيرادها، وبخاصة الأسمنت والرمل والحصى التي يتم استخدامهما في صناعة الطوب.
ولكن كما يقال “الحاجة أم الاختراع،” فقد نجحت المهندسة مجد المشهرواي (24 عاماً) من مدينة غزة، بالتعاون مع زميلتها في الدراسة روان عبد اللطيف في تحويل رماد المحروقات إلي طوب، الذي يعتبر الأول من نوعه في العالم العربي، نظراً لتركيبته المكونة من الاسمنت المخلوط مع رماد الفحم والمحروقات الخشبية بدلاً من الرمل و الحصى.
فقد أطلقت مجد على مشروعها الحجري اسم “Green Cake” أي الكيك الأخضر، ذلك أنهم يُعيدون فيه استخدام الرماد بدلاً من إرساله إلى مدافن النفايات فضلاً عن كونه أخف وزناً بكثير من الطوب الاسمنتي، وعازل للصوت ويمتاز بخصائص عزلٍ جيدة، وأرخص بكثير من الطوب الاسمنتي العادي.
جاءت فكرة صناعة هذا الطوب البيئي عندما كانت مجد وزميلتها روان طالبتين في السنة الثالثة بكلية الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية، حيث بدأتا بالتفكير بمقترحٍ لمشروعٍ جديد في مجال البناء يوفر لهما فرصة عمل جيدة في قطاع الإنشاءات بعد تخرجهن من الجامعة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في القطاع. وفي نفس الوقت رغبتا بتقديم حلولٍ صديقة للبيئة والتقليل من نسبة التكاليف المادية المرتفعة لمواد البناء في قطاع غزة.
وتؤكد مجد لفَنَك أن الطوب الذي صنعته من شأنه أن يخفف من نسبة التلوث البيئي في قطاع غزة، لأنه عادةً ما يتم التخلص من الرماد المتطاير من المواد المحترقة إما عن طريق دفنها في التربة أو إلقاءها في مكب النفايات. وتعد كلا الطريقتين ضارتين بالبيئة، ذلك أن الرماد يمكن أن يتغلغل في المياه الجوفية ويلوثها.
وطوال عملها على المشروع، حصلت مجد على فرصةٍ كبيرة لتلقي استشارات فنية من الخبراء المتخصصين في قطاع البناء، بالإضافة لتلقيها الدعم المالي لتغطية بعض تكاليف اختراعها للبدء بمشروعها.
وعن أسباب وعوامل نجاحها، تقول مجد أن امتلاكها لإرادة قوية وإصرارها الكبير على العمل، مع عدم استسلامها للفشل من أول مرة كان السبب في نجاحها. وفي نفس الوقت أكدت مجد أنه لولا دعم وتشجيع عائلتها وخاصةً والدها، رجل الأعمال الغزي إسماعيل المشهرواي، الذي تعتبره ملهمها الرئيسي ومثلها الأعلى بالحياة، لما استطاعت تطوير اختراعها وتحقيق انجازات كبيرة في مجال الأعمال البيئية.
ومع ذلك، تعترف بأن طريقها لم يكن ممهداً وسهلاً. فلكونها شابة تقتحم مجال الإنشاءات الذي يسيطر عليه عادة الرجال، واجهت عدة صعوبات وتحدياتٍ مجتمعية. كما واجهت مجد أيضاً تحدياتٍ تقنية، عندما فشلت نتائج الفحوصات الأولية لعينات الطوب التي أنتجتها في أول التجربة. ولكن مع استمرار مجد في التجربة عدة مرات، نجحت في النهاية في إنتاج طوب البناء البيئي.
فازت مجد بجائزة الإمارات البرونزية للطاقة للعام 2017، ضمن فئة البحث والتطوير عن مشروعها. وتُعد هذه الجائزة من الجوائز المهمة التي تنظمها دولة الإمارات العربية المتحدة كل عامين، بغرض التشجيع على الاستخدام الأفضل لمصادر الطاقة. كما تهدف الجائزة إلى تسليط الضوء على أفضل الممارسات والأعمال الرائدة في مجال كفاءة الطاقة، والطاقة البديلة، والاستدامة، وحماية البيئة.
أما بالنسبة لشعور مجد حول فوزها بهذه الجائزة المميزة، أخبرتنا في فَنَك: “شعرت بالفرحة والحزن في آنٍ واحد، فقد فرحت لأني أول فلسطينية تحصل على هذه الجائزة المميزة في مجال الطاقة والبيئة، وحزنت في ذات الوقت لأن عائلتي لم تتمكن من السفر معي، لتشاركني فرحة الفوز… فعائلتي لم تحصل على تصريح عبور عبر معبر إيرز الإسرائيلي، فقد تم تكريمي وحيدة دون عائلتي، مما جعلني أشعر بغصة في نفسي، لأني أردت أن أرى الفرحة والفخر في أعين والدي أثناء استلامي للجائزة.”
وبالإضافة لجائزة الإمارات، حصلت مجد أيضاً على المركز الأول في مسابقة تحدي اليابان، مما أهلها للسفر إلى اليابان ونقل تجربتها الريادية هناك. واعتبرت مجد فرصة سفرها إلى اليابان بمثابة فرصةٍ مميزة حيث اكتشفت من خلالها الإبداع الياباني عن قرب، وتعرفت عبرها على صناعات وثقافات جديدة.
وبالإضافة إلى Green Cake، وجهت مجد اهتمامها أيضاً نحو تقنيات الطاقة المتجددة، حيث بدأت بمجموعة تعمل بالطاقة الشمسية خارج الشبكة تسمى SunBox. وباستغلالها لأشعة الشمس التي تغطي القطاع على مدار العام تقريباً، تولد المجموعة كيلو واط واحد من الكهرباء، وهو ما يكفي لتشغيل أربعة مصابيح، واثنين من أجهزة الكمبيوتر المحمول، وهاتفين، وجهاز توجيه إنترنت، وتلفزيون/ مروحة/ ثلاجة صغيرة ليوم كامل، قبل أن تضطر إلى إعادة شحنها. ففي القطاع الذي يعاني من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، تأمل مجد أن توفر المجموعة، التي يتم بيعها بسعر 450 دولاراً، للغزيين نوعية معيشة أفضل وفرصاً للنمو الاقتصادي.
وفي حال نجح مشروعها الأولي، تأمل مجد بأن تجمع تمويلاً كافياً للتوسع خارج نطاق غزة، بما في ذلك مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وللسوريين في الأردن والمجتمعات البدوية خارج الشبكة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وعن أحلام مجد المستقبلية، قالت لنا “أتمنى أن أجد مزيداً من الحلول لمشاكل البيئة بقطاع غزة، ومساعدة أكبر عدد ممكن من الناس في مجال الطاقة والبيئة، وأن أنجح في عقد صفقاتٍ وشراكاتٍ تجارية مع شركات أجنبية وعالمية من أجل تطوير أعمالي… ونقل تجربة اختراع الطوب البيئي لمعظم الدول النامية.”
وتابعت قولها “يجب على الشباب الفلسطيني أن لا يشعر باليأس بسبب الظروف المحيطة به، وأن يتحلى دوماً بالصبر، لأنه لا يوجد طريق سهل وسريع للنجاح في الحياة. كل شيء يحتاج للوقت والصبر، ولا يوجد نجاح لم يسبقه فشل، لذا من يريد النجاح عليه الاستمرار بالمحاولة عدة مرات حتى يحقق هدفه بالحياة.”