في 25 فبراير 2019، استقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر إنستغرام دون أي تفسيرٍ يذكر. ومع ذلك، سرعان ما تم الكشف عن السبب الرئيسي: تم إقصاؤه خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة طهران.
رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني استقالته، وقيل إن المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، عارضها أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، حصل ظريف على دعمٍ شعبي كبير يطلب منه البقاء في منصبه. وفي النهاية سحب استقالته وعاد إلى منصبه. لكن من هو هذا الرجل الذي استطاع جذب هذا الدعم الكبير؟ ولماذا، على الرغم من شعبيته الواضحة، تم استبعاده خلال زيارة الأسد؟
وُلد ظريف، أو جواد كما يسميه أصدقاؤه المقربون، في طهران عام 1960. وكحال العديد من الإيرانيين في فترة ما قبل عام 1979، دعمت عائلته انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1975 لإكمال الدراسة الثانوية ومواصلة تعليمه، حيث درس العلاقات الدولية في جامعة ولاية سان فرانسيسكو، ليحصل على درجة البكالوريوس في عام 1982 ودرجة الماجستير بعد عامٍ من ذلك. التحق بعدها للحصول على درجة الدكتوراه في الدراسات الدولية بجامعة دنفر، إلا أنه مُنع فيما بعد من دخول الولايات المتحدة واضطر إلى إنهاء درجة الدكتوراه من الخارج.
أثناء عمله في الولايات المتحدة، عرّفته شقيقته على صديقتها مريم إيمانية. تم زواجهما في طهران بعد سنةٍ من الثورة ثم انتقلوا إلى نيويورك. لديهما ابن يعمل مهندساً وابنة وهي مهندسة معمارية، حيث ولد كلاهما في الولايات المتحدة.
يُعرف ظريف من قبل أصدقائه وعائلته بأنه أبٌ وزوجٌ عقلاني وعاطفي وحساس. يحظى باحترامٍ في عمله بسبب انضباطه، على الرغم من أنه معروفٌ بسرعة غضبه في حال لم تسر الأمور كما يرجو.
بدأ ظريف مسيرته الدبلوماسية بعد الثورة مباشرةً، إذ التحق بالقنصلية الإيرانية العامة في سان فرانسيسكو عام 1979 كمستشار. بعد ذلك بعامين، انتقل إلى البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك حيث أصبح ممثلاً لإيران في عام 1989. بعد عودته إلى إيران في أوائل التسعينيات، تم تعيينه نائباً لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، المنصب الذي شغله لمدة عشر سنوات. عاد بعدها إلى منصبه كممثلٍ لإيران لدى الأمم المتحدة في عام 2002 وبقي هناك حتى عام 2007، عندما عاد مرةً أخرى إلى إيران ليصبح كبير مساعدي وزير الخارجية لمدة ثلاث سنوات.
تعثرت مسيرته الدبلوماسية من قبل حكومة أحمدي نجاد (2005-2013). وعلى الرغم من أنه ليس عضواً في أي حزبٍ أو جماعة، إلا أن الميول المعتدلة لظريف معروفةٌ جداً ونأت به عن النظام. وبعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، بدا أن مسيرته في وزارة الخارجية قد انتهت. وعليه، قضى السنوات الأربع التالية في الأوساط الأكاديمية، فبالإضافة إلى إنضمامه إلى جامعة آزاد الإسلامية، دعاه روحاني للعمل في مركز البحوث الاستراتيجية، حيث عمل كمستشارٍ لروحاني نفسه. كانت كلا المؤسستين تحت إشراف أكبر هاشمي رفسنجاني، الشخصية السياسية المعتدلة الرئيسية في ذلك الوقت. وعندما تم انتخاب روحاني رئيساً في عام 2013، كان ظريف هو الخيار الأول لمنصب وزير الخارجية؛ الخيار الذي أيده المرشد الأعلى، وفقاً للعديد من المصادر.
بشكلٍ عام، أكسبته مسيرته الدبلوماسية الاحترام في إيران وخارجها. وعلى عكس معظم أسلافه، لم يكن دخيلاً على الوزارة، بل بدأ من الصفر وشق طريقه لأعلى المناصب. وعلى هذا النحو، عرف كيف يتفاوض على دوائر السلطة المختلفة في إيران. فقد عكس التأييد الكبير لترشيحه لمنصب وزير الخارجية في البرلمان (232 صوتاً من أصل 281) الدعم الذي يحظى به.
عُزز تعيينه أيضاً بفضل الشبكة الدولية التي بناها خلال حياته المهنية الطويلة في نيويورك، فضلاً عن طلاقته في اللغة الإنجليزية ومهاراته في الخطابة. وبما أن إيران كانت على وشك إشراك المجتمع الدولي في برنامجها النووي، برزت الحاجة لوجود شخصٍ مثل ظريف لتعزيز تلك الأجندة.
وفي أعقاب قطع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة في عام 1980، كان ظريف واحداً من الدبلوماسيين الإيرانيين القلائل الذين يتمتعون بشبكة علاقاتٍ واسعة في الولايات المتحدة وفي العالم عموماً. فبعد أن عاش جزءاً كبيراً من حياته في الولايات المتحدة، طوّع معرفته بالبلاد وحولها إلى تأثيرٍ حاسم في الفترة السابقة للاتفاق النووي عام 2015. وبعد أن انتهكت الولايات المتحدة التزاماتها بالصفقة، استخدم هذه المعرفة أيضاً للرد على حملة الولايات المتحدة المعادية لإيران.
كانت الصفقة النووية علامةً فارقة في مشوار ظريف المهني. الصفقة التي لم يسبق لها مثيلٌ بحد ذاتها، تضمنت العديد من الخطوات التي تحصل لأول مرة، فعلى سبيل المثال، يعدّ ظريف أول وزير خارجية إيراني يلتقي ويقيم علاقةً وثيقة مع نظيره الأمريكي. كما أنه أيضاً أول مسؤولٍ إيراني يصافح رئيساً أمريكياً منذ الثورة. وبالإضافة إلى ذلك، أقام علاقات عملٍ وثيقة مع ممثلي ووزراء خارجية الدول الست الأخرى للصفقة (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا) وفيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي.
كانت تعتبر طاقته ونهجه المنفتح في المناقشات، التي ذكرها العديد من نظرائه بمن فيهم موغريني، أداةً فعالة في توجيه دفة المفاوضات بنجاح نحو اتفاقٍ نهائي. كما حاول جاهداً تغيير بعض الافتراضات حول رؤية إيران للعالم، فعلى سبيل المثال، نأى بسياسة إيران المعادية لإسرائيل عن علاقاتها مع اليهود بشكلٍ عام، إذ أنه وعلى الرغم من خطابه الفظ تجاه إسرائيل وسياسييها، استمر في تهنئة اليهود بمناسبة رأس السنة اليهودية.
وعلى الرغم من الثناء الذي اكتسبه ظريف بسبب سمته الدبلوماسية المتميزة، إلا أنه تلقى الكثير من النقد. معظم نقاده الرئيسيون هم من المعسكرات الثورية والمحافظة، الذين يحظون بتمثيلٍ جيدٍ في البرلمان، وإلى جانب انتقادهم ظريف علناً، حاولوا أيضاً تقويضه من خلال استجوابه في مناسباتٍ مختلفة في البرلمان. بيد أنه وبفضل قدراته الخطابية، لربما كانت هذه الأسئلة ستتطور إلى عزله. في الواقع، حاول نقاده عزله، وطالب العديد منهم بطرده من منصبه.
حتى الآن، أثبت ظريف أنه رجلٌ لا يمكن إيقافه، بل على العكس من ذلك، فقد عززت استقالته الأخيرة منصبه، وأجبرت روحاني على توضيح سبب عدم مشاركته في زيارة الأسد.
دون أدنى شك، سيبقى ظريف وزير الخارجية الأكثر إثارةً للجدل في تاريخ إيران، وسيستمر انتقاده وحتى اتهامه بالخيانة من قِبل معارضية بينما يمتدحه ويُشيد به أنصاره باعتباره بطلاً قومياً.