الصورة الأخيرة التي تم نشرها لرفعت الأسد مع ابن أخيه بشار تحمل رسائل متعددة للشارعين السوري والعربي.
في أكتوبر 2021، وبينما كان ينتظر كثر من السوريين أن يروا رفعت الأسد، عم بشار الأسد، وقد زج في السجون الفرنسية، عنونت صحيفة الوطن السورية شبه الرسمية مقالا: “منعا لسجنه في فرنسا.. الرئيس الأسد يترفع عما فعله وقاله رفعت الأسد ويسمح له بالعودة إلى سوريا”. وأوضحت الصحيفة أن رفعت الأسد عاد إلى سوريا و”لن يكون له دور سياسي أو اجتماعي”.
وباستثناء مقطع فيديو قصير تم تداوله لرفعت مع أحد أحفاده بعد أيام قليلة من إعلان عودته لم يسجل أي ظهور إعلامي له.
بيد أن صورة تجمع بشار وشقيقه ماهر مع عمهما رفعت بالإضافة إلى أسماء زوجة بشار وأبناء بشار وكذلك منال جدعان زوجة ماهر وعدد من أحفاد رفعت تم تداولها مؤخرا أثارت تساؤلات كثيرة، لاسيما وأنها الأولى من نوعها التي تجمع بشار ورفعت الذي رفع راية المعارضة، من منفاه في فرنسا، لتولي بشار السلطة في سوريا عقب وفاة والده حافظ.
العودة المفاجئة
رفعت الأسد كان أدين في فرنسا بتهمة “غسل أموال في عصابة منظمة واختلاس أموال عامة سورية”. وحكم عليه في سبتمبر 2021 بالسجن أربع سنوات فضلا عن مصادرة أصول له بقيمة 90 مليون يورو.
وفي عام 2014، حقق القضاء الفرنسي في الثروة الضخمة لرفعت، بناء على شكوى من جمعيتي الشفافية الدولية وشيربا. وتمت مصادرة الأصول المنقولة والعقارات الفاخرة التي يحوزها. وأظهر التحقيق أن رفعت وأقاربه نقلوا أصولا عبر شركات في بنما وليشتنشتاين ثم إلى لوكسمبورغ.
كما كان ملاحقا في سويسرا أيضا بشبهة ارتكاب جرائم حرب في الثمانينيات، وكذلك كان يحاكم في إسبانيا للاشتباه في تحقيقه “مكاسب غير مشروعة” تتعلق بأكثر من 500 عقار تم شراؤها في مقابل 691 مليون يورو. إلا أن كل هذا لم يمنع رفعت من العودة إلى سوريا.
من هو رفعت الأسد؟
كثيرا ما يوضع اسم رفعت الأسد لدى شريحة واسعة من الذاكرة الجمعية السورية تحت عناوين تشكيل: “سرايا الدفاع” و”جزار حماة” و”ناهب أموال المصرف المركزي السوري”. وفي ثمانينات القرن الماضي، نفى حافظ الأسد أخاه رفعت إلى فرنسا عقب محاولة الأخير الانقلاب عليه.
رفعت علي سليمان الأسد، هو الشقيق الأصغر لحافظ الأسد. وولد رفعت في 27 أغسطس ببلدة القرداحة التابعة لمحافظة اللاذقية 1937. وعندما تسلم حزب البعث الحكم في مارس 1963، كان رفعت قد تخرج من الكلية الحربية. وفي عام 1967، أصبح قائدا للفرقة 569 أو ما يعرف بـ”سرايا الدفاع”.
وتأسست سرايا الدفاع بعد انقلاب 1963 الذي أدى إلى تسلم البعث الحكم. وأوكلت قيادتها إلى رفعت في العام 1964. وشاركت السرايا بصورةٍ فاعلة فيما عرف بـ “حركة 23 شباط” التي كانت تمثل حالة صراع بين الضباط البعثيين أنفسهم.
وأسفرت تلك الأحداث عن الإطاحة بالرئيس أمين الحافظ. وكانت مهمة سرايا الدفاع مهاجمة مبنى الحرس القومي في دمشق. كما شاركت السرايا بقيادة رفعت بانقلاب 1970 الذي عرف باسم “الحركة التصحيحية” وأتى بحافظ الأسد إلى سدة الحكم.
يقول سامر الموسى، الباحث في التاريخ السوري المعاصر، إن سرايا الدفاع تحولت بعد ذلك إلى قوة ضاربة وباتت أفضل وحدات الجيش تدريبا وتسليحا وراتبا. ويضيف: “كان منتسبوها يتقاضون راتبين، الأول من الجيش والثاني من السرايا. وكان ذلك بفضل الدعم المالي السعودي، إذ كان الأمير عبد الله بن عبد العزيز، عديل رفعت في زوجته الثانية. كما أن السرايا شاركت في إنهاء حركة جهيمان العتيبي في الحرم المكي عام 1979 إلى جانب قوات فرنسية خاصة”.
وبرزت السرايا كقوة عسكرية لا تتبع إلا شكليا لرئاسة الأركان، بينما كانت تدار بشكل مباشر من رفعت. وأطلق على نفسه حينذاك لقب “القائد”. كما أنشأ مساكن خاصة لتلك القوات عرفت بمساكن السومرية، نسبة لابنه سومر.
وما زال أحد أحياء أطراف دمشق يعرف باسم “المزة 86” نسبة لأحد كتائب الفوج 555 الذي كان يمثل مركز قيادة سرايا الدفاع وبات مع بقية تشكيلات السرايا يطلق عليه الفرقة الرابعة التي يقودها حاليا ماهر شقيق بشار الأسد.
مجزرة حماة
اتهاماتٌ كثيرة توجه للسرايا بارتكابها المجزرة الأشهر في تاريخ سوريا المعاصر. وجاءت هذه المجزرة في العام 1982 خلال إجهاض تمرد قاده الاخوان المسلمين دفع المدنيون ثمنه الأكبر. ورغم نفي رفعت مشاركة السرايا في تلك المجزرة، إلا أن الصحفي البريطاني روبرت فيسك الذي وصل إلى المدينة خلال الصراع أشار إلى مشاركة القوات التابعة لرفعت، مثلما أشار إلى سقوط 20 ألف قتيل.
إلا أن الصحفي الأمريكي توماس فريدمان قال في كتابه “من بيروت إلى القدس” إن رفعت تفاخر في وقتٍ لاحق بالعدد الإجمالي للضحايا وقال إنهم لا يقلون عن 38 ألفا.
ما حدث في حماة كان ذروة مجموعة من الأحداث والمجازر اتهمت سرايا الدفاع بأنها كانت رأس الحربة في تنفيذها. وأشهر تلك الأحداث ما وقع عقب محاولة اغتيال حافظ الأسد في 1980.
حينذاك، ردّت السرايا بإعدام ما يقارب 1200 معتقل في سجن تدمر أغلبهم من الإسلاميين. وكشف عن المجزرة عيسى إبراهيم فياض، أحد أعضاء السرايا المشاركين بارتكابها. وبث الاعترافات التلفزيون الأردني بعد اعتقال فياض في الأردن خلال محاولته اغتيال رئيس الوزراء الأردني الأسبق مضر بدران في آذار 1981.
وفي الاعترافات، قال فياض إن طائرات مروحية نقلت 100 عنصراً من اللواء 40 التابع للسرايا وكان يقوده العميد معين ناصيف زوج ابنة رفعت لتنفيذ المجزرة.
أدوارٌ سياسية
في عام 1975، تقلّد رفعت منصب رئيس المحكمة الدستورية ورئيس مكتب التعليم العالي في القيادة القطرية لحزب البعث. وعندما تعرض حافظ لأزمة صحية في عام 1983، شكل لجنة من ستة أعضاء لإدارة البلاد ولم يكن رفعت ضمن اللجنة. ودفع ذلك عدداً من كبار الضباط بالتجمع حول رفعت، بينما ظل آخرون موالين لتعليمات حافظ.
وفي هذا السياق، ذكر وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس في كتابه “ثلاثة أشهر هزت سوريا” أن رفعت حاول أن يقود محاولة انقلابية لعزل حافظ إثر دخوله في غيبوبة مرضية.
من جهته، يقول الصحفي البريطاني باتريك سيل في كتابه الصراع على الشرق الأوسط: “في مارس 1984، بدأت السرايا بتأكيد سيطرتها على دمشق. تمركز سربٌ من دبابات رفعت من طراز تي-72 في الدوار المركزي في كفر سوسة وجبل قاسيون المطل على المدينة. وأقيمت نقاط التفتيش وحواجز الطرق. ووضعت ملصقات لرفعت في مباني الدولة. ورغم أن دمشق كانت منقسمة بين جيشين وبدت على شفا الحرب، إلا أن رفعت لم يتحرك. والتقى حافظ شقيقه رفعت في مقره بمنطقة المزة بدمشق. وخلص اللقاء إلى القبول بتعهد حافظ باستعادة الثقة بينهما على أن يكون أساس عملهما المستقبلي معًا”.
رفعت أصبح نائبًا للرئيس مسؤولًا عن الشؤون الأمنية. بيد أن هذا المنصب كان رمزياً، حيث نُقلت قيادة السرايا، التي تم تقليص حجمها إلى ضابط آخر. وفي المحصلة، تمكن حافظ من احتواء الأمر وإرغام شقيقه على مغادرة سوريا بعد إعطائه مبلغا كبيرا.
وفي هذا السياق، يُتهم رفعت بأنه سيطر على كل موجودات البنك المركزي. حينها، قدم الزعيم الليبي معمر القذافي سيولة نقدية لسوريا لخواء البنك المركزي.
رئيس وزراء ليبيا الأسبق عبد السلام جلود يقول في مذكراته إن حافظ عقد صفقة مع رفعت تقضي بخروجه من سوريا مقابل 200 مليون دولار، مشيرا إلى أن ليبيا تبرعت بهذا المبلغ.
المحاولة الأخيرة
في عام 1985، عاد رفعت إلى دمشق. وشارك في أعمال ومناقشات المؤتمر القطري لحزب البعث. ورغم تعيينه في منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي الذي يترأسه حافظ، إلا أن الأخير كان قد تمكن من تجريد رفعت من قوته العسكرية. وقام حافظ بذلك عبر تفريق العسكريين المؤيدين لرفعت على تشكيلات الجيش.
خلال إقامته في أوروبا، دخل رفعت في عالم التجارة والاستثمارات في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رفعت لم يجرد من منصبه كنائب لرئيس مجلس الأمن القومي إلا في العام 1989.
ومع استلام بشار للحكم العام 2000، لم يكن رفعت راضيا. وأنشأ محطة تلفزيونية لها نفسٌ معارض. ومع انطلاق الثورة السورية في العام 2011، أعلن رفعت تشكيل “المجلس الوطني الديمقراطي”. وضم المجلس بشكل رئيسي مسؤولين في حزبه “التجمع القومي الديمقراطي الموحد” وقيادات سابقة في حزب البعث.
وأيد رفعت مطالب رحيل بشار، لكن دون خروج الحكم من عائلة الأسد. ودعا في تصريحات إلى تشكيل تحالف عربي دولي يتفاوض مع ابن أخيه على صفقة يتنحى بموجبها الأخير عن الحكم مقابل حصوله على ضمانات له وأقربائه، وتولي السلطة عمه أو “أحد أفراد العائلة“.
لم يقتنع الكثير من السوريين بمعارضة رفعت ولم يقبلوا طروحاته. ودخل في مواجهات قضائية خلال السنوات الأخيرة، انتهت بعودته إلى سوريا حتى لا يسجن في فرنسا كما عنونت صحيفة الوطن، ليظهر مؤخرا في الصورة التي أشرنا إليها في البداية إلى جانب بشار وماهر وأسماء وعدد من أفراد العائلة مع ابتسامات عريضة فيما تعلو رؤوسهم صورة لحافظ الأسد.
مبايعة
الصورة قرأتها أوساطٌ سورية متعددة على أنها “طيٌّ لصحفة الماضي وإعلان بيعة جديد من رفعت لابن أخيه”. وهذا يترتب عليه دعم شريحة من الشخصيات العسكرية أو أبنائهم من الطائفة العلوية لبشار وتحولهم من موقع المشكوك فيه إلى موقع أهل الثقة. ويشمل ذلك أيضاً العائلات التي ما زالت تتلقى دعما ماديا ورواتب شهرية من رفعت.
وهذا ما ذهب إليه الصحفي محمد الحمادي الذي أشار في حديثه لفنك إلى أن الصورة لاسيما مع وجود أسماء فيها تحمل إشارة لدعم محلي عائلي وفي أوساط الطائفة لبشار، لاسيما بعد أن خسر عائلة أخواله من عائلة مخلوف إثر وضع أسماء يدها على قسم كبير من الإمبراطورية المالية لرامي مخلوف وتم تحجيمه سياسيا.
الحمادي قلّل من أهمية أن تكون الصورة أيضا رسالة للأوساط العربية، رغم عدم استبعاده الموضوع نهائيا، لاسيما أن لرفعت الأسد علاقاتٌ عربية، لاسيما مع السعودية بحكم المصاهرة. وسبق لرفعت أن أعلن أمام القضاء الفرنسي أن الأموال التي حصل عليها قبل مغادرته إلى سوريا هي من الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عندما كان أميرا للحرس الوطني.
هذا الرأي لا يبدو أن فراس الأسد، ابن رفعت الأسد، المعارض لوالده ولبشار الاسد يوافق عليه كليا، ولا يرفضه كليا.
فراس الأسد أشار إلى مسلسل ابتسم أيها الجنرال الذي تناول العائلة والخلاف بين رفعت وحافظ. وكتب فراس في منشور في فيسبوك: “الصورة لتقول للشعب السوري برمته الذي شاهد المسلسل: عليكم أن تنسوا ما شاهدتموه في هذا المسلسل. عليكم ألّا تسألوا عن أسباب الخلاف بين حافظ ورفعت. عليكم ألا تسألوا عن تاريخكم الحقيقي وما جرى على أرض الواقع وما هي نظرة حافظ أو بشار أو رفعت للشعب السوري. عليكم أن تعيشوا في الوهم كما عشتم دائما. وعليكم أن تستسلموا نهائيا لفكرة أن آل الأسد كعائلة سوف تحكمكم إلى أبد الآبدين”.
وأضاف: “أقول لكل سوري، رفعت وبشار الأسد اجتمعا فقط لأن أحدهما قد تنازل عن أحلامه بالسلطة لصالح الآخر. هذا هو السبب الوحيد ولا سبب آخر غيره. ولو أن رفعت اليوم يفكر أن يفتح فمه بحرف واحد عن حقه في السلطة أو ما شابه ذلك، لرأيتموه في اليوم التالي إما مسجونا أو مطرودا. ولو بادلنا بالأدوار بينهما، بنفس السيناريو والافتراض أعلاه، لرأيتم بشار الأسد مقتولاً ومرمياً في صحراء تدمر”.
وختم فراس بالتالي: “هؤلاء لا هم لهم في الدنيا إلا السلطة، لو مات الشعب السوري كله، لو تهجر كله، لو جاع كله، لو أكل أطفال سوريا التراب، لو قتل الواحد منهم أخاه أو ابنه من أجل السلطة، المهم عندهم أن يبقوا جالسين على كراسيهم”.