وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الثورة السورية: المبرّرات والانطلاقة

الثورة السورية
المتظاهرون السوريون المناهضون للحكومة في مسيرة بمدينة القامشلي شمال شرق البلاد في 1 أبريل 2011، حيث خرج مئات السوريين من صلاة الجمعة للاحتجاج في المظاهرات الأولى بعد أن بدد الرئيس بشار الأسد الآمال بشأن مزيد من الحريات. الصورة لوكالة الأنباء الفرنسية

كتبه: نبيل محمد، صحفي وكاتب سوري
حرره وأشرف عليه: محمد كفينة، محرّر أوّل في فنك
إريك برينس، محرّر أوّل في فنك                           

بين عاميّ 1970 و2000، حكم حافظ الأسد سوريا حُكمًا وُصِف في مختلف أروقة السياسة في العالم بأنّه حكم ديكتاتوري تقليدي قاسٍ، حيث تنتشر فروع حزب واحد في مختلف المدن الصغيرة والكبيرة، بالإضافة إلى فروع مخابرات متعدّدة منعت حرية الممارسة السياسية، ناهيك عن اقتصادٍ يتبع بكامله للقطاع العام. ونَظَرت قطاعات كبيرة في الشارع السوري إلى ابنه بشار الأسد، الذي خلفه في الحكم، على أنّه قد يكون مختلفًا، خاصةً أنه لم يكن القائد المُرَشَّح ليخلف والده قبل عام 1994 عند وفاة أخيه باسل الأسد جراء حادث سير، بالإضافة إلى أنّه درس طب العيون في إنكلترا، بمعنى أنه غير قادم من خلفية عسكرية كأبيه وأخيه الأكبر.

وعلى الرغم من مجموعة التغييرات التي بدأها الأسد الابن، خاصةً في القطاع الاقتصادي حيث أوجد البنوك والشركات والجامعات الخاصة، وعممّ خطابًا داعيًا للانفتاح على بقية دول العالم، إلّا أن ذلك لم يكن كافيًا ليغيّر طبيعة الحياة في سوريا، إذ كانت تلك الإصلاحات محدودة وغير عميقة. فقد خضعت تلك المؤسّسات الخاصة بطريقة من الطرق لملكية أشخاصٍ وأطرافٍ وقِوى مرتبطة بشكل أو بآخر بالنظام الحاكم.

كما استمرت سلطة المخابرات ولم تُغلَق السجون السياسية، بل ظلّت سياسة اعتقال المعارضين أو الداعين للانفتاح السياسي. وأخيرًا، في مارس عام 2011 أي بعد 11 عامًا من حكم الأسد الابن، كانت المواجهة الأهم ضد الحراك الجماهيري الداعي لإسقاط نظام حكمه، والتي وصلت مآلاتها اليوم في سوريا لتكون واحدة من أفقر بلدان العالم، حيث هُجّر منها قسرًا أكثر من 5.72 ملايين فرد ( مارس 2022 ونزح فيها داخليًا 5.38 ملايين ( فبراير 2022 )، وبلغت خسائرها إثر الحرب الدائرة فيها خلال 11 عام حوالي 324.5 مليار دولار أميركي ، وفق معهد الاقتصاد والسلام.

مبرّرات عميقة للثورة

لا يمكن رؤية ما جرى في سوريا بدءًا من مارس 2011 بمعزل عن الوضع الاقتصادي والإداري السوري خلال السنوات الأخيرة التي سبقت بدء الحراك، حيث كانت نسبة من هم تحت خط الفقر في المجتمع السوري تُجاوز الـ 30% وفق تقرير الأمم المتحدة، وتزداد نسبتها في الريف السوري.

كذلك كانت نسبة البطالة مرتفعة خاصةً في فئة الشباب التي كانت تسعى لمغادرة البلاد ، مع تعزّز توضّح الفروق الطبقية جراء سيطرة طبقة من رجال الأعمال الجدد على الأسواق والأعمال، وهي طبقة أتاح لها الانفتاح الذي نادى به الأسد الابن أن تتصدّر ريادة الأعمال، مقابل استمرار انهيار الطبقة الوسطى باتجاه الفقر، بالتوازي مع ارتفاع الأسعار، وانخفاض مستوى المدخول، والتغيّرات المناخية التي كان لها دور كبير في تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي السوري، خاصةً بين عاميّ 2006 و 2010 حين عمّ الجفاف المنطقة الشرقية في البلاد، ما أدى إلى هجرة آلاف الفلاحين من مناطقهم، واستقرارهم في ضواحي دمشق وحلب ليشكّلوا طبقة جديدة من الفقراء الذين يسكنون حول المدن الصناعية والتجارية، ويعملون بأجور زهيدة فيها.

ويُجمع العديد من المحلّلين السياسيين والاقتصاديين على دور التردي الاقتصادي، والفساد الإداري، وسلطة المقرّبين من السلطة على المال العام والخاص، كمسبّبات أساسية في الحراك ضد النظام السوري. على أقل تقدير، فقد كانت جميع هذه العوامل سببًا في الانسياق الكثيف للجماهير نحو الشوارع المتظاهرة، خاصةً في المناطق الريفية التي كانت تعاني ظروفًا اقتصادية أسوأ من المدينة، وكانت التنمية فيها متدنية.

الربيع العربي

مع اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ثم مصر وليبيا واليمن ، ساد شعور شبه عام في سوريا أن حراكًا ثوريًا ضد النظام الحاكم فيها سيبدأ. وتعزّز هذا الشعور مع إطاحة تلك الثورات بزعماء سياسيين في المنطقة، كالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 يناير عام 2011، والرئيس المصري حسني مبارك في 11 فبراير عام 2011. ومن جهةٍ أخرى، كان هنالك من السوريين من يفرّق بين نظاميّ الحكم في مصر وتونس وبين نظام الحكم في سوريا. ولعبت الأجهزة الأمنية السرّية والاحتكارات المخصصة للنخب الموالية للأسد دوراً محورياً في تكوين طبيعة النظام الفريدة من نوعها، متّكئين بهذا الرأي على ممارسات نظام الأسد الأب في مواجهة أي تيار معارض له في الداخل.

ارتكب الأسد الأب مجزرةً في مدينة حماة في وسط البلاد في فبراير عام 1982، كان ضحيّتها آلاف من المدنيين، في مواجهةٍ مع حزب الإخوان المسلمين، الذي يعتبره نظام الأسد محظورًا في البلاد. وكانت هذه المجزرة واحدة من الحوادث التي ضاعفت مخاوف السوريين وأدّت إلى ابتعاد غالبيّتهم  طوال عقود عن العمل السياسي الذي كان نادرًا في زمنيّ الأب والابن، إلّا أن السجون السياسية كانت مليئة بالسجناء.

ولم يدم الانتظار طويلًا حتى بدأت علائم تحرّكات شعبية معارضة للحكم في منطقة الحريقة وسط العاصمة السورية دمشق في 17 فبراير عام 2011، حين احتشد مواطنون اعتراضًا على قيام شرطة المرور بضرب شاب في المنطقة. وكانت الشعارات حينها خجولةً نسبيًا، لم تأخذ من الشوارع العربية المنتفضة في الدول الأخرى شعارها الأوضح والأشهر “الشعب يريد إسقاط النظام”، إلّا أنها اكتفت بهتاف أساسي هو “الشعب السوري ما بينذل”.

وبدأ حينها اهتمام رسمي، فقد تمّ النظر إليه على أنه خوف السلطة من أن تتّسع رقعة المظاهرات، حيث تم إيفاد وزير الداخلية حينها ليقول للجموع: “عيب.. هذه اسمها مظاهرة”، في إشارةٍ منه إلى أن حرية التظاهر ممنوعة في البلاد، وأن هذا الاحتشاد غير مرغوب به ومعيب. وانتشر حول سيارته، ضمن جموع المتظاهرين، بعض من مؤيدي النظام ليحاولوا تغيير الشعارات وإظهارها بأنها مؤيّدة للرئيس الأسد. لكن ذلك لم ينجح، لتكون المظاهرة إشارةً واضحةً إلى أن هناك غليانًا شعبيًا بدأ يظهر مباشرةً في الشارع.

وفي 22 فبراير، أي بعد خمسة أيام من مظاهرة الحريقة، احتشد سوريون أمام السفارة الليبية في دمشق دعمًا للحراك الذي كان قد اندلع في ليبيا ضد رئيسها معمّر القذافي. وخلال مواجهة المحتشدين مع رجال الشرطة، بدأت شعارات جديدة بالظهور مثل “خاين يلي بيضرب شعبو”، والذي اعتُبِرَ شعارًا ممهّدًا لتطوّرات جديدة في الشعارات التي انتقلت إلى قلب سوق الحميدية التراثي الشهير في دمشق في 15 مارس، بشعارات متعدّدة تطالب بالحرية والتغيير. وكان لهذه المظاهرة شهرة كبيرة نتيجة المشاركة النسائية الأساسية فيها، بالإضافة إلى الشعارات التي تلخّصت حول مفهوم الحرية.

وتدرّجت مطالب المتظاهرين في هذه المظاهرات الصغيرة والخجولة نسبيًا، إذا ما تمّ مقارنتها بما جاء بعدها، إلى أن وصلت إلى شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” في درعا في جنوب البلاد بتاريخ 18 مارس عام 2011. وكانت تلك أولى المظاهرات التي تمّت مواجهتها بالرصاص الحي وسقط فيها قتلى، ما اعتُبِر الانطلاقة الحقيقية، خاصةً وأن للمظاهرة قصة فريدة ورمزية تدور حول أطفال من المدينة قاموا بكتابة شعارات مناهضة للنظام السوري، فقامت الأجهزة الأمنية باعتقال الأطفال وتعذيبهم، وخرج الأهالي إلى شوارع المدينة معترضين على هذه الممارسات، ما أعطى هذا اليوم أيضًا رمزية لدى السوريين الذين يعتبرونه حتى اليوم الذكرى الحقيقية لانطلاقة ثورتهم ضد النظام السوري، على اعتبار أنه أوّل يوم تتوضّح فيه مطالب التغيير الشامل، إضافةً إلى أنّه يوحي بأن أطفالًا سوريين هم من بدؤوا الحراك بما كتبوه على الجدران.

وبالمواكبة مع المظاهرات في درعا، بدأت مظاهرات في مدن أخرى مثل حمص ودوما وبانياس، وكانت الشعارات عادةً ما تبدأ بمطالب متعلّقة بالحرية والكرامة والعدالة وتنتهي بشعار إسقاط النظام، خاصةً مع تصاعد حدّة العنف ضد المظاهرات. وبدأت الرقعة بالانتشار يومًا بعد يوم، وبدأت المواجهات بالرصاص الحي تنتشر في مختلف المظاهرات. ولم تنفع المحاولات التي وُصِفت بالخجولة لتلبية مطالب المحتجّين، حيث لم يجد نفعًا خروج مستشارة الرئيس بثينة شعبان في مؤتمر صحفي لتقول بأنه سيتم رفع قانون الطوارئ المعمول به في البلاد منذ عام 1963، وبأن البلاد ستشهد إصلاحات ومحاربةً للفساد. وبدأ التصاعد والغليان يزدادان من دون أي أثر للخطاب، خاصةً مع تزايد أعداد المتظاهرين وتصاعد العنف في مواجهتهم. 

تصاعد الحراك

بعد أسبوعين من انتشار المظاهرات في عشرات المدن والقرى السورية، وتحديدًا في 30 مارس عام 2011، ظهر الرئيس السوري بشار الأسد في خطاب أمام مجلس الشعب السوري، وصفه المجتمع الدولي وكثيرٌ من السوريين بأنه خطاب محبط. ففي الوقت الذي كان الكثير من السوريين ينتظرون تغييرات واضحة أو استجابة معيّنة لبعض المطالب، وجدوا في الخطاب روحًا من التحدي عندما وصف الأسد المتظاهرين بالمغرر بهم، معترفًا بوجود مطالب لدى السوريين، لكن هذه المطالب يتم استغلالها في مؤامرة تستهدف استقرار البلاد وفق قوله، مشيرًا إلى أنه حريص على عدم إراقة الدماء. وكان الخطاب في الحقيقة مرفوضًا بالنسبة لجموع المتظاهرين، وسط استمرار قمعهم واستمرار ارتفاع عدد القتلى، خاصةً أيام الجمعة، التي كانت تشهد المظاهرات الأكثف، أي عدد قتلى أكبر. وبدأت مشاهد الجموع المحتشدة في حماة وحمص ودير الزور ودرعا وغيرها تنبّئ بتصاعدٍ متزايدٍ، خاصةً في بدايات صيف عام 2011، حيث كانت الأعداد تُحسَب بمئات الآلاف في مدينة حما ة وحدها وفق تقديرات إعلامية.

 

عوامل عدّة ساهمت في تزايد أعداد المتظاهرين وتوسُّع الرقة الجغرافية للحراك خاصةً في صيف عام 2011:

العامل الأوّل : سقوط الكثير من القتلى في المظاهرات بفعل استخدام الرصاص الحي من قِبل قوى الأمن والميليشيات الموالية لها، ثم من قِبل الجيش، ما يعني أن كل يوم هناك عدد كبير من الجنازات التي يتم فيها تشييع ضحايا مظاهرات الأمس. وفي الجنازة عادةً ما يكون عدد المشاركين كبير والشعارات أكثر حدّة والغضب والتحدّي أكثر حضورًا، خاصةً في تلك الجنازات التي تحمل قصصًا للضحايا كقصة الطفل حمزة الخطيب البالغ من العمر 13 عامًا، والذي قُتِل تحت التعذيب في درعا في 25 يونيو عام 2011، حيث مورس بحقّه أشد أنواع التعذيب وانتشرت صوره في مختلف أنحاء العالم، كدلالة على طريقة تعامل النظام السوري مع الحراك ككل ليتحوّل الطفل بعدها إلى أيقونة.

العامل الثاني: توفُّر قناعة لدى جموع المتظاهرين أن المجتمع الدولي لن يتخلّى عنهم في ظل بدء ظهور خطاب دولي منتقد للأسد، بل ودعوات للتدخّل بشكل جدي في سوريا، وفي ظل إسهام المجتمع الدولي في تغيير أنظمة عربية بشكل مباشر كما كان يحصل في ليبيا حينها. وبدءًا من شهر مايو عام 2011، بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الأسد وكبار مسؤوليه، وطالبته بالتنحّي في شهر أغسطس عام 2011، وهو ما فعلته فرنسا وبريطانيا وألمانيا ودول أخرى.

العامل الثالث : بدء تنظيم العمل المعارض من خلال هيئات مدنية محليّة تقوم بالتنسيق في ما بينها سُمِّيت بـ ” لجان التنسيق المحلية “، هدفها توحيد الشعارات بين المظاهرات في مختلف المناطق، وتنسيق العمل المدني، ومساعدة المناطق المحاصرة، ما نقل الحراك إلى سياقٍ أكثر تنظيمًا.

العامل الرابع : بدء ظهور الارتباك في صفوف النظام ومؤسّساته، بدءًا من حالات الانشقاق عن المؤسّسة العسكرية والأمنية من قِبل ضباط وعناصر يرفضون توجيه أسلحتهم في وجه المدنيين، بالإضافة إلى عدم وضوح في الرؤية الرسمية لطريقة التعامل مع الحدث. فأحيانًا تظهر وكأنّها تريد الاستجابة للمطالب بالإصلاح، خاصةً في الأيام الأولى لبدء الحراك. وأحيانًا أخرى تظهر وكأنها تريد التحدّي واعتبار المتظاهرين أعداء للبلاد ومتآمرين مع الخارج، وهي النظرة التي أصبحت سائدة فيما بعد.

المواجهة المفتوحة


تَبِع خطاب الأسد، الذي تقبّل وجود مطالب لدى جموع المتظاهرين، مجموعة من الخطابات التي حاول من خلالها الموازنة بين مسارين. المسار الأوّل هو مسار الاتهام الدائم بوجود مؤامرة وتبعية المتظاهرين إلى جهات خارجية عدوّة لسوريا. والمسار الثاني هو مسار الوعود الإصلاحية التي تضمّنت تشكيل حكومة جديدة وإعلان انتخابات جديدة لمجلس الشعب، وهو ما لم يعد له أي أثر على الشوارع المنتفضة في ظلّ استمرار مواجهتها بالرصاص.

 

وفي خطابه الثالث في 20 يونيو عام 2011، الذي أُلقِي في جامعة دمشق، تحدّث الأسد عن وجود أصحاب فكر متطرّف يقتلون باسم الدين، وهم فئة من المتظاهرين. أما الفئات الأخرى فتتضمّن المخرّبين الذين يستهدفون مؤسّسات الدولة، وتتضمّن أصحاب مطالب. وكان هذا التفصيل بمثابة تبرير للأعمال العسكرية التي كانت قد بدأت بالفعل في عدة مناطق سورية، بل إن مدنًا كانت تتعرّض للحصار كدرعا في الجنوب، وجسر الشغور في الشمال، فيما تنتشر المدرّعات والدبابات في عشرات المدن السورية في إعلانٍ واضحٍ بأن الدولة تواجه الانتفاضة الشعبية بالجيش.

أما في الإعلام المحلي فقد تم تسخير مجمل قنوات التلفزة والإذاعات والصحف الرسمية للدفاع عن النظام. كما تمّ استخدام القنوات غير الرسمية المعروفة باتّباعها خطابًا يشبه خطاب القنوات الرسمية، كونها مملوكة لجهات مرتبطة بالنظام، في توجيه الرسائل ذاتها، حيث تمّ تخصيص نشرات الأخبار والبرامج السياسية، التي كانت تبثُّ ضمن أوقات مفتوحة غير محددة بقيود زمنية للقاء محلّلين سياسيين باتوا معروفين بالنسبة لغالبية الجمهور السوري، نتيجة تكرار حضورهم على الفضائيات. ويحلّل أولئك خطابات الأسد ويتحدّثون عن الإصلاح القادم، بل وعن سوريا الجديدة، وينتقدون الفساد والفاسدين محمّلين إياهم مسؤولية ما يحدث، ويشكّكون بالحراك وبحقيقته، ويتحدثون عن المؤامرة الدولية التي تستهدف صمود سوريا في وجه أعدائها.

 

بل وتعاملت بعض القنوات مع التظاهرات وكأنها لا تحدث، لنجد مِنَ القنوات مَنْ يتحدّث عن أن هناك مجسّمات للساحات السورية الشهيرة موجودة في دولة قطر، حيث يتم تصوير المظاهرات في استديوهات قناة الجزيرة. ونجد أيضًا مذيعة إخبارية تتحدّث عن أن المحتشدين في حي الميدان الدمشقي قد خرجوا ليشكروا الله على نعمة سقوط المطر، ولم يخرجوا في مظاهرة حقيقية، لتصبح تلك التقارير بمثابة نماذج عن طريقة الإعلام الرسمي السوري في التعامل مع الواقع، وطريقة رؤيته للحراك المعارض، وسهولة استخدامه للتضليل بهدف نفي الحقائق المزعجة له.

عسكرة الثورة

منذ شهر أبريل عام 2011 بدأت تظهر الانشقاقات الفردية عن صفوف الجيش السوري من قِبل مجنّدين وضباط دعوا في تسجيلات فيديو فردية إلى عدم رفع السلاح في وجه المواطنين، وأعلنوا تأييدهم لمطالب الثورة السورية. لكن لم يتشكّل فصيلًا عسكريًا معارضًا إلى تاريخ 9 يونيو عام 2011، حين أعلن المقدَّم في الجيش السوري حسين هرموش انشقاقه عن الجيش وتشكيله لواءً عسكريًا أُطلق عليه اسم “لواء الضباط الأحرار” ، الذي أصبح اسمه في الرابع والعشرين من الشهر ذاته “حركة الضباط الأحرار”، وهي فصيلة تضمّ عناصر وضباط منشقين، كانت مهامها وفق بيان انشقاق هرموش حماية المدنيين والأملاك العامة والخاصة.

وفي مايو 2011، أصدر بشار الأسد عفواً عاماً أتاح للإسلاميين والمتطرفين وأصحاب الجنح الخروج من السجون والالتحاق لاحقاً إما في صفوف التنظيمات الإسلامية أو الميليشيات المناصرة للأسد.

ومع تتالي الانشقاقات، بدأت فصائل معارضة أخرى تتشكّل، وبدأت معارك عسكرية ضد الجيش الحكومي، ليكون تاريخ 29 يوليو عام 2011 تاريخ تأسيس “الجيش السوري الحر”. وبين ربيع وصيف عام 2011، باتت مناطق المظاهرات تشهد بالتدريج حالة من العسكرة، لتأخذ الثورة مُسمّى جديد خاصةً في الإعلام العالمي، وهو مسمّى “الحرب الأهلية”.

Advertisement
Fanack Water Palestine