في حين أن الحرب في سوريا حوّلت نحو خمسة ملايين سوري إلى لاجئين، لا تزال البلاد تستضيف ما يقرب من نصف مليون لاجىء فلسطيني.
وقبل اندلاع الحرب في مارس 2011، كان هذا العدد أعلى من ذلك – يقدر بـ560 ألف شخص، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وانخفض هذا العدد اليوم إلى نحو 450 ألف شخص، حيث فر العديد من الفلسطينيين إلى لبنان أو الأردن أو خارج المنطقة. ومن بين أولئك الذين بقوا، تقدر الأونروا أن 60% منهم نازحون داخلياً، وأن 95% منهم بحاجة إلى مساعدات إنسانية مستمرة.
معظم الفلسطينيين الذين فروا إلى سوريا في عام 1948، خلال قيام دولة إسرائيل، جاءوا من شمال فلسطين، الذي يشمل مدن صفد وحيفا ويافا، وفقاً للأونروا. فقد هرب ما يقرب من 100 ألف شخص من مرتفعات الجولان عندما احتلت اسرائيل المنطقة عام 1967 وذهب عدة آلاف آخرين إلى سوريا من لبنان المجاورة خلال الحرب الاهلية اللبنانية (1975-1990).
ولا يُمنح الفلسطينيون الذين يعيشون في سوريا، بمن فيهم المولودون في سوريا لآباء فلسطينيين، الجنسية السورية. وكحال معظم الدول العربية – باستثناء الأردن- اتخذت سوريا موقفاً بأن منح الجنسية الفلسطينية من شأنه أن يضعف حق العودة للشتات الفلسطيني. وقد تم توضيح هذا الموقف في بروتوكول الدار البيضاء لعام 1965، الذي وافقت فيه الدول العربية على شروط معينة لمعالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك، لم يتم أبداً تنفيذ البروتوكول بالكامل. وعلى الرغم من الافتقار إلى المواطنة، كان وضع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا قبل الحرب أفضل بكثير من التدابير التي اتخذها أولئك الذين يعيشون في بلدان مجاورة أخرى.
ويشير تقرير 2001 أعده معهد فافو للدراسات الدولية التطبيقية الذي يتخذ من أوسلو مقراً له والذي شمل 4900 أسرة فلسطينية تعيش في مخيمات في سوريا بالاشتراك مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والموارد الطبيعية، إلى أن “تم دمج اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ أفضل في المجتمع السوري مما كان عليه الحال في الأردن، وبخاصة في لبنان؛ حيث أن هناك نقص في الحقوق الاجتماعية والتشريعات التي تمنعهم من الوظائف العامة وقائمة تطول من الوظائف والمهن التي أدت إلى الفقر المدقع والعزلة.”
ففي لبنان، على سبيل المثال، يُحظر على الفلسطينيين العمل في معظم القطاعات أو امتلاك العقارات. وفي سوريا، على النقيض من ذلك، يتمتع الفلسطينيون بنفس الحقوق في العمل والتعليم كمواطنين سوريين ويمكنهم الوصول إلى نفس شبكة الخدمات الاجتماعية. ليس للفلسطينيين الحق في التصويت في الانتخابات السورية، إلا أنه يمكنهم أن يشغلوا مناصب حكومية. ويخضع الرجال لنفس متطلبات الخدمة العسكرية الإلزامية كمواطنين سوريين، كما تصدر الحكومة السورية وثائق سفر، تمنحهم حق العودة إلى سوريا إذا ما سافروا خارج البلاد.
وفيما يتعلق بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية، يتساوى الفلسطينيون تقريباً مع نظرائهم السوريين، وفقاً لدراسة فافو، على الرغم من أن 23% منهم يعيشون تحت خط الفقر. فالأغلبية لا تعيش في المخيمات، ومن بين أولئك الذين يعيشون هناك، يعيش معظمهم في منازل أو شقق بدلاً من “المساكن العشوائية.” وأفاد المعهد أن ما نسبة 92% من الأسر التي شملتها الدراسة تملك منزلها الخاص.
وقالت بيسان، وهي فلسطينية تبلغ من العمر 30 عاماً من سوريا وتعيش اليوم في لبنان، لـFanack: “عشنا حياة جيدة جداً في سوريا.” فقد فرت عائلتها إلى سوريا من حيفا في عام 1948. وقالت بيسان التي ترعرعت في مدينة اللاذقية الساحلية، أنها كانت تعامل وعائلتها تماماً مثل جيرانها السوريين. وتابعت قولها “حتى الآن، خلال الحرب، مآساتهم نفس مآساتنا.” وأضافت بيسان أنها لم تشعر أبداً أنها تختلف عن السوريين الآخرين إلى أن عبروا إلى لبنان في بداية الحرب في سوريا. ففي ذلك الوقت، كان من السهل على المواطنين السوريين عبور الحدود، ولكن لأنها فلسطينية، تم إرسالها إلى خط منفصل واستجوبت على نطاق أوسع. “كانت هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بأنني فلسطينية. شعرت وكأني يتيمة.”
ومنذ بداية الحرب، انقسم الفلسطينيون بين داعمٍ للنظام السوري وداعمٍ للمعارضة ومحاولة البقاء خارج الصراع تماماً. كما انضم العديد من أنصار حماس إلى المعارضة، بينما دعم أنصار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين النظام. ففي الماضي، موّل النظام السوري حماس، إلى جنب الجماعات الفلسطينية المسلحة الأخرى، في الصراع ضد إسرائيل. ومع ذلك، بعد اندلاع الحرب في سوريا، انشقت حماس عن النظام وأيدت دعم الجيش السوري الحر المعارض.
وكان مخيم اليرموك بالقرب من العاصمة السورية دمشق، الذي كان موطناً لحوالي 160 ألف فلسطيني مع عدد كبير من السكان السوريين، محاصراً من قبل النظام السوري في أعقاب اشتباكاتٍ بين الحكومة وجماعات الثوار التي اندلعت في ديسمبر 2012. وقع المخيم تحت حصارٍ لمدة عامين تقريباً قبل أن يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أبريل 2015. وقد لقي ما يقدر بـ200 شخص حتفهم، معظمهم بسبب المجاعة، فيما نزح معظم سكان المخيم. وفي اليرموك، كما هو الحال في العديد من المناطق السورية، لم تتمكن جماعات تقديم المعونة من تقديم المساعدات الغذائية أو الطبية إلى الفلسطينيين أو السوريين.
ومنذ بداية الحرب، أصبح السفر صعباً على السوريين اليائسين للفرار من البلاد، وفي بعض الحالات، سيما بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا. فعلى سبيل المثال، بدأ الأردن في منع الفلسطينيين في سوريا من دخول البلاد في عام 2012 وأعلنوا سياسة رسمية بعدم دخولهم في يناير 2013. انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الأردن في تقريرٍ صدر عام 2014 لترحيل أكثر من 100 فلسطيني إلى سوريا.
أما في لبنان، حيث يتمتع الفلسطينيون بالفعل بحقوق قانونية محدودة، وجدت الأونروا أن “المساحة المخصصة للاجئين… آخذة في التقلص، مع سياسة حكومية أكثر صرامة بشأن وصول اللاجئين إلى لبنان والحقوق القانونية، بما في ذلك حقهم في العمل والحقوق المدنية.” وفي عام 2015، اعتمد حوالي 98% من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا الذين يعيشون في لبنان على المساعدات النقدية التي تقدمها الأونروا كمصدرٍ رئيسي للدخل، مقارنة بنسبة 70% في أبريل 2014.