حذر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال خطابٍ متلفز بُث في 22 يوليو 2018 في ذكرى ثورة عام 1952، من تعرض مصر لخطرٍ حقيقي يسعى لتدمير الدولة من الداخل. فقد ادعى أن “الشائعات” التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤجج الاستياء، وتزعزع استقرار البلاد وتحرض على الكراهية ضد الحكومة. كما نوه إلى أنه خلال الأشهر الثلاث الماضية فقط تم رصد 21 ألف شائعة تهدف لزعزعة الاستقرار.
وبعد يومين، تم بث العديد من الإعلانات التلفزيونية التي تُحذر المواطنين من تصديق كل ما تتم قراءته على وسائل التواصل الاجتماعي، وذكرالإعلان “احصل على الأخبار من مصدر موثوق.”
وعلى ما يبدو، فأن هناك تغيرٌ في موقف الدولة تجاه وسائل التواصل الاجتماعي. ففي 16 يوليو، أقر البرلمان ثلاثة قوانين إعلامية وصحفية، التي تنتظر في الوقت الراهن مصادقة الرئيس عليها فحسب. ومن إحدى النقاط الأكثر إثارةً للجدل في التشريع الجديد هي اعتبار مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن يملكون أكثر من 5000 متابع وسيلةً إعلامية، مما يجعلهم عرضة لتهمٍ مثل “نشر أخبار كاذبة” و”التحريض ضد الدولة.” ووصفت المدونة زنوبيا هذا التشريع بأنه “نهاية وسائل التواصل الاجتماعي بموجب القانون.”
فقد تم اتخاذ الخطوة الأولى نحو قوانين الإعلام الجديدة هذه في ديسمبر 2016 بإنشاء ثلاث هيئات جديدة تشرف على وسائل الإعلام، وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة وهيئة الإذاعة الوطنية. ومع ذلك، لم تقدم لجنة الإعلام في البرلمان، حتى يونيو 2018، القوانين الثلاثة جديدة التي تمت الموافقة عليها بعد شهر.
وقال رئيس اللجنة الإعلامية، أسامة هيكل، إن القوانين ستوفر “ضماناتٍ غير مسبوقة” لاستقلال وسائل الإعلام. وفي إحدى التغريدات، أشارت وزارة الخارجية إلى القوانين باعتبارها “انتصار لحرية التعبير.”
بيد أن الصحفيين لم يكونوا إيجابيين إلى هذا الحد، فقد وقّع عدة مئات من الأشخاص على بيانٍ على الإنترنت معربين عن رفضهم للقوانين، حيث انتقدوا على وجه التحديد الصلاحيات الواسعة الممنوحة للهيئات التنظيمية للإعلام، التي تتحكم في اختيار رؤساء وسائل الإعلام ورؤساء التحرير، والتي تتمتع بصلاحياتِ تعليق المنشورات أو البث، وإلغاء تراخيص وسائل الإعلام، ورصد وإزالة الحسابات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما تم انتقاد العدد المنخفض من المقاعد للصحفيين في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (اثنان من أصل تسعة). وعلاوة على ذلك، يتم تعيين رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مباشرةً من قبل الرئيس.
وقد أعرب مجلس الدولة، أعلى هيئة قضائية في مصر، عن قلقه بشأن دستورية القوانين، إلا أن هيكل رفض هذه المخاوف، مشيراً إلى أن “البرلمان لن يصدر قانوناً غير دستوري.”
كما أعربت المنظمات الدولية عن مخاوفها أيضاً، إذ قالت منظمة العفو الدولية إن هذه القوانين “ستمنح الدولة سيطرةً شبه كاملة على المطبوعات وعلى الإنترنت ووسائل الإعلام.”
إلى حدٍ ما، توفر القوانين مبرراتٍ قانونية إضافية للسياسة الحالية. ففي مايو، ألقي القبض على سلسلة من النشطاء البارزين بتهمة “نشر أخبار كاذبة” و”الانضمام إلى منظمة إرهابية.” ولم يكن معظم هؤلاء النشطاء منخرطين بشكلٍ مباشر في السياسة، إلا أنهم عبروا عن استيائهم من قيادات البلاد عبر مدونتهم أو عبر تويتر أو قناة يوتيوب. ولا يزال جميع المعتقلين الستة رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة.
ربما تكون المشكلة الرئيسية في التشريع الجديد هي لغته الغامضة والمجال الذي يتركه هذا الأمر للتأويل من قبل السلطات المنفذة، وفقاً لرابطة حرية الفكر والتعبير. فقد صرحت هذه المنظمة غير الحكومية المصرية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي عن حرية الصحافة بأن بعض المواد “تسمح للسلطة الإدارية باستخدام سلطتها بشكلٍ تعسفي.”
فعلى سبيل المثال، تنص المادة 19 على أنه “يحظر على الصحيفة أو الوسيلة الإعلاميـة أو الموقع الإلكترونى ، نشرأو بث أخبار كاذبة أو ما يدعـــو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية ، أو ينطوي على تمييز بين المواطنين أو يدعو إلى العنصرية أو التعصر أو ضدّ طعناً فيعد الأفراد أو سباً أو قذفاً لهم أو إمتهانا للأديان السماوية أو للعقائد الدينية.” وأن بإمكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منع أو إغلاق الوسيلة الإعلامية التي تنتهك هذه اللوائح.
وكما هو منصوصٌ عليه في المادة 4، يُحظر – كما يمكن أن يؤدي إلى إغلاقٍ غير مسمى لوسيلة الإعلام المسيئة – “الإضرار بالأمن القومي” و”انتهاك أخلاقيات ومعايير مهنة الإعلام.” وتضيف المادة 5 “الطائفية” و”التحريض على المواد الإباحية” و”النشاط المعادي لمبادىء الديمقراطية” كأسباب لرفض أو إلغاء تراخيص، من بين أمورٍ أخرى، الوسيلة الإعلامية.
وقال حسن الأزهري، مدير الوحدة القانونية في رابطة حرية الفكر والتعبير، لفَنَك في رسالةِ إلكترونية: “ستعيد القوانين الجديدة صياغة المشهد الإعلامي بأكمله.” وأضاف “يشددون قبضة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على إنشاء وأنشطة المواقع الإلكترونة والصحف.”
ويبدو الاستخدام التعسفي للسلطة لإغلاق وسيلة إعلامية ما أمرٌ واقع بالفعل. فمنذ مايو 2017، تم حظر أكثر من 500 موقع إلكتروني، بتهمة تهديد الأمن القومي أو نشر أخبارٍ كاذبة. وفي حين أن بعض هذه المواقع تنتمي إلى جماعاتٍ متشددة عنيفة أو جماعاتٍ متطرفة، مثل حركة حسم، فإن العديد منها مواقع إخبارية مستقلة ومنظماتٍ غير حكومية، محلية ودولية على حد سواء.
بالإضافة إلى ذلك، أقرت مصر قانوناً جديداً للجرائم الإلكترونية يتضمن عقوباتٍ على مزودي خدمات الإنترنت الذين يرفضون تنفيذ أوامر السلطات بحجب الموقع الإلكتروني.
وفي أوائل يوليو، استخدم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سلطاته لفرض أمر بمنع النشر فيما يتعلق بقضية فسادٍ مزعوم في مستشفى سرطان خيري مشهور للأطفال. فقد كان هذا أول أمر بمنع النشر يصدر عن هيئةٍ غير قضائية. ووصفت رابطة حرية الفكر والتعبير أمر منع النشر بـ”المعيب قانونياً من العديد من النواحي،” إلا أنها أشارت إلى أن غموض التشريع الجديد وتفسيراته واسعة النطاق من قبل رئيس المجلس الأعلى سمح بحدوث أمر منع النشر هذا.
ومن الحالات الأخرى التي قد يلعب فيها التشريع الجديد دوراً واضحاً، ما حصل مع رئيس تحرير صحيفة “المصري اليوم” محمد صالح وثمانية صحفيين آخرين بسبب “نشر أخبار كاذبة.” فقد ذكرت الصحيفة المملوكة للقطاع الخاص عن عملية شراء للأصوات خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس 2018، حيث قام المجلس الأعلى بتغريم الصحيفة مبلغ 150 ألف جنيه مصري (9 آلاف دولار) لنقلها الخبر. وعليه، تم إلقاء القبض على صالح والصحفيين إلا أنه أطلق سراحهم بكفالة في أبريل الماضي، ولا تزال القضية قيد التحقيق.
كما تم إطلاق سراح رئيس تحرير صحيفة أخرى، مصر العربية، بكفالة في يوليو بعد أن أمضى 3 أشهرٍ في السجن بتهمٍ مختلفة بما فيها “نشر أخبارٍ كاذبة” خلال الإنتخابات. إذ قال الأزهري، “إن القانون الجديد يفرض المزيد من القيود على المؤسسات والمواقع الإلكترونية… مما سيزيد من التحديات التي تواجه الصحفيين.”
فقد تعرضت حرية الصحافة بشكلٍ عام لضغوطٍ متزايدة في السنوات الأخيرة، حيث صنفت منظمة مراسلون بلا حدود مصر في المرتبة 161 من أصل 180 في مؤشرها العالمي لحرية الصحافة لعام 2018. وكتبت منظمة مراسلون بلا حدود في أحدث تحليلاتها “في مصر… أصبح الكفاح ضد الإرهاب سلاح النظام الأساسي للقضاء على الصحفيين. إن جميع وسائل الإعلام المستقلة والصحفيين يتعرضون لاحتمال توجيه تهمٍ بالإرهاب.”
وحالياً، يقبع ما لا يقل عن 30 صحفياً في السجون في مصر، وذلك بحسب منظمة مراسلون بلا حدود. أحد أشهر هؤلاء المصور الصحفي محمود أبو زيد، المعروف أيضاً باسم شوكان، المسجون منذ أغسطس 2013 ولا زال ينتظر صدور حكمٍ بحقه.
لا تزال الآثار الدقيقة للتشريعات الجديدة على وسائل الإعلام في مصر قيد النظر، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الإعتبار المصطلحات التي تحتمل التأويل بشكلٍ فضفاض. وكما يقول الأزهري، “بعد موافقة [من الرئيس]، سيتم إصدار اللائحة التنفيذية، والتي ستوضح القواعد التفصيلية حول كيفية تنفيذ مواد القوانين.” ومع ذلك، لا تُبشر الظروف الحالية خيراً.