رغم المزيد من الحرية الواضحة التي تمتعت بها مصر بعد سقوط مبارك، لا تزال الدولة تحكم وسائل الإعلام بقبضة حديدية. ومع إدخال القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، فقدت السلطات قدراً كبيراً من السيطرة، ولكن وزارة الإعلام لا تزال تعتمد بشكل كبير على المنافذ المملوكة للدولة ووسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص، سواء المطبوعة أو الإذاعة أو التلفزيون.
في عهد مبارك، كانت الصحافة المملوكة للقطاع الخاص في مصر صريحة إلى حد ما، مما ترك انطباعاً عن حرية تعبير نسبية في البلاد، ولكن مع بعض القيود الخطيرة. أولاً، كانت هناك القيود الرسمية التي فرضتها الحكومة، تخظر انتقاد الرئيس أو المسؤولين الحكوميين أو الجيش أو تقديم “أخبار كاذبة” دون تحديد مصدرها. ثانياً، كان هناك تأثير الدين الإسلامي والمسيحي القبطي على حد سواء. وغالباً ما كانت تُحال جميع الأفلام أو الكتب، أو غيرها من وسائل الإعلام المطبوعة، أولاً إلى الأزهر أو الكنيسة القبطية للموافقة عليها. ثالثاً، تأثير المجتمع نفسه من خلال الآداب العامة.
مع أن الدستور المصري خصص فصلاً كاملاً لحرية الصحافة، ألا أنّ هذه الحريّة اقتصرت دائماً على قانون الطوارئ الذي فُرِض عام 1967 وأعطى الحكومة الحق في منع النشر إذا كان يشكل خطراً على الأمن القومي أو الآداب العامة. إضافة إلى 35 قانوناً، ما يعرف بـ “القوانين سيئة السمعة”، التي تفصّل العقوبات المختلفة بحق وسائل الإعلام، بدءً من الغرامة حتى السجن. رغم تعديل قانون الصحافة عام 2006، إلا أنه لا يزال يحظر انتقاد الرئيس أو المسؤولين الحكوميين أو الجيش أو نشر “أنباء كاذبة”.
رغم حقيقة محاولة العديد من الصحف المستقلة المملوكة للقطاع الخاص، مثل صحيفتي “المصري اليوم” و “الشروق“، تقديم نفسها على أنها صحف معارضة، إلا أن العديد من المقالات النقدية لم تصل إلى الطباعة في عهد مبارك. ويشهد على ذلك نظام الرقابة المشددة في مصر – داخل الصحف والمؤسسات الحكومية والجامعات. علاوة على ذلك، لم يكن هناك أفكار نقدية نتيجة الرقابة الذاتية التي تطورت على مر السنين كوسيلة للبقاء. فقد كان من السهل جداً مقاضاة الصحفيين بتهمة القذف أو التشهير والحكم عليهم بالسجن في حال تقدم أحد المسؤولين الحكوميين أو المواطنين بشكوى. في أواخر عام 2008، تمت محاكمة أربعة محررين لانتقادهم الحكومة وكتابتهم تقارير عن صحة الرئيس. وحكم على أحدهم بالسجن مدة عام، ولكن صدر عفو عنه من قبل مبارك قبل بضعة أشهر من سقوطه.
بعد الثورة مباشرة، وجدت وسائل الإعلام نفسها في وضع مائع. من جهة، كان هناك فرصة لا مثيل لها للنقد، ولكن من جهة أخرى، كما سيتضح لاحقاً، كان يتم التسامح مع هذا النقد فقط إذا وُجِهَ نحو مبارك أو عائلته أو شخصيات بارزة في نظامه. حوّلت وسائل الإعلام الحكومية ولاءها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ونتيجة لذلك، كان يتم تصوير أي انتقاد للجيش أنه موجه ضد الثورة والدولة.
في البداية، بالكاد تمت تغطية أخبار اختبارات كشوف العذرية الشائنة في وسائل الإعلام. وبعد ذلك بوقت قصير، في نهاية آذار/مارس 2011، أرسلت مديرية الشؤون الأخلاقية في الجيش المصري رسالة إلى جميع رؤساء تحرير وسائل الإعلام المطبوعة تأمرهم بعدم السماح بنشر أية مادة إخبارية تتعلق بالجيش دون الحصول على موافقة مسبقة من الجيش.
تحدى العديد من الصحفيين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن ليس بدون تداعيات. فعلى سبيل المثال، تم استدعاء الصحفية رشا عزب ورئيس تحرير صحيفة الفجر اليومية عادل حمودة أمام المحكمة العسكرية بتهمة “التحريض ضد الجيش”، عندما قامت عزب بتغطية أحداث المحاكمات العسكرية للمدنيين.
بعد الاعتداء على أكثر من 50 صحفياً ومراسلاً ومصوراً واعتقالهم، أصبح وضع الصحافة أسوأ بكثير خلال فترة ما بعد الثورة التي أسقطت مصر من 127 إلى 166 على مؤشر حرية الصحافة لمنظمة “مراسلون بلا حدود”.
ونفس الوضع كان بالنسبة للتلفزيون. حيث حوّل تلفزيون الدولة ولاءه بعد الثورة؛ وذلك من مجرد ناطق بلسان الحكومة إلى أداة في يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2011، دعا التلفزيون الرسمي الناس إلى “حماية الجيش” من مظاهرة سلمية، قبطيّة بمعظمها، أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو في القاهرة. وكانت النتيجة حمام دم.