وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عصرٌ جديد من الاغتيالات تسود فيه البنادق والطيارات غير المأهولة والسموم

الاغتيالات: طلاب الأستاذ الجامعي الفلسطيني فادي محمد البطش (٣٥ عاماً) عقب مقتله في إطلاق نار من سيارة مسرعة قبل يوم.
صورة تم التقاطها يوم ٢٢ إبريل لطلاب الأستاذ الجامعي الفلسطيني فادي محمد البطش (٣٥ عاماً) عقب مقتله في إطلاق نار من سيارة مسرعة قبل يوم. ويبدو الطلاب في الصورة وهم يعانقون بعضهم البعض خارج مجمّع جناح الطب الشرعي في مستشفى سيلايانغ بكوالالامبور. وجرى تشريح جثّة الأستاذ الفلسطيني الذي قتل بالرصاص فيما تزعم عائلته بأنه عملية اغتيال نظمتها وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد. المصدر: Mohd RASFAN/ AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالاً سلط الضوء على اغتيال كبير علماء الذرة الإيرانيين محسن فخري زاده وما وقع من تغييرات على الساحة الدولية وأسس لعصر الاغتيالات الجديد الذي نعيش فيه. ويسرد صاحب المقالة بول مادريل، المحاضر في التاريخ والعلاقات الدولية بجامعة لافبورو ببريطانيا، تاريخ ما أسماه بعصر الاغتيالات الجديد. ويتناول مادريل في هذه المقالة كيفية تطور استخدام الدول لهذا الأسلوب بعد الحرب العالمية الثانية، بالتزامن مع التعريج على ازدياد اعتماد الدول عليه مع بداية الألفية الحالية بدافع الخوف من الإرهاب وعرقلة وصول الدول المعادية إلى أسلحة الدمار الشامل.

ويبدأ مادريل مقالته بالتالي: “لم يعلن أحد رسمياً مسؤوليته عن نشر المدفع الرشاش الذي تم التحكم به عن طريق القمر الصناعي المزود بتقنية “الذكاء الصنعي” لاغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في طهران نهاية شهر نوفمبر الماضي. لكنك ستكون محقاً تماماً لو توقعت أن يكون الفاعل الموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي العدواني الشهير بإبداعه سيئ السمعة”.

وتقوم إسرائيل بتنفيذ ما تدعوه بـ “القتل المستهدف” منذ قيامها عام 1948. ويقدّر الصحفي الإسرائيلي البارز رونين برغمان في كتابه “انهض واقتل أولاً” عدد عمليات الاغتيال بنحو 2700 عملية.

وتشتهر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بابتكاراتها فيما تقوم به من اغتيالات. وعلى سبيل المثال، اغتيل وديع حداد، قائد العمليات الخارجية بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، باستخدام سمّ دسّ في معجون أسنانه. أما يحيى عياش، وهو “المهندس” الذي خطط عدة عمليات تفجير انتحارية في إسرائيل، فقد قُتل عام ١٩٩٦ عن طريق عبوة ناسفة في جوّاله.

وفي فبراير من عام ٢٠٠٨، قُتل رئيس أركان حزب الله اللبناني عماد مغنيّة بتفجير سيارته في دمشق. ووفقاً لبرغمان، فقد كان من المحتمل أن يقتل الإسرائيليون الجنرال الإيراني قاسم سليماني مع مغنيّة، بيد أن الولايات المتحدة لم توافق حينها إلا على اغتيال مغنية فقط.

بالتأكيد ليست إسرائيل وحدها التي تتخلص من أعدائها بالقتل خارج نطاق القانون. فنحن نعيش في أعظم عصور الاغتيال. وتستخدم الدول، بدافع الخوف من تهديد الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، استخبارات متقدمة بشكل متزايد لتعقّب الأشخاص الخطرين وقتلهم، ومنع وصول الدول الأخرى إلى التكنولوجيا الخطرة.

تكنولوجيا جديدة

بدء عصر الاغتيالات الحديث في 11 سبتمبر عندما أدركت الولايات المتحدة أنها عرضة لوقوع خسائر بشرية كبيرة جرّاء الهجمات الإرهابية على أرضها. لذلك، اتخذت “الحرب على الإرهاب” شكلاً صريحاً وآخر خفياً؛ الأول تمثّل في غزو أفغانستان والعراق، والثاني في برنامج اغتيال جوي صار ممكناً بفضل التكنولوجيا الجديدة.

وكانت الطائرات الزنانة فعالة للغاية في قتل الإرهابيين. وكان قد وقع أول اغتيال بواسطة الطائرات الزنانة في اليمن عام 2002. وبحلول نهاية 2013، كانت الطائرات الزنانة الأمريكية قد قتلت ما بين 719 و929 شخصاً في اليمن وحده. وبين 2004 ونهاية 2013، تراوح عدد الأشخاص الذين قتلتهم الزنانات في باكستان بين 2080 و3428 شخصاً.

كما تم استخدام القوات الخاصة لقتل أهداف رئيسية مثل أسامة بن لادن في باكستان في عام 2011، وأبو بكر البغدادي في سوريا في عام 2019. وأخيراً، قُتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة بطائرة زنانة في بغداد في يناير 2020، فيما يمثّل خطوة جذرية من الولايات المتحدة للقضاء على فاعل رسمي رئيسي اعتبرته إرهابياً. واعتبرت الامم المتحدة القتل غير قانوني.

لطالما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاسياً أيضاً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالقضاء على الخصوم السياسيين. ومحاولة قتل ضابط المخابرات السابق والجاسوس البريطاني سيرغي سكريبال في ساليسبري، جنوب غرب إنكلترا، في عام 2018، علاوة على الاغتيال الناجح لضابط المخابرات الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو باستخدام مادة البولونيوم 210 التي دُسّت له في كوب شاي في فندق بلندن عام 2006 ليستا إلا أشهر عمليات الاغتيال في سلسلة الاغتيالات التي حدثت في عهد بوتين. وكان من بين ضحاياه سياسيون وصحفيون معارضون، بالإضافة إلى مقاتلين من الحرب المريرة في الشيشان اعتبرتهم موسكو إرهابيين.

منع الانتشار

منذ أربعينيات القرن الماضي، حاولت القوى الكبرى في العالم منع أعدائها من تطوير أسلحة الدمار الشامل. وكانت بريطانيا أول من يستخدم الاغتيالات لمنع تطوير هذه التقنيات في الحرب العالمية الثانية. ذات ليلة في أغسطس 1943، قصف سلاح الجو الملكي موقع تطوير واختبار الصواريخ الألمانية في بلدة بينامونده على بحر البلطيق. واستهدف سلاح الجو الملكي البريطاني الأحياء السكنية للعلماء والمهندسين والفنيين بهدف قتل أكبر عدد ممكن. وقد قُتل في الهجوم ما يقرب من 130 عالماً ألمانياً.

كما خشيت بريطانيا والولايات المتحدة من أن تقوم ألمانيا النازية بتطوير قنبلة ذرية. ففي عام 1944، أُرسل عميل أمريكي إلى سويسرا لحضور محاضرة لعالم الفيزياء النووية الألماني البارز الحائز على جائزة نوبل فيرنر هايزنبرغ.

كان العميل مسلحاً ولديه أوامر باغتيال هايزنبرغ إذا قال الفيزيائي أي شيء يشير إلى أن ألمانيا النازية توشك أن تطور قنبلة ذرية. لكن محاضرة هايزنبرغ لم تكن فيها أي إشارة إلى ذلك، ولهذا نجا من زيارته إلى سويسرا.

كما استخدمت إسرائيل الاغتيالات في محاولة لمنع جيرانها من تطوير الصواريخ والأسلحة النووية. إذ حاولت في الستينيات عرقلة مشروع تطوير الصواريخ المصري بقتل المهندسين الألمان العاملين عليه. وفي عامي 1980 و1981، قُتل علماء ومهندسون يعملون في مشروع أسلحة نووية بالعراق في أثناء وجودهم خارج البلاد.

وفي عام 1990، قتل الإسرائيليون العالم الكندي الدكتور جيرالد بول الذي كان يصنع لصدام حسين “مدفعاً عملاقاً”، وهو أكبر مدفع جُمع على الإطلاق. وكان من المقرر أن يطلق المدفع قذائف صاروخية على بعد آلاف الكيلومترات. لكن مقتل بول أنهى المشروع.

وحاولت إسرائيل منذ 2007 قتل علماء نوويين إيرانيين، اغتيل أربعة منهم، وحاولت اغتيال الخامس. ولم تعلن إسرائيل قط مسؤوليتها عن الاغتيالات، ولكن يعتقد الجميع في أنحاء العالم أنها وراءها. لكن قتل عدد قليل من العلماء لن يوقف المشروع.

ويختم مادريل مقالته بالتالي: “الاغتيال قديم قدم السياسة نفسها. لكن زيادة الإرهاب وانتشار التكنولوجيا وخبرة تطوير أسلحة الدمار الشامل تزيد من استخدامها. وستستمر الدول في المستقبل المنظور في اغتيال الإرهابيين والعلماء العاملين في مشاريع أسلحة الدمار الشامل لأنها تعتبرهم خطراً”.

ملاحظة

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 10 ديسمبر 2020.