وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إيران وبايدن: تحديات تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة

Iran Biden relation
طلاب من قوات الباسيج الإيرانية شبه العسكرية يحرقون صوراً للرئيس الأمريكي ترمب والرئيس المنتخب بايدن، خلال تجمعٍ حاشد أمام وزارة الخارجية في طهران للاحتجاج على مقتل العالم النووي البارز محسن فخري زاده، في 28 نوفمبر 2020. Photo: ATTA KENARE / AFP

حسن أحمديان

كرر الرئيس المنتخب جو بايدن، مراراً وتكراراً، معارضته لسياسة ترمب تجاه إيران، وعليه، يُبشر إنتخابه بمرحلةٍ جديدة قد تُغيّر مسار العداء المتنامي بين البلدين- بالرغم من الشكوك التي تراود الكثيرين حول الوصول إلى مثل هذه النتيجة. في المقابل، ستكون سياسة إيران تجاه إدارة بايدن تفاعلية وفقاً للخيارات التي تتخذها إدارته. وبالتالي، سيعني استمرار ممارسة سياسة أقصى قدرٍ من الضغط استمرار تحدي إيران للمطالب الأمريكية، في حين قد تعزز العودة إلى الدبلوماسية الثقة وتقود إلى مزيدٍ من المفاوضات واتفاقاتٍ محتملة.

ضارباً بالإتفاق النووي مع إيران عرض الحائط، اتخذ الرئيس ترمب منعطفاً معاكساً تجاه إيران وشرع بسلوك مسارٍ متطرف أحادي الجانب. فقد كانت سياسة فرض أقصى قدرٍ من الضغط والتهديد بتصعيدٍ عسكري تجاه البلاد جزءاً من سياسة تشديد الخناق على الخصوم لنزع مزيدٍ من التنازلات، وهو الأمر الذي لم ينجح مع إيران. ولمواجهة سياسة ترمب، شرعت إيران بتنفيذ مبدأ “صبرها الاستراتيجي” وبعد عامٍ من انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة، استبدلت صبرها بـ”المقاومة الفعالة” باستخدام مختلف الوسائل سواء كان ذلك على صعيد برنامجها النووي أو حتى القضايا الإقليمية لردع التصعيد الأمريكي وإجبارها على العودة للالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة. بناءً على ذلك، بدأت إيران بتخفيض إلتزاماتها النووية في خطة العمل الشاملة المشتركة بما يتماشى مع بندوها (المادتين 26 و36)، وذلك بحسب مسؤولين إيرانيين. ومع ذلك، شهدت الأمور تصعيداً أشد وطأة وشهد عام 2020 اغتيال شخصيتين رفيعتا المستوى: اللواء قاسم سليماني والعالم النووي محسن فخري زاده.

وحتى الآن، كانت وعود بايدن وإيماءاته خلال حملته الإنتخابية بعيدةٍ كل البعد عن تلك التي أطلقها ترمب. فقد لقيت وعوده بالعودة إلى الإتفاق النووي واستعادة الدبلوماسية مع إيران بدلاً من ممارسة سياسة أقصى قدرٍ من الضغط أحادية الجانب استحساناً، بالرغم مما يشوبها من حذر، من جانب طهران. فقد تحدث المسؤولون الإيرانيون عن عودةٍ متبادلة للإلتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، واقترحوا اتباع نهجٍ تدريجي لإحياء الاتفاق النووي. ومع ذلك، تشير النقاشات في دوائر السياسة الخارجية لبايدن إلى اختلافٍ في وجهات النظر حول الخيارات المناسبة في سياسة الإدارة الأمريكية المقبلة تجاه إيران. وبينما يرى البعض أن العودة غير المشروطة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة هي أفضل مسارٍ لتمهيد الطريق لمزيد من المفاوضات، يركز البعض الآخر على عقلانية استخدام تأثير سياسة ترمب بممارسة أقصى قدرٍ من الضغط لانتزاع المزيد من التنازلات من طهران.

ووفقاً لذلك، من المحتمل أن ينتظر الإيرانيون مسار العمل الذي ستتخذه إدارة بايدن للرد. وبينما من الواضح أن الخيار الأول سيكون موضع ترحيب من قبل طهران، مما يمهد الطريق لعودتها إلى الامتثال الكامل للخطة، فلربما سيثير الخيار الثاني نقاشاتٍ في إيران لا تختلف كثيراً عن تلك التي أثيرت في ظل سياسة ترمب لممارسة أقصى قدرٍ من الضغط – مما يؤدي على الأرجح إلى جموح إيران ومواصلة تركيزها على المقاومة الفعالة.

وفي حين أن رغبة بايدن في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة جعلت إحياءها أمراً محتملاً على نحوٍ أكبر، فمن الممكن أن يُعقّد لجوئه المحتمل إلى الشروط المسبقة وشروط إيران الخاصة الموقف. ففي المناقشات الإيرانية حول سياسة بايدن، التي سبقت الانتخابات الأمريكية، بيد أنها اكتسبت زخماً أكبر فيما بعد، برزت الكثير من الانتقادات حول خطة العمل الشاملة المشتركة باعتبارها حلول ضرورية للاتفاق النووي لجعله أكثر توازناً، وكلاهما يمنح إيران امتيازات مساوية لتلك التي منحتها إياها مجموعة 5+1 في الصفقة وتعزز أسسها القانونية ضد الانتهاكات المستقبلية.

وهنا، يمكن الأخذ بثلاث نقاط باعتبارها النقاط الرئيسية: أولاً، ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية تعويض الانتهاكات السابقة لتتمتع بامتيازات الاتفاق النووي وتصبح عضواً كامل العضوية مجدداً، إذ لا يمكن تجاهل المِحن التي خلفتها انتهاكات ترمب وسياسته لممارسة أقصى قدر من الضغط بتكاليف تصل إلى مليارات الدولارات، ولا بد من تعويضها وفقاً لذلك. ثانياً، ينبغي أن تتمتع خطة العمل الشاملة المشتركة بأسس قانونية متينة لردع أي انتهاكاتٍ ومعاقبة المخالفين- وهو أمرٌ يصعب تحقيقه في أي سيناريو محتمل. ثالثاً، لا بد من العودة إلى التزامات خطة العمل الشاملة المشتركة بطريقةٍ متبادلة وتدريجية، وخلافاً لعام 2015، يجب ألا تفي إيران بكامل التزاماتها ما لم تتحقق التزامات الآخرين عملياً.

ومن الجدير بالذكر هنا أن الخلافات الإيرانية الأمريكية لا تقتصر فحسب على خطة العمل الشاملة المشتركة، إذ لطالما كانت سياسة إيران الإقليمية وقدراتها الصاروخية الباليستية تحظى بالنقاشات في إدارة ترمب وكذلك بين أروقة فريق بايدن للسياسة الخارجية. في الواقع، أحد الانتقادات الرئيسية التي أثيرت في الولايات المتحدة ضد خطة العمل الشاملة المشتركة كونها لم تعالج نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها الصاروخية. وإلى جانب الخبرة النووية، يعتبر نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها الصاروخية مصادر القوة الرئيسية لطهران، ووفقاً للنقاشات الدائرة في طهران، لا ينبغي للبلاد مشاركة طاولة المفاوضات مع أطراف ثبت أنهم غير جديرين بالثقة. ومع ذلك، حاولت إيران لعب دور إيجابي في القضايا الإقليمية، وشرعت في جولاتٍ من المناقشات حول الأزمات الإقليمية، لا سيما حول اليمن مع الأوروبيين، وسوريا مع شركائها في أستانا، وقدمت مبادرات مختلفة تهدف إلى نزع فتيل الأزمات الإقليمية. ومن المرجح أن يظل الحال على ما هو عليه في ظل إدارة بايدن، بيد أن ربط إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع القضايا الإقليمية كشرطٍ مسبق قد يثبط رغبة إيران في التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة.

ومع ذلك، لا تزال قدرات إيران الصاروخية خارج الطرح على طاولة المفاوضات في طهران. بل إن عصيان إيران لفكرة مناقشة برنامجها الصاروخي متجذرٌ في حقيقة عدم تمتعها بالدعم الدولي في أوقات الأزمات، وعلى هذا النحو، تعتبر هذه القدرات وسائل دفاعٍ وردعٍ رئيسية للبلاد في مواجهة خصومها. وهنا، لطالما كان يُنظر إلى مطالب الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية الثلاث باعتبارها تدخلاً سلبياً في سيادة إيران. ومع ذلك، وبطريقةٍ ضمنية لطمأنة المجتمع الدولي بشأن الطبيعة الدفاعية لبرنامج الصواريخ الباليستية، وضعت إيران حدوداً طوعية لمدى صواريخها من ناحية وركزت على زيادة دقة صواريخها – مما يشير إلى أنها ليست مصممة لتكون ناقلات رؤوس حربية نووية – من ناحيةٍ أخرى. على أي حال، من المرجح أن يظل هذا مصدر خلاف بين إيران وإدارة بايدن.

ومن المفترض أن تلعب السياسة الداخلية الإيرانية دوراً في العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد بايدن. فقد أدى نهج ترمب الأحادي الذي تسبب في الكثير من المصاعب الاقتصادية إلى نزع الشرعية بشكلٍ فعال عن نهج السياسة الخارجية لإدارة روحاني المتمثل في المشاركة البناءة – والآراء المعتدلة/ الإصلاحية بشأن السياسة الخارجية في المشهد السياسي الإيراني. وفي هذا الصدد، تعتبر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مع فوزٍ حاسم للتياران الإصلاحي/ المحافظ، مؤشراً على الاتجاه الذي تتجه إليه السياسة الداخلية الإيرانية. يُشكل هذا أهمية على وجه الخصوص ذلك أن البلاد تتجه إلى انتخاباتٍ رئاسية في يونيو 2021 وعادةً ما تمنح الإنتخابات البرلمانية مؤشراتٍ هامة بما ستؤول إليه الأمور.

دون تحقيق تقدمٍ ملحوظ في خطة العمل الشاملة المشتركة، من غير المحتمل أن تكتسب أجندة المعتدلين/ الإصلاحيين زخماً في الإنتخابات المقبلة. وحتى مع تحقيق التقدم المنشود، هناك شكوكٌ جديّة حول أدائهم، فقد اكتسبت الفصائل المحافظة زخماً بالفعل ومن المحتمل أن تقود النقاشات حول الإنتخابات المقبلة، ذلك أنهم بعيدين كل البعد عن الإنتقادات التي تعرضت لها إدارة روحاني والفصائل الداعمة له في السنوات الأربع الماضية. وعليه، سيكون هناك تكلفةٌ سياسية لا بد من دفعها في كلا السيناريوهين: إحراز تقدمٍ يذكر في خطة العمل الشاملة المشتركة أو استمرار الوضع الراهن. وخلافاً لنهج روحاني، ستتسم الإدارة المحافظة، على نحوٍ أكبر، بالإنطواء على الذات، وبحماسٍ أقل للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.