قُتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في غارةٍ شنتها القوات الأمريكية في 27 أكتوبر 2019. ومنذ ذلك الحين أكد الخبر من قِبل التنظيم نفسه وأعلن عن زعيمٍ جديد.
تمت الإشادة بالتطورات باعتبارها تقدماً إضافياً نحو تضييق الخناق على الجماعة التي نشرت الرعب في العراق وسوريا وخارجها. ومع ذلك، يحذر المحللون والمسؤولون من الرضا عن النفس، إذ يصفون العوامل المختلفة التي يمكن أن تؤثر على مسار الجماعة من هنا.
فقد كان أبو بكر البغدادي، المعروف أيضاً باسم أبو بكر البغدادي القرشي، “الخليفة” المعلن ذاتياً من قِبل داعش، التي سيطرت على مساحاتٍ شاسعة من العراق وسوريا بين عامي 2014 و2017. ومنذ ذلك الحين فقدت الجماعة الكثير من قوتها وأراضيها بفضل الجهود التي بذلتها القوات الأمريكية في سوريا بدعم من قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وفي العراق من قبل الجيش والميليشيات التي تدعمها إيران.
قُتل زعيم داعش سيىء السمعة خلال غارة على مجمع في شمال غرب سوريا. وفي وصفه للحظات التي سبقت وفاته، قال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، إن البغدادي “زحف إلى حفرة مع طفلين صغيرين وفجر نفسه بينما ظل من كان معه على الأرض.”
كان البغدادي متوارياً عن الأنظار منذ خمس سنوات قبل وفاته، وبالرغم من استبداله بالفعل، إلا أن تأثيره على الكيانات الإرهابية العالمية لم يُنسى من قِبل المحللين. فقد قال مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن خلفية البغدادي كعالمٍ إسلامي عراقي المولد تعني أنه احتُضن من قِبل كلٍ من العناصر المتطرفة والقوميين العراقيين الذين خدموا في جهاز أمن حزب البعث بزعامة صدام حسين. كما قام بإضفاء اللامركزية على الجماعة، مما ضمن طول عمرها وتمكينها من العمل من دونه أو أي قائد آخر.
أما خليفة البغدادي، أبو ابراهيم الهاشمي القرشي، فهو ضابطٌ سابقٌ بالجيش البعثي، إلا أن القليل يُعرف عنه حتى الآن.
بينما قال إتش إيه هيلر، الزميل المشارك الأقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن اختيار اسم القرشي هو إشارةٌ لقبيلة النبي محمد لتظهر داعش لأتباعها أنها تحترم هذا التقليد.
كما خسر التنظيم أيضاً المتحدث باسمه، أبو حسن المهاجر، في غارةٍ جوية بعد يوم من مقتل البغدادي. وقد حل محله أبو حمزة القرشي. وسرعان ما تولى القرشي مهمته على أكمل وجه، إذ أصدر تسجيلاً جديداً على موقع الجماعة، محذراً من أن التنظيم لم يمت بموت زعيمه. وقال “ألا تدركون أن الدولة اليوم ليست فقط على عتبة أوروبا وفي وسط إفريقيا، إنها باقية وتتمدد من الشرق إلى الغرب.”
واعترف ماكينزي أن القوات الأمريكية “لم تتوهم” أن التنظيم سيزول، إذ صرح “قد تكون أفعالهم مفككة بعض الشيء، وسيكونون خطرين، نشتبه بأنهم سيحاولون القيام بشكل ما من أشكال الهجمات الانتقامية. ونحن مستعدون تماما لذلك”.
وتشير التقارير إلى أن موت البغدادي من المحتمل أن يتسبب في انشقاق داعش، وقد يحتاج الزعيم الجديد إلى العمل على تآزر الجماعة مرة أخرى.
فمنذ خسارتها في سوريا، نفذت الجماعة حرب عصابات بدلاً من الإستيلاء على الأراضي من خلال هجمات واسعة النطاق، إلا أن رسالة البغدادي الأخيرة ذكرت أن العمليات اليومية لا تزال تحدث وأن الولايات المتحدة كانت تخسر في أماكن أخرى مثل أفغانستان. إن فرع الدولة الإسلامية في أفغانستان، المعروف باسم “ولاية خراسان الإسلامية،” آخذٌ بالنمو وتسبب في مقتل أكثر من ألف مدني، مستهدفاً الأقليات في البلاد، بيد أنه يفتقر إلى الدعم من خصمه الرئيسي، طالبان. ويقال إن الجماعة تفتقر إلى القوة أيضاً في البلدان الأخرى التي توجد بها مثل نيجيريا وليبيا ومصر.
لكن في العراق، أشار تقريرٌ صدر عن البنتاغون في أغسطس إلى أن “مراكز القيادة والسيطرة” لا تزال قائمة وأنها كانت تعاود الظهور في سوريا. كما أن الجماعة لا تزال تبذل جهوداً مكثفة، ودولية، لتجنيد المقاتلين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلاوةً على ذلك، لا تزال المظالم التي منحت داعش موطىء قدمٍ في العراق قائمة، فعلى سبيل المثال، لا يزال حوالي 300 ألف من السكان بلا مأوى، كما أن السياسيين المحليين يجهضون جهود إعادة الإعمار طمعاً بالرشاوي. فقد أسفرت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الفساد وسوء الإدارة عن مقتل 250 مدنياً في أكتوبر الماضي، كما أصيب المئات بجروحٍ بينما تتأرجح البلاد مجدداً على شفا عدم الاستقرار.
ومع ذلك، لا يرى مستشار الحكومة العراقية السابق روبرت تولاست أن داعش ستعود لنشاطها في العراق على المدى القريب، إذ يسود العداء المحلي ضد التنظيم خاصة بين رجال القبائل الذين مارسوا العقاب الجماعي على المجتمعات التي يُعتقد أنها ساعدتهم.
يوافق مايكل نايتس على أنه على المدى القصير، انتهى تنظيم داعش، لكنه يخشى أن يظهر من جديد بين أطفال أعضاء الجماعة، سواء المحليين أو الأجانب. فالكثير من هؤلاء الشباب محتجزون الآن في ما يسمى بمخيمات اللاجئين مثل الهول في سوريا، التي يقول المعلقون إنها أرض خصبة للمتطرفين في المستقبل.
فقد واجه المخيم المكتظ عدداً من المشكلات في السيطرة على سكانه. وبعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، أصبح الوضع في المخيم وسقوطه المحتمل أكثر خطورة.
وقبل موته، قيل إن البغدادي صرح إنه يريد استهداف المعسكرات والسجون التي تحتجز السوريين والعراقيين النازحين، الأمر الذي قد يجعل المخيمات عرضة للخطر، كما قال راسل ترافرز، القائم بأعمال مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، في حديثه أمام لجنة الكونغرس.
وبحسب ما قاله مايكل والتز، وهو نائب جمهوري ومقاتل سابق في القوات الخاصة لسلاح المشاة الأمريكي إن وجود القوات الأمريكية في المنطقة كان أمراً ضرورياً للقبض على البغدادي، إذ قال “يجب علينا منع داعش من العودة بالبقاء ضمن القوة الهجومية.”
وفي عام 2018، قدرت الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 30 ألف مقاتل من داعش لا زالوا نشطين في سوريا والعراق. واليوم، قال ترافرز، هناك أكثر من 18 ألف مقاتل أحرار يبحثون عن التوجيه لإعادة توحيد صفوفهم. فقد تم بالفعل استغلال الفراغ الأمني الذي خلفه غزو تركيا لسوريا في أوائل شهر أكتوبر وانسحاب الولايات المتحدة من خلال اقتحام السجون، حيث نجحت محاولتان من كل أربع محاولات في سوريا في شهر واحد. وفي 11 أكتوبر، فر خمسة أشخاص من مركز احتجاز في القامشلي بينما فر 850 شخص من مخيم عين عيسى في 13 أكتوبر.
ومع ذلك، دون خليفته، قد يفقد تنظيم الدولة الإسلامية الكثير من جاذبيته، وفقاً للينا خطيب، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، والتي سيحاول التنظيم التعويض عنها باستخدام “حكايا الانتقام” للحث على دعمه.
قد يؤدي هذا إلى هجمات انتهازية على المدى القصير لإثبات أهمية الجماعة، كما قد يمنح الغزو التركي أيضاً فرصة الاستفادة من جهود إحياءها.
في نهاية المطاف، سواء كانت داعش ستستعيد السمعة التي تمتعت بها يوماً ما بكونها جماعة لا يستهان بها موضع نقاشٍ مفتوح، ففكر داعش لا يزال يأسر الكثيرين، ولا بد أن يتحلى العالم باليقظة الدائمة.